رؤية حول الملتقيات الثقافية العربية
د.مصطفى عطية جمعة
Mostafa_ateia123@yahoo.com
المقصود من عنوان هذا المقال : المبدع ذاته ، فلا شك أن حركة الإبداع تسير
على قدمين ، القدم الأولى : الإبداع وروافده ، وكلاهما مكمل لبعضهما ، فلا إبداع
دون روافد مغذية له من آداب وثقافة وفنون وفكر وتاريخ .. ، ولا يمكن تصور مبدع دون
روافد وإلا حكم على نفسه بالموت إبداعيا ، وجفاف ثمار غرسه ، فلا جديد يضيفه ، ولا
ماء وتربة خصبة ينهل منها ، وعندما نضعهما في ساق واحدة، فلأنهما كيان واحد لا
ينفصلان ، ودع عنك ما يقوله مثقفو المقاهي من ضرر التأثّر بالآخرين ، وأن الأفضل
للمبدع أن يعيش منطلقا متحررا ، مكتفيا بقراءات عابرة ، لا تصنع ثقافة ، ولا تؤسس
معرفة ، وإنما ترسّخ سطحية وابتذالا .
أما القدم الثانية فنعني بها
: الوجه الآخر للإبداع ، ويتمثل في النقاش الثري، والنقد المعمق ، المؤسس على
ذائقة عميقة ، ودربة طويلة ، وأسس منهجية ، تنأى عن الانطباعية ، وأحكام المجاملات
، والآراء المجانية ، التي لا تفيد مبدعا ، ولا تطوّر إبداعا ، فمن يجد من يمتدحه
، دون نقد موضوعي مثمر، ينطلق من النص إلى النص ، في ضوء تطور المبدع وتراكم
تجربته الإبداعية. فكم من المبدعين ثبتوا أو بالأدق تراجعوا ، لأنهم وقفوا عند
قناعات البدايات، ولم يكن احتكاكهم بالتجارب الإبداعية والروافد المغذية مثمرا ،
فظلوا يدورون في فلك أو بالأدق تجمّدوا عند ما يظنونه ، وبمرور الزمن به ، تتضخم
ذاته المبدعة ، ويرى نفسه فوق النقد ، أو لا يحفل بالنقد من أساسه .
*******
لعل الظاهرة الأبرز في السنين
الأخيرة في الحياة الثقافية في عالمنا العربي، هي تعدد الملتقيات الأدبية
والثقافية ، والتي وإن كثرت ما بين ثقافية وتنويرية وأندية للقراءة ، ولكنها تقتصر
في رسالتها على عملية التثقيف الشامل، الذي يشترك فيه المبدع مع أبناء المجتمع ،
وتبقى المشكلة الأساسية ، والمتمحورة حول سؤال : ماذا عن رعاية المبدع وقراءة
إبداعه بنقاش جاد ، ونقد موضوعي منهجي ؟ وهو القدم الثانية ، لأن المبدع مكسب
للمجتمع ككل ، يعبر عنه ، ويضيف إليه ، ويكون لبنة في تطور المجتمع فنيا وفكريا .
فعلى كثرة إصدارات المبدعين :
شعر ، قص ، رواية ، مسرح ، دراسات أدبية، فإن الحلقات النقدية والنقاشية نادرة ،
وأعني بها : قراءة الإبداع من أطراف عدة : القارئ العام ، المتلقين للثقافة ، نخبة
المجتمع ، الناقد الأدبي ، المبدعين الآخرين ، وعلى المبدع أن يلجأ إلى المقاهي
حيث الجلسات الخاصة ، مع أصدقائه التي تنتهي بمدح أو كلمات عامة ، تقال للتشجيع
وليس للتوجيه .
وكم من المبدعين تعددت إصداراتهم
، وغابت المتابعات النقدية عنهم ، وعلى النقيض كم من المبدعين عزفوا عن نشر المزيد
من كتبهم ، في ضوء خفوت التلقي الجاد لإبداعهم ، واكتفوا بكتابة نصوص متناثرة ، لا
تجمعها رؤية مشتركة، وغالبا ما تجترّ نصوص تجارب سابقة للمبدع ، فنرى أنه يعيد
إنتاج ذاته أو ذوات الآخرين , بوعي أحيانا ولا وعي في أكثر الأحيان .
لقد غابت عن الحياة الثقافية
ندوات الورشة ، حيث يعكف أعضاؤها على القراءة والنقاش الفاعل ، فيرى المبدع صدى
إبداعه في مستويات تلقي مختلفة ، وفي نفس الوقت يحتك مباشرة مع تجارب الآخرين ،
يناقشهم ، وقد يستحضرون تجارب لمبدعين متميزين سابقين أو معاصرين ، بغرض الدراسة
والمعرفة التي تمتاح منها مباشرة .
كما غابت ندوات النقاش النقدي
الحقيقي ، وغاب النقاد وانزووا ، وضعفت ثقافة المبدعين النقدية ، فإذا جاء أكاديمي
، كانت مصطلحاته مبهمة ، وخطابه النقدي نخبويا وعصيا على المبدع نفسه، ناهيك عن
جمهور القراء .
*******
إذن يكون المقترح : إعادة ندوات
الورش الإبداعية ثانية ، يتصدرها النقاد والمبدعون ، ويحرص على حضورها جمهور الناس
، هذا على مستوى النصوص المفردة ، وأيضا على مستوى الكتب الصادرة ، ولننظر إلى
عظيم الأثر على المبدع حين يجد نصه المفرد أو كتابه الصادر
مقروءا ومحتفى به ، وتنشر خلاصة الندوة ، والأوراق المقدمة فيها ، ونشدد هنا على
الرؤى الجادة ، والدراسات المنهجية ، وليست الاحتفالية .. فقد أتعبتنا العدسات ،
وأشقت الحركة الإبداعية الرغبة في تصدر المنصات .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق