لو كان الحر رجلا لقتلته
بقلم : عبدالقادر صيد
تذيب هذه الرياح السامة دهون المدينة،و تزيل عنها زينتها،فتظهر بشعة كأنها
عجوز شمطاء ،تبدو حواريها خالية إلا من أشباح المغول تجوس خلال الديار مهووسة بسفك
الدماء ناشرة الذعر و الاشمئزاز.. تجرح هذه المدينة وجوه أهلها بعبارات لاذعة ، وبهمجية
تطردهم طردا..قد ملت احتضانهم و ضاقت بهم كأن أباهم تخلّى و نفذ ما عندها من الزاد.
حر ! لا شيء سوى الحر،الحر
هو سيد الموقف، و هو بطل الجلسات الليلية و النهارية و بطل اللقاءات الخاطفة و
الطويلة ،و بطل المكالمات الهاتفية..يبسط
سلطانه على الجسم و على القلب و العقل .
تبالغ
المدينة في عصرهم ، و مع ذلك يخرجون من أوكارهم في عجل ليختزلوا مآربهم و
ليشتروا دون أن يتشددوا في الأسعار أو في النوعية ، و دون القدرة على تكلّف أي مجاملة ..هو اقتصاد في كل شيء .
تظهر حبات الألماس الخضراء تلمع ، فيقصدها
الناس و يلاطفونها و يربّتون عليها و
يدقونها بلطف و يتسمعون لنبضات قلبها ،كل منهم يقتني من شابهت دقات قلبه ، ليتزودا
من مياهها ، و ليقتسموا أبراجها في لهفة وشراهة..يرجعون بها إلى منازلهم و كأنهم
رجعوا بثروة طائلة . توضع الأطعمة فلا تمتد أيديهم إلا للمياه ، و الباقي يترك
للأشباح .
شيء واحد ـ بعد الله ـ يخشونه وهم في أوكارهم ألا و هو انقطاع هذه الروح التي
تفتح عليهم نسيم الجنان ، و تجعل لبقائهم
في هذا الجحيم مبررا..تشتري أمهم
الأرض سكوتهم به ، و إلا فسوف يحرقونها كما أحرقتهم..و يبخرون طرقاتها من
عيون الحاسدين ..بخور يُرى من بعيد ..
تشحن الأجسام في هذه الحرارة بطاقة كهربائية
زائدة تنفجر لأتفه احتكاك،وتتزود العيون ببريق فائض يسبب تشابك دموي في أول نظرة..تستقيل
الجاذبية من عملها عموديا لتعمل على مستوي
أفقي بامتداد الأشخاص حتى يصبح التنقل بين الناس نوعا من ممارسة هواية المجازفة ..
لو كان الحر رجلا لقاتلته!
تضيق الأنفاس،وتذوب الدهون ، و يُحجب الأفق
بضباب قاتل كثيف ثقيل الظل ، وعلى الرغم من ذلك فإن قلبي يبقى يلهج :إن مع العسر
يسرا ، إن مع العسر يسرا.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق