موسوعة أعلام القصة
اكتمال المشروع البحثي بالصوت الواحد بعد المائة
"مائة صوت وصوت"
هذه هي المحصلة النهائية التي يحصلها القارئ بعد مطالعته هذه الطبعة التي تضم بين
دفتيها الكتابين الثالث الرابع من الموسوعة السردية الموسومة "أعلام القصة
العربية – مائة صوت في مكتبة السرد"، التي شرع فيها مجموعة من الباحثين
والنقاد بكلية الألسن جامعة عين شمس منذ أكثر من عام مضى، حيث كان شاغلهم البحثي
هو تقديم مائة صوت في السرد، في محاولة لقراءة الوجه الثقافي للشخصية العربية.
وبالفعل اكتملت الصورة بصدور هذين الكتابين بين دفتي مجلد واحد، بعدما صدر
الكتابان الأول والثاني من قبل.
في مقدمة الكتاب الأول من
الموسوعة كانت الخطة البحثية واضحة في ذهن القائمين على تحرير الموسوعة؛ يقول
الناقد الدكتور/ سيد قطب: "في مشروعنا هذا نتطلع إلى الحديث عن مائة صوت في
السرد ومن خلال هذه الأصوات نرى الوجه الثقافي للشخصية العربية.. إن كل صوت سنسرد
مقطعا من حكايته أو خبرا من سيرته أو فقرة من روايته في كتابنا هذا سيعكس لنا قيمة
أو فكرة أو لحظة تاريخية أو ملمحا جماليا أو بعدا ثقافيا من أبعاد شخصيتنا المتفاعلة
مع التجربة الإنسانية بوصفها عنصرا أصيلا من عناصر هذه التجربة. إن اختيارنا لهذه
الشخصيات لا يعني أن هذه هي كل الأصوات السردية الجديرة بالترجمة لها فالأثير
الثقافي عبر التاريخ حافل ببصمات صوتية لها قيمة وخصوصية في هذا الفن ولكننا
سنتكلم عن بعض من كل.. وكل صوت ستصاحبنا أمواج ذبذباته الإبداعية سنبحث عن إضافته التي
تلقي شعاعا كاشفا لمساحة معرفية.. هذه الأصوات نجوم تسطع في الأفق الجمالي للعالم
السردي بكل ما تجري فيه من تيارات فكرية تتوارى خلف فضاء من السحب الحكائية".
وفي هذين الكتابين ومن
قبلهما الكتاب الثالث توالت إسهامات الباحثين بتقديم أصوات سردية من فضائنا العربي
قديما وحديثا، حتى اكتملت أصوات مائة في مكتبة السرد العربي محافظة على فكرة
التنوع ذاتها؛ ففي مقدمة هذا المجلد نقرأ: "بين طيات هذين الكتابين نستكمل
أصواتنا السردية [51 - 100]، دونما أدنى زعم بأن ما اخترناه هنا من أصوات هو
الأفضل أو الأجمل أو الأكثر إبداعا وتقنية، وإنما وقع اختيارنا لهذه الأصوات –كما
هو الحال في كتابينا السابقين- على معيار واحد هو التنوع؛ لأننا نؤمن أن أثيرنا
الثقافي والأدبي زاخر ببصمات صوتية لكل منها خصوصيته بعيدا عن معيار المقارنة
والمفاضلة.
في كتابينا هنا نلتقي
بأصوات تنتمي إلى عصر بدايات الكتابة السردية، بل بدايات الكتابة والتأليف مطلقا،
فيقابلنا صوت المعمر المخضرم "عبيد بن شرية" الجاهلي الذي أدرك النبي
وأسلم على يديه، وجلس إلى الخليفة الأموي معاوية يحكي له من نسج التاريخ الموشى
بخيوط الخيال وأوهام الرواة، كما تصافح أعيننا أصوات شباب المبدعين القادمين من
رحم سبعينيات القرن العشرين (محمد العشري، وأحمد مراد، ومحمد نجيب عبد الله،
ومنصورة عز الدين). وإلى جوار هذا وهؤلاء هناك أصداء لأصوات رواد ممن أسسوا بما
خطته أناملهم الفن القصصي والروائي؛ فنلتقي بصاحبة أول رواية نسائية عربية
"زينب فواز" يجاورها أصوات (جرجي زيدان، ومصطفى صادق الرافعي، ومحمود
تيمور). ثم نلتقي بأجيال أخرى تالية تنتمي إلى شرائح وحقبات تاريخية متنوعة، فنقرأ
تجارب أكثر اكتمالا ونضجا بعدما استقرت قواعد الكتابة القصصية عند يوسف السباعي،
وإدوار الخراط، ومجيد طوبيا، ومحمد جبريل، ثم يوسف القعيد وجمال الغيطاني ...
وآخرين.
وفي كتابينا حرصنا كذلك
على الحضور النسوي بما يميزه من طابع خاص، وروح تسري معبرة عن قضايا في صميم
اهتمامات الأنثى، التي تمثل نصف المجتمع، وترعى وتساند نصفه الآخر، فهو حضور لا شك
يقدم شيئا مميزا ومختلفا مهما اتفقنا أو اختلفنا معه في جرأة الطرح أو طريقة
المعالجة؛ وكما كانت "زينب فواز" صوتا نسويا رائدا، فقد مثلت أخريات
امتدادا لهذا الصوت النسوي؛ فنقرأ لفوزية مهران، وغادة السمان، وأحلام مستغانمي ...
وأخريات.
وعلى صعيد التنوع
الديموغرافي حرصت الموسوعة بين طيات هذين الكتابين على ألا يستأثر الصوت المصري
بمساحة النقد والقراءة والتحليل، فامتدت آفاق الرؤية لتلتقط ذبذبات عربية تأتي من
هنا وهناك؛ لنلتقي مع الفلسطيني إميل حبيبي، والأردني غالب هلسا، لنعرِّج على
البحريني أحمد الدوسري، والسعودي أحمد الدويحي، صاعدين إلى أعلى مرة أخرى إلى
الروائي الكويتي العراقي إسماعيل فهد إسماعيل.
هكذا تتعدد أصوات الكتاب
في تناغم وتلاحم يجمع بين القديم والحديث والأكثر حداثة، يتحاور فيها صوت القاص
الرجل بعنتريته وذكوريته الموحية بالصدام، أو بحميميته مع الأنثى ودفاعه عن صوتها
الذي تغدو ذبذباته متداخلة مع ذبذبات صوته في بنية تسعى إلى تحقيق الحلم بالتصالح
والسكن والانسجام، بصوت الأنثى التي تأبى إلا أن تعلن صوتها وتحمل هي هم الدفاع عن
قضاياها. ويتواصل صوت السارد المصري بأصوات رفاقه في دوحة الإبداع السردي، تنطلق
تغريداتهم في تناغم وتفاهم وانسجام، وهكذا حتى نصل إلى ختام الأصوات المائة، فنجد
أمامنا صوت الليالي العربية؛ الباب الذهبي الذي نحاول الخروج منه، فنلفي أنفسنا
مرة أخرى داخل المخزن الكبير الذي يحوي أزياء الساردين وأدواتهم وحيلهم التي
استخدموها ويستخدمونها وسيظلون يستخدمونها عبر التاريخ".
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق