2013/12/08

السيرك.. قصة بقلم: غادة هيكل

السيرك   
غادة هيكل 
لم يعرف حلاوة المشى على يديه إلا بعد أن رأى المسرح بالمقلوب ، افتتن ب مولن روج وعرض الغانية المبهرج ، وأزياؤها الفاتنة الخلابة ، وجمالها الآخذ ،وتصفيق الجمهور الحاد الذى لا يعرف الفرق بين الألم والحياة ، لا يعبأ سوى بقضاء موعد غرامى يصطاد منه فريسته ، ومن هى؟ أطلقوا عليها الملكة ، ملكة المسرح الكبير ، عندما تصفق بيدها ، أو تدب فى الأرض برجليها ، تندفع صافارت الموسيقى العالية ، وتتمايل الراقصات فى فساتين كاشفة بألوان تزيح شبكة العين من بؤبؤها، بين يدى الراقصين ويعلو العازفين بنوتاتهم الصاخبة ، وينزل الفارس والملكة ليمتلكا ناصية الجمهور وألبابهم فيحملها عاليا وترتفع أعينهم معها إلى فضاء المسرح ثم يسقطها بسرعة تنكتم معها الانفاس خشية عليها هى فقط ، فكلهم أغوتهم بعيونها ، ونظرات تنتقل بين كل عظيم يرتدى حلة غالية ، تبحث فى وجوههم عن الشهوة التى تقتلهم ومن أجلها يدفعون ، تراودهم بكفيها وخصرها وما تكشفه قصدا وتداريه عمدا ، و أنوفهم ممتدة أمامهم وأكف ترتفع مع كل علو وهبوط ،وأنا لا زلت أمشى على يدي اصافح الأقزام هم فقط من يتطلعون إلى بهلوان يقفز كقرد لا يعبأ بتواجده أحد، فهى فقط من يأتون لها ، اليوم سوف أرفض العمل فيحق لى أن يأتى الناس لأجلى وسوف اصر على تقديم عرض لى وحدى ، انها مغامرة ولكن لابد من الخوض فيها ، ومن سيوافقنى على ذلك ؟ لا أدرى سوف نرى !هل أذهب إليها مباشرة أم إلى آمر السجن أقصد السيرك ؟! السجن !!!!طنت الكلمة فى أذنيه واخترقت جدار الطبلة وعلا صوته فى صراخ هستيرى ،لأول مرة يعرف المكان الذى يعيش فيه ، وهى هل تعرف ؟ ان سجنها أكبر بكثير منى ، !أنا اليوم أهذى سوف أذهب إلى الشاطئ كى أعود إلى رشدى ، رشدى !! هذا الفتى الذى كان يهذى من سنوات مضت وترك السيرك ورحل يا له من فتى نبيه أدرك أبواب السجن قبل أن تغلق عليه وهو فى ريعان شبابه ورحل عنها، شباب نعم وأنا لم أعد شابا وقد أُغلقت علىّ الأبواب من زمن ، وهى هل يشفع لها شبابها كى تفر من براثن تلك الجدران المفتوحة وهذا الفضاء الرحب وهذه العيون الجائعة ؟ ذهب إلى الشاطئ سار خطوات رأى الشمس فى الافق تناديه ارتفع فى الهواء ونزل على يديه يمشى ، التف حوله الصغار فرحين ابتسم لهم وأيقن أن المشى على يديه هى جداره الذى لن ينفك عنه أبدا ، وعاد.
  http://www.bbc.co.uk/arabic/tvandradio/2013/12/131207_short_story_dec_seventh.shtml

ليست هناك تعليقات: