تأبط خيرا.. تـأبط محبرة القسم!
قصة قصيرة
بقلم : عبد القادر صيد
وحده من بين
أربعين تلميذا ينغمس في محبرته كلما دخل المعلم القسم..و وحده يسبح فيها ليجد
أزرار سؤال معلمه، و وحده يخرج منها بالمطلوب.. و وحده لا يفهم المطلوب ، بحسبه
أنه أتى به و كفى..أما إذا سولت له نفسه الأمّارة بالإبحار أن يبحر في المطلوب ، فإن
زملاءه لا ينفردون برجمه بشهب الاستهزاء بل يكون المعلم أوفر منهم حظا..
منذ صغره و هو يجهل أن له ساحلا لا يجب أن يتعداه، و أنه جميل و عظيم
ما دام أمام ساحله، و طيب ما دام لا يزاحم أحدا بسباحته ، و موهوب ما دام يسمح لغير السباحين أن يتقدموا عليه، و
متقدم ما دام يمدح غير المتقدمين على حسابه ترتيبه..أكثر الله من السباحين أمثاله !
و منذ صغره و هو لا يعزف على سجيته ، و إنما
يتبع نوتات الصولفيج ، تماما كما على الوردة أن لا تبالغ في خشوعها أثناء صلاتها
حتى لا تغيظ الخبيز.
داهية الدواهي أن يكبر ـ و هو التلميذ ـ عن
مقعده ،إنها أدهى من أن يكبر عن لباسه ، فكبره عن لباسه يكشف عورته ، أما كبره عن كرسيه
فإنه يكشف عورة الكبار .. فقليل من الحياء مطلوب في مثل هذه المواطن!
كم هو
ساحر و هو تلميذ يقضم غطاء قلمه! فليشخ على كرسيه
إذا شاء و لكن بشرط أن لا يضيق عنه كما
المارد أليف و مدجن و هو في قمقمه .
لا مشكلة لهم مع الشجرة التي فيه ، فهي غير
مؤذية ،بإمكانه أن يدعها تنمو و لكن مسموح لجذورها فقط بالنمو داخل صدره ، أما عندما
تمتد للخارج و تظهر ثمارها فسيجد ألف
سيف متطوع لقطعها .
الأفضل له أن يواصل السباحة داخل محبرة القسم ، فهي سباحة حرة ..تذوّق
لبحر آخر غير البحر ، بحر لا وجود لسمك
القرش فيه،و لا للقراصنة، و لا للصخور.. إن السباحة فيه إبحار في عالم من اللازورد
الشفاف .
و بينما كان المعلم يشرح الدرس إذ دخل القسم عصفور
، و تفاجأ بهذا الانضباط، و دار فوق رؤوسهم واستفزهم ، و لكن لا أحد يناوشه أو
يلاحقه ..تراها مسرحية؟!..فهو يعرفهم جميعا ..فكم
من مرة كادوا يردونه صريعا برمياتهم الدقيقة التسديد !لم يكن يدري سبب إغاظته لهم عندما يكون مع رفيقته على الحبال الكهربائية !كلهم كانوا يريدون إذايته..أستغفر الله.. إلا
هذا التلميذ ،فقد كان يناغيه و يتقرب إليه ..لا شك أن هذه هي مسرحية (الطبيعي و
الأربعون ممثلا )، أما المعلم فهو المخرج .. لذا كان الأربعون عندما يخرجون من
القسم يرمون بالمحابر ، أما هذا التلميذ ، فقد كان يتأبطها معه و يخرج..فعلا لقد
تأبط خيرا!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق