قراءة في قصة "هنا يموتون مرات عديدة" للقاص: ابراهيم حسين.
خيري عبدالعزيز
"هنا يموتون مرات عديدة", وربما هنا فقط يموتون مرات عديدة,
هؤلاء البشر المتكلسين حول ذواتهم, لم ينلهم التغيير..
في الدنيا هدمت صوامع وبنيت
مدائن, وهم ما زالوا يستخدمون ذات المحراث الموجود في القبور الموجودة ببطن الجبل,
وما جد أخيرا في حياتهم الجامدة, المستترة عن يد الزمن, هو التلفاز يشاهدون عليه
أفراح وأتراح, يتفاعلون معها, كأنها منهم وهم منها.
ولهذا فهم يموتون هنا مرات عديدة, هم صناع الموت, ينقلونه من قلوبهم التي حُملت
به سابقا, ويصدرونه بدورهم للاحقين, وتدور الدائرة.. ومن أجل هذا عششت العناكب,
وطالهم العفن, ومات الضمير الانساني فيهم..
ولا يبقى للموت الحقيقي جلال ولا
إكرام, فيدفعونه في مجرى النهر بعد حسابات ضيقة غير عابئن بصوت الضمير الضعيف
المتمثل في شخص "أحمد", فيكتمونه, ليستحيل "أحمد" هو الآخر
واحد منهم, انضم لركبهم, جسدا, وقلبا ميتا هو الآخر.
يموتون في الحياة مرات عديدة,
قبلما يأتيهم الموت الكبير, فيأخذهم غير مأسوف عليهم, مشكلة أمة كاملة تاه طريقها على
رقعة الحضارة الانسانية, وفقدت هويتها أو تكاد.
قصة جميلة جدا, بلغتها, وأجوائها, وسلاسة سردها وعمقه, وتمكن القاص الكبير
من أدواته, فراح وجاء بين الأزمنة والأمكنة, يصنع بريشته الحذقة لوحته الجميلة
بأجوائها الخاصة المتفردة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق