لا كرامة لكاتب «عربي» في وطنه!
بقلم: شريف صالح
في الأيام الماضية تابعت حدثين: الحدث الأول الوداع الرسمي
والشعبي الأسطوري الذي حظي به غابرييل غارسيا ماركيز الكاتب الكولومبي
الأشهر الحائز على جائزة نوبل، بمشاركة رئيس المكسيك حيث عاش ومات هناك،
ورئيس كولومبيا بلده الأصلي. ورأيت كيف خرج الآلاف لإلقاء النظرة الأخيرة
وتوديعه وهم يرتدون «تي شيرتات» صفراء طبعت عليها صورته، ويحملون الأقحوان
والورود الصفراء.. كما رأيت صورته معلقة على الأشجار ومرسومة على الجدران،
بينما عشرات الطالبات قررن توديعه بقراءة رواياته.
كانت
بحق جنازة أسطورية قلما يحظى بها كاتب على مر العصور، إلى درجة أنه في إحدى
الصور يظهر شرطي يؤدي التحية العسكرية بجوار مواطن يرفع إحدى روايات
ماركيز.. ما يكشف عن عمق الاحترام لمعنى أن تكون كاتباً، وضميراً لشعبك.
ورائداً لا يكذب أهله.
أما الحدث الآخر فتمثل في تردي
الحالة الصحية للكاتب المصري الكبير مجيد طوبيا (1938م) ففي شيخوخته،
ووحدته، توقف طوبيا عن الكتابة، وتكالبت عليه الأمراض.
وكان
الزميل والصديق مصطفى عبدالله من أوائل من كتبوا عن تردي حالته الصحية،
مشيراً حسب تقرير د.علي الشامي، أن طوبيا يعاني من أعراض الزهايمر، ومنها
النسيان المرضي للأحداث، تغيرات مزاجية تظهر في صورة أعراض اكتئابية مثل:
العزلة والانسحاب وعدم الاهتمام والاكتراث، وعدم الاعتناء بالنفس أو
بالنظافة الشخصية، أفكار ضلالية (غير حقيقية) وتتميز بأنها خاطئة وثابتة
(لا يمكن تغييرها) وغريبة (غير قابلة للتصديق) وتتخللها أفكار خطيرة تتعلق
بإيذاء النفس، إضافة إلى نقص المهارات الاجتماعية، عدم التركيز، ونقص
الانتباه، والأعراض الفيزيائية التي تتمثل في: هزال عام، دوخة، وعدم
الاتزان، وأيضاً أعراض سلوكية مثل: الكلام البطىء، الانتقال المفاجىء بشكل
مرضي بين البكاء والضحك (عدم الثبات العاطفي)، وفقدان القدرة على أداء
الأعمال اليومية العادية.
في ظل هذه الحالة المزرية
للكاتب الكبير، بدأ اللصوص يقتحمون شقته بسهولة، ويقومون بالسطو عليه، دون
أن يحرك ساكناً، ولا يجد من يردعهم!
إلى هذه الدرجة وصل
الحال بأحد المجددين في الكتابة القصصية؟ هل يعقل أن يكون هذا هو مصير
مؤلف: فوستوك يصل إلى القمر، خمس جرائد لم تقرأ، الهؤلاء، تغريبة بني
حتحوت، بنك الضحك الدولي، والتاريخ العميق للحمير؟!
وكأن
طوبيا يدفع ثمن نزاهته، واستقلاله عن مؤسسات السلطة، حيث عاش في الظل رغم
موهبته الكبيرة، ورغم أنه سينارست محترف من أعماله المهمة: «أبناء الصمت»
و«قفص الحريم».
إنها ليست حالة فردية، بل تكاد أن تكون
حالة عامة للكاتب العربي في وطنه، فهو يعيش بلا كرامة، ولا ضمانة لقضاء
شيخوخة آمنة، ولا الحد الأدني من التأمين الصحي، ويومياً نسمع عن كتاب
ومفكرين عرب ماتوا يأساً وكمداً لأن أحداً لم يوفر لهم العلاج اللازم،
وعاشوا حياة قاسية من الفقر والتهميش والجحود.
يحتاج
تاريخ الثقافة العربية إلى تأريخ لهؤلاء المفكرين والمبدعين الذين تم
التنكيل بهم سجناً وقتلاً وحرقاً لهم ولأعمالهم، فمن ينسى مصير ابن المقفع،
والحلاج، والسهروردي، وكتب ابن رشد، والتوحيدي! من ينسى محاولة قتل نجيب
محفوظ، وموت جمال حمدان (أو قتله) بالغاز في شقته المتواضعة، بعد قتله
معنوياً واضطراره إلى ترك التدريس في الجامعة! من ينسى ما جرى مع عبدالوهاب
المسيري في ظروفه الصحية لولا تدخل أحد الأمراء في السعودية!
تاريخ
من العار، يعادي الفكر والإبداع، وحرية الكلمة.. يعادي كل من أن يحاول أن
يقول كلمته للناس، وليس لاسترضاء سلطة ونيل بركاتها وخيراتها! فشتان ما بين
الصورة الأخيرة لماركيز وهو يعلو رمزاً كبيراً لضمير وطن وشعب وأمة،
ويتشارك الجميع من ساسة ومبدعين وبشر عاديين، في الاحتفاء به.. والصورة
الأخيرة لصاحب «أبناء الصمت» و«تغريبة بني حتحوت» وهو يجلس وحيداً في شقته،
بذاكرة مفتوحة على الفراغ والفوضى والإهمال والجحود والنكران!.
http://www.annaharkw.com/annahar/Article.aspx?id=454819&date=02052014#.U2Lc8jN1wO8.facebook
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق