2014/11/20

معجم جديد فى موضوعه! بقلم: السيد نجم



معجم جديد فى موضوعه!
"معجم مؤرخوالتاريخ العربى الحديث والمعاصر"
    بقلم: السيد نجم

صدر مؤخرُا "معجم مؤرخو التاريخ العربى الحديث والمعاصر" للدكتور مصطفى عبدالغنى، وهو ما يُعد الفريد فى تصنيفه، بعد توقف لافت فى تناول موضوعه، وهو يرصد جماعة مؤرخو التاريخ. فكان هذا المعجم الذى تخصص فى تناول هؤلاء المؤرخين العرب خلال تاريخنا العربى الحديث والمعاصر.

للمعاجم تاريخ قديم فى التراث العربى، إبان الحضارة العربية الإسلامية. وقد تنوعت فى مناحى شتى، منها تلك التى ترصد المهن المختلفة: مثل الأطباء "معجم الحكماء والأطباء"، ومنها ما يرصد معلومات تاريخية: مثل "معجم من دخل مصر من الصحابة".. وغيرها. فيما تلاحظ إهمال هذا الفن خلال القرن العشرين وما بعده. فكانت تلك المحاولة الجادة.

يعرض الكاتب فى مقدمة الكتاب لبعض المشاكل التى تعرض لها، من تعريف المؤرخ؟ وإن خلص إلى تحديد المؤرخ بعدد من النماط وهى: المؤرخ الاكاديمى وهو من يتجه نحو مدرسة الفرد فى التأريخ أو "البطل فى التاريخ".. وأيضا مدرسة "رائكة" الألمانية، ثم مدرسة "التاريخ الاجتماعى والاقتصادى".. وإتجاه المدرسة "التفسيرية"، والاتجاه الاسلامى وغيرها.

يصنيف الكاتب المؤرخين إلى: المؤرخ الهاوى، كما عند "بن رزيق".. كتب تاريخه فى العصر الحديث، ولم يخرج من الإطار العام والحديث فيه عمن سبقوه إلا فى الشكل العام. بدأ عرض التاريخ العماني بدراسة سكانية للقبائل: ما هي أصول العمانيين؟ من أين أتوا؟ وما هي لغتهم؟ وما هي عقيدتهم؟

تشابه "ابن رزيق" مع المؤرخ "الطبري" و"ابن الأثير" في تقديم كتاباتهم للتاريخ العربي والإسلامي، بذكر الأنساب والقبائل العربية مع فارق بسيط أنه حين بدأ الطبري وابن الأثير كتابة التاريخ  بالتطرق إلى خلق الكون ثم ظهور آدم متأثرين في ذلك بالثقافة التقليدية التى  كتب بها - وهب بن منبه – وغيره من المؤرخين الإسلاميين الأوائل.
لم يختلف المؤرخ العُمانى فى النصف الثانى من القرن الثامن عشر والنصف الثانى من القرن التاسع عشر فى المنهج.

أما المؤرخ القومى العربى، ذلك المؤرخ الذى يعى التأريخ لا التاريخ، أى الوعى بما وراء أحداث التاريخ، إنه المؤرخ المثقف السياسى القومى فى عالم "الإمبريالية" والصهيونية.. أى الوعى وتحليل الماضى والإفادة من حركة التاريخ للصعود إلى المستقبل.
 
فقدم الكاتب المؤرخ العراقى "داؤد الجلبى" وعلاقته بالتاريخ، بأنه المؤرخ الذى تنبه من فترة مبكرة إلى مايحدث للامة، وقد قاده إلى ذلك إتجاهه القومي العربي وغضبه على السياسة العثمانية التي يعزو إليها  تأخر العرب.

 لقد التقى "الجلبي" بنخبة من زملائه العسكريين الموصليين في منطقة الشعيبة سنة 1915م، وإبان المعارك التي دارت بين البريطانيين الغزاة والجيش العثماني. وكان في مقدمة هؤلاء "مولود مخلص". كان الإثنان مندفعين نحو التيار القومي العربي، ويسعيان من أجل الاستقلال عن الدولة العثمانية. وبعد أن وقع داؤد الجلبي في أسر البريطانيين ولم يطلق سراحه حتى سنة 1916م، وخلال هذه السنة حاول الإلتحاق بالثورة العربية في الحجاز، إلاّ أنه لم يوفق فعاد إلى الموصل بعد وقوعها تحت الاحتلال البريطاني سنة 1918، ليعمل مع مثقفيها القوميين في تأسيس النادي العلمي سنة 1919م. أنتخب الجلبي رئيساً للنادي الذي أسس ليكون مركزاً من مراكز النشاط القومي المعادي للبريطانيين.  
هذا التوجه والنشاط، هو ما يفسر الكثير به من أحداث التاريخ؛ لقد  أسهم في الجمعيات القومية التي برزت في الموصل، وخاصةً جمعية العهد وكان من أعضائها. وبعد تشكيل الدولة العراقية، وجد ألجلبي ان بلده بحاجة إلى نهضة شاملة، وأن هذه النهضة لا يمكن أن تتحقق إلاّ بالعلم والقوة، لذلك أصبح من دعاة الإصلاح والتجديد. وقد تجلى ذلك من خلال المحاضرات التي كان يلقيها في بعض مدارس الموصل، وكان التاريخ فيها محوراً أساسياً، بمعرفة أسباب نمو الحضارات وعوامل تدهورها  .
يمضى هذا الإتجاه القومى حتى تبناه أحد المؤرخين الذين ينتمون إلى الكرد، وكثير من المؤرخين - ايا كانت خلفيتهم الفكرية والعقائدية – كانوا واعين للبعد القومى وفى مقدمتهم المؤرخ "كمال مظهر احمد". كان داعيا للوعى القومى مؤكداً أن (ما يجمعنا نحن العرب والكرد أكثر بكثير مما يفرقنا، وإن بسطاء الناس يدركون هذه الحقيقة بصورة جيدة) وكان هذا المؤرخ أما المؤرخون  الغربيون فقد عارضوه ووقفوا ضده لهذا السبب.
ما يقال عن "داؤد الجلبي" و"كمال مظهر أحمد" يقال عن مؤرخ قومى مثل "قسطنطين زريق" شيخ المؤرخين العرب ومرشد الوحدويين كما كان يطلق عليه..        
منهج تناول متن هذا الكتاب المعجمى، ينتمى إلى الحقل التاريخى سواء عن حياة المؤرخ أو علاقة ذلك بما قدمه، ثم التمهل طويلا عند العلاقة بين المؤلفات التاريخية، مع إبراز  الإحالات العلمية، وبالوسيلة التى يعبر بها المؤرخ.

كل ذلك مع النظر إلى خصوصية العصر الجديد، أى الفترة من نهايات القرن العشرين حتى القرن ال21، حيث سقوط سور برلين- هيمنة النظام العالمى الجديد- وهيمنة الفضائيات  والشبكة الافتراضي الجديدة، التى عمقت  الهزائم العربية، مع غلبة عصر العولمة على مقدرات الأمة العربية والأزمات الأخيرة السائدة.

إن الواقع والثقافة تتغيران لحتمية أن الغرب المنتصر هو الذى يهيمن على الواقع ليس بالشكل العسكرى وحسب وإنما بالشكل التاريخى المعاصر بالفعل، ومن هنا بدت أهمية الكتاب الواقع فى جزئين.
*****


Ab_negm2014@yahoo.com

ليست هناك تعليقات: