خالد
جوده أحمد
تناوبت عليه الكلمات تدمي فؤاده، يعشق ملمس الكلمة
المخملية في قصائد رقيقة تعبر عن إحساس كاتبها (شاعرها) الأنيق، ولكنها في الحين
نفسه تجرح فؤاده بأسنان الحروف المدببة كي تنهض به إلي مواقف جديدة، يحب دائما
قلمه، يعتنقه بأنامله النحيلة ، ويبثه أمله وأشجانه وأفكاره .
جمع بعض أوراقه ( أجندته / دفتره ) والتي يسكنها بيومياته ومنقولاته ، وجد صفحات
منها تتحدث عن الشعر ، مسته الكلمات بشغف وحدة :
أول ما لامست عيناه تعريف العملاق العقاد
للشاعر الطليق : " الشاعر الطليق .... من يشعر بجوهر الأشياء لا من يعددها
ويحصي أشكالها وألوانها ، وليست مزية الشاعر أن يقول عن الشيء ماذا يشبه ، وإنما
مزيته أن يقول ما هو ويكشف عن لبابه وصلة الحياة به " ، فالأدب ثمرة
الحياة يقول ( كيتس ) : " إذا لم يجئ الشعر طبيعيا كما تنمو
الأوراق على الأشجار فخير له ألا يجئ
"، ويقول الشاعر كاشفا مهمة الأديب : ( يا أصدقائي .. / إنني الجرح الذي
يرفض دوما / سلطة السكين / يا أصدقائي الرائعين / أنا الشفاه للذين ما لهم شفاه /
أنا العيون للذين ما لهم عيون / أنا الكتابات التي يحفرها الدمع علي غبار السجون /
فأنا مقتنع / أن الشعر رغيف يخبز للجمهور / وأنا مقتنع – منذ بدأت – / بأن الأحرف
أسماك / وبأن الماء هو الجمهور " ، والقائل هو الشاعر الذي
شغل الدنيا والأوراق جميعا نزار قباني ، ولننظر ماذا قال أيضا عن الشعر ، " الشاعر
هو ضمير الأمة ، فإذا وجد أن أمته تسير في ضلال ، ومن هزيمة إلي أخرى فهل يبلع
لسانه ويسكت ، أم ينظم القصائد في مدحها ، الشاعر صوت الشعب وسوطه "
والحرف
المدبب هو الأدب الواخز الذي لا يحمل القارئ علي خمائل الدعة والاسترخاء والمتعة
دون فعل ، يقول الناثر نزار أيضا : " قد تكون الرحلة متعبة ، وقد تحرمكم النوم والطمأنينة
، ولكن من قال إن وظيفة الشعر هي أن يحمل لأجفانكم النوم ، ولقلوبكم الطمأنينة
... إن وظيفة الشعر هي أن يغتال الطمأنينة “ ، وإذا كانت وسائل التأثير الجمالي
هي المتعة التي يحصدها القارئ بمطالعة الآثار الادبية، أقر ذلك من نادوا بالأدب
للحياة ومن نادوا بالأدب للإدب، لكنها هنا ليست المتعة المقصودة لذاتها بل هي
الأداة لوخز القارئ، أو كما وصف أحدهم أدبا طالعه بأن المتعة فيه أشبة بالقشرة
الحلوة التي تخفي المرارة تحتها يصف بها الأديب آلام ومآسي واقعه الحزين
ومن
أجل تحرير المفهوم ليست الحروف المدببة هي الأدب القاتم الذي ينشر جراثيم الكآبة ،
وينيم إرادة التغيير ، ويجعل القارئ نافرا من واقعه ، يأئسا من تغييره ، بل هو
الأدب الذي يمثل وثيقة نفسية وإبداعية تقدم
المجتمع فنيا بشرح مشكلاته والإبانة عنها بتقنيات جمالية مؤثرة ولافته للنظر، ومن
ناحية أخرى جرس للإنذار وفراسة تكشف أفاق المستقبل ورغبة نحو " الإصلاح
الأدبي " بمصطلح
العقاد في مقال له بعنوان ( الإصلاح الأدبي ) : " إصلاح الآداب هو إصلاح
لحياة الأمة وحل مشكلاتها وتصحيح التعبير عن حياتها الحاضرة والمستقبلة ويمكن
الحكم على صلاحية هذا المقياس وجودته بمدى ما يقدمه الأدباء من فن رفيع لخدمة
الأمة تصف به
نفوسهم من خلق كريم "
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق