كاهن المدينة
بقلم: عبد القادر صيد
تعود أن يتسربل القشعريرة ، وأن يتقوقع في حرفه لاجئا من
فزاعة النقاط ، جاعلا كينونته منفى من زوبعة الاستفهامات وهمهمة التعجب ،كان يقتنع
بالتقوت من عنب الفواصل ، و يستمتع بالثمالة باعتصار المعنى.لكنهم لم يكن ليروقهم
في هذه السكنى، لأنه كان مرشحا لدور آخر، أرادوه أن يخرج من حرفه و أن يمتطيه و
يلوي عنقه حتى ينهكه كمراهق متهور رافعا
العجلة الأولى لدراجته النارية أمام باب
الثانوية ..يريدون أن تمتزج سمفونية الصهيل بسمفونية الأنين لتحتبس أنفاس دهشتهم..لا
يريدونه أن يطل من أعلى فوهة البركان ، وإنما يريدونه أن ينزل إلى قعره و يكتوي
بناره ليعلق على أكتاف أبنائه لقب الكاهن .. لتعرف كل المدينة أن أباهم كان كاهنا.
ما كاد
يخرج من حرفه حتى خدش بشرة وجهه زمهرير يعوي لكأن الكينونة تندب حبيبا، برودة قاسية
تتجمد فيها الدماء داخل العروق ..أصبح يفضل فوهة البركان على برودة هذا الزمان..
كان يقترب منها أكثر فأكثر.. أصبحت رغبته بعد أن كانت رغبتهم ،و بدأت حفلتهم تزداد
حماسة كلما تقدم خطوة ، كان يصف لهم فوهة البركان بكل دقة و كانوا ينتشون و يسكرون
و يتمرغون في التراب من شدة الانخطاف .. كلما اقترب ازدادت عباراته وضوحا، و ازداد كلامه عمقا و دقة..اقترب
أكثر..اقترب أكثر مما يجب أو كما يريدونه أن يقترب، و ما زال يملي عليهم حتى غابت صورته عن الأنظار ، و انقطع صوته عن
الأسماع ، لكن الحفلة تزداد هيجانا والراقصون
يواصلون ضرب أقدامهم على إيقاع ألفاظه ..يا لها من وليمة شرهة !
و في الصباح و بعد أن علقوا شتى الأوسمة على أكتاف أبنائه ، و
جمعوا ما كان يمله عليهم ، و رتبوه في أرشيف مكتبة المدينة ، رشحوا حرفا آخر لحفلة
الليلة .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق