عادل البطوسى
شاعر ومؤلف مسرحي
لا يختلف إثنان قط على أنَّ مسرحنا العربيَّ بحاجةٍ إلى
قراءاتٍ واعيةٍ تدرسُ "الفرجة" بكلِّ أبعادها وأشكالها كعنصرٍ من أهم
عناصر التواصل بين "المتفرِّج" وما يجري على "الرُكح" من
آداءٍ فنِّيٍّ في سياق التكامليَّة المشهديَّة والتفاعليَّة التي تُحقِّق المتعة
الفكريَّة والبصريَّة والوجدانيَّة أثناء العرض المسرحي ..
ولا يختلف إثنان ـ أيضاً ـ على أنَّ دور النقَّاد
المسرحيِّين الجادين هو العمل على إنجاز دراساتٍ قيِّمة تقرأ بوعيٍ نقديٍّ
ونهضويٍّ منظومة المفاهيم المشهديَّة والعناصر الجماليَّة والتشكيلات
السينوغرافيَّة التي تتمازج وتنصهر على (الرُكح) وتُحقِّق (فرجة) متكاملة تحتوي
"المتفرِّج" ويحتويها في آنٍ واحد بتآلفٍ وانسجامٍ بين الخشبة
"الركحيَّة" و"المتفرِّج" في ساح التلقِّي الجماهيري ..
هذا ما أدركه ويعمل عليه الناقد السعودي الصديق "ناصر
العمري" وذلك يتأكَّد تماماً من عنوان كتابه القيِّم (رُكح الفرجة) ويتواكب
معه كعنوانٍ مُتميِّزٍ مباشرٍ تستطيع من خلاله أن تقرأ محاور كتابه قراءةً
رؤياويَّةً قبل قراءته قراءةً فعليَّةً حيث جَمَعَ العنوان ـ والمحتوى بالتالي ـ
بين المسرح والمسرحيِّين، بين العام والخاص، فالمسرح شكلٌ فنِّيٌّ عام أمَّا
المسرحيَّة فهي مُخطَّطٌ فنِّيٌّ ولا تتحقَّق متعة (الفرجة) وإبهارها إلا بالتمازج
الكامل في مُجسَّمٍ آدائيٍّ فنِّيٍّ عبر لقاءٍ مباشرٍ بين الممثلين فوق (الرُكح)
والمتفرِّجين في صالة (الفرجة) المسرحيَّة ..
كل ذلك كان يعيه "ناصر العمري" ويعنيه ـ
بالتأكيد ـ وهو يشرع في إنجاز كتابه الذي يعد إضافة حقيقيَّة للمكتبة المسرحيَّة
السعوديَّة والعربية معاً ، والذي قدَّم فيه رؤية دقيقة للمسرح السعودي مع تطبيقٍ
تنظيريٍّ للعديد من الممارسات المسرحيَّة المعاصرة عبر خطابٍ نقديٍّ متميِّزٍ قرأ
عبره كل عناصر (الفرجة) في الإبداعات المسرحيَّة لمشاهير المسرحيِّين السعوديِّين
ممن حصلوا بإنجازاتهم المتميِّزة على حضورٍ عربيٍّ مؤثِّر حيث أدرج العمري طي
كتابه نصوصاً مسرحيَّةً بكاملها مع ملحق مصوَّر لتكتمل المتعة القرائيَّة
و(الفرجاوية) معاً بالإضافة إلى الحوارات والإستطلاعات والنظريات والفلسفات والورش
الإبداعيَّة والمسابقات الفنيَّة والمهرجانات الوطنيَّة والإلمام الكامل المتكامل
بالمشهد المسرحيِّ في عرضه النقدي الذي أكَّد تمتُّعه بمخزون ثقافيٍّ ومرجعيَّةٍ
فكريًّةٍ ثريَّةٍ وخبرةٍ عميقةٍ بالواقع المسرحي السعوديوموقعه على خارطة الإبداع
العربي
..
لقد قدَّم لنا "ناصر العمري" في كتابه القيِّم
هذا (رُكح الفرجة) صورةً مشهديَّةً واضحةً للواقع المسرحيِّ المحليِّ عبر قراءته
لعدَّة تجارب مسرحيَّة مع إختلاف مُسمَّياتها المُصطلحيَّة والمَرجعيَّة كتجارب
المسرح التربوي وتجارب المسرح العسكري وغيرهما حيث عرض لأشكال مختلفة من أشكال
"الفرجة" المسرحيَّة التراثيَّة منها والتجريبيَّة كالمسرح الإحتفالي
الذي يستحضر الموروثات والمسرح التجريبي المتمرِّد بكلِّ جرأةٍ على الأنماط التقليديَّة
وغيرهما مطبِّقاً ذلك على نماذج من
النصوص أو العروض المسرحيَّة من المسرح السعودي مؤكِّداً
على أهمية التحديث والتطوير والتمرُّد على القوالب الجاهزة ودعم المشهد المسرحي
بروافد خصبة لمواكبة الركب الحداثي المعاصر حيث طرح في فضاءات وآفاق كتابه ما يحلم
به ويطمح إليه من طموحاتٍ مشروعةٍ لنهضة الواقع المسرحي على المستويين المحلي
والعربي
..
واقع الأمر هو أنَّ "ناصر العمري" كان يدرك
تماماً قبل الشروع في إنجاز كتابه هذا (ركح الفرجة) أن (الفرجة) كمتعةٍ عقليَّةٍ
ووجدانيَّةٍ لن تتحقَّق إلا بالتكامل والتناغم بين كل مكونات العرض المسرحي
الأساسيَّة (نص ـ إخراج ـ تشخيص) وغير ذلك من المؤثرات التكميليَّة الأخرى
(موسيقيَّة ـ ضوئيَّة) وغيرهما لأن عدم إنسجامها وتجانسها سيفقد العرض المسرحي سحر
(الفرجة) كمتعةٍ فنيَّةٍ وبذلك يتلاشى فعل "التمسرح" ويختفي الإبداع
الفنِّي ، مثلما أدرك ـ كما قلنا في المفتتح التمهيدي ـ أنَّ مسرحنا العربيَّ
بحاجةٍ إلى قراءاتٍ واعيةٍ تدرسُ "الفرجة" بكلِّ أبعادها وأشكالها
كعنصرٍ من أهم عناصر التواصل بين "المتفرِّج" وما يجري على
"الرُكح" أثناء العرض المسرحي وهذا ما عمل عليه "العمري"
نقديَّاً وسعى للتأكيد عليه ببراعةٍ أسلوبيَّةٍ ورؤيةٍ شموليَّةٍ عميقةٍ وإلمامٍ
كاملٍ بكلِّ مقوِّمات (الفرجة) من خلال زوايا عديدة وجوانب مختلفة في كتابه الطامح
لقراءة واقع المسرح السعودي الذي هو قطعاً ليس بمعزلٍ عن المسرح العربيِّ طمُوحاً
لمستقبلٍ أكثر إشراقاً إن شاءَ اللهُ ، واللهُ المُوفـِّق ..
(مسرحنا ـ العدد 469 ـ الإثنين 8 أغسطس 2016م)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق