2014/01/05

السير على قدم واحدة ... ! رؤية حول الملتقيات الثقافية العربية بقلم: د.مصطفى عطية جمعة



السير على قدم واحدة ... !
رؤية حول الملتقيات الثقافية العربية
   د.مصطفى عطية جمعة
    Mostafa_ateia123@yahoo.com
   المقصود من عنوان هذا المقال : المبدع ذاته ، فلا شك أن حركة الإبداع تسير على قدمين ، القدم الأولى : الإبداع وروافده ، وكلاهما مكمل لبعضهما ، فلا إبداع دون روافد مغذية له من آداب وثقافة وفنون وفكر وتاريخ .. ، ولا يمكن تصور مبدع دون روافد وإلا حكم على نفسه بالموت إبداعيا ، وجفاف ثمار غرسه ، فلا جديد يضيفه ، ولا ماء وتربة خصبة ينهل منها ، وعندما نضعهما في ساق واحدة، فلأنهما كيان واحد لا ينفصلان ، ودع عنك ما يقوله مثقفو المقاهي من ضرر التأثّر بالآخرين ، وأن الأفضل للمبدع أن يعيش منطلقا متحررا ، مكتفيا بقراءات عابرة ، لا تصنع ثقافة ، ولا تؤسس معرفة ، وإنما ترسّخ سطحية وابتذالا .
      أما القدم الثانية فنعني بها : الوجه الآخر للإبداع ، ويتمثل في النقاش الثري، والنقد المعمق ، المؤسس على ذائقة عميقة ، ودربة طويلة ، وأسس منهجية ، تنأى عن الانطباعية ، وأحكام المجاملات ، والآراء المجانية ، التي لا تفيد مبدعا ، ولا تطوّر إبداعا ، فمن يجد من يمتدحه ، دون نقد موضوعي مثمر، ينطلق من النص إلى النص ، في ضوء تطور المبدع وتراكم تجربته الإبداعية. فكم من المبدعين ثبتوا أو بالأدق تراجعوا ، لأنهم وقفوا عند قناعات البدايات، ولم يكن احتكاكهم بالتجارب الإبداعية والروافد المغذية مثمرا ، فظلوا يدورون في فلك أو بالأدق تجمّدوا عند ما يظنونه ، وبمرور الزمن به ، تتضخم ذاته المبدعة ، ويرى نفسه فوق النقد ، أو لا يحفل بالنقد من أساسه .
                                  *******
    لعل الظاهرة الأبرز في السنين الأخيرة في الحياة الثقافية في عالمنا العربي، هي تعدد الملتقيات الأدبية والثقافية ، والتي وإن كثرت ما بين ثقافية وتنويرية وأندية للقراءة ، ولكنها تقتصر في رسالتها على عملية التثقيف الشامل، الذي يشترك فيه المبدع مع أبناء المجتمع ، وتبقى المشكلة الأساسية ، والمتمحورة حول سؤال : ماذا عن رعاية المبدع وقراءة إبداعه بنقاش جاد ، ونقد موضوعي منهجي ؟ وهو القدم الثانية ، لأن المبدع مكسب للمجتمع ككل ، يعبر عنه ، ويضيف إليه ، ويكون لبنة في تطور المجتمع فنيا وفكريا .
    فعلى كثرة إصدارات المبدعين : شعر ، قص ، رواية ، مسرح ، دراسات أدبية، فإن الحلقات النقدية والنقاشية نادرة ، وأعني بها : قراءة الإبداع من أطراف عدة : القارئ العام ، المتلقين للثقافة ، نخبة المجتمع ، الناقد الأدبي ، المبدعين الآخرين ، وعلى المبدع أن يلجأ إلى المقاهي حيث الجلسات الخاصة ، مع أصدقائه التي تنتهي بمدح أو كلمات عامة ، تقال للتشجيع وليس للتوجيه .
   وكم من المبدعين تعددت إصداراتهم ، وغابت المتابعات النقدية عنهم ، وعلى النقيض كم من المبدعين عزفوا عن نشر المزيد من كتبهم ، في ضوء خفوت التلقي الجاد لإبداعهم ، واكتفوا بكتابة نصوص متناثرة ، لا تجمعها رؤية مشتركة، وغالبا ما تجترّ نصوص تجارب سابقة للمبدع ، فنرى أنه يعيد إنتاج ذاته أو ذوات الآخرين , بوعي أحيانا ولا وعي في أكثر الأحيان .
      لقد غابت عن الحياة الثقافية ندوات الورشة ، حيث يعكف أعضاؤها على القراءة والنقاش الفاعل ، فيرى المبدع صدى إبداعه في مستويات تلقي مختلفة ، وفي نفس الوقت يحتك مباشرة مع تجارب الآخرين ، يناقشهم ، وقد يستحضرون تجارب لمبدعين متميزين سابقين أو معاصرين ، بغرض الدراسة والمعرفة التي تمتاح منها مباشرة .
    كما غابت ندوات النقاش النقدي الحقيقي ، وغاب النقاد وانزووا ، وضعفت ثقافة المبدعين النقدية ، فإذا جاء أكاديمي ، كانت مصطلحاته مبهمة ، وخطابه النقدي نخبويا وعصيا على المبدع نفسه، ناهيك عن جمهور القراء .
*******
    إذن يكون المقترح : إعادة ندوات الورش الإبداعية ثانية ، يتصدرها النقاد والمبدعون ، ويحرص على حضورها جمهور الناس ، هذا على مستوى النصوص المفردة ، وأيضا على مستوى الكتب الصادرة ، ولننظر إلى عظيم الأثر على المبدع حين يجد نصه المفرد أو كتابه الصادر مقروءا ومحتفى به ، وتنشر خلاصة الندوة ، والأوراق المقدمة فيها ، ونشدد هنا على الرؤى الجادة ، والدراسات المنهجية ، وليست الاحتفالية .. فقد أتعبتنا العدسات ، وأشقت الحركة الإبداعية الرغبة في تصدر المنصات .



ليست هناك تعليقات: