2014/11/05

الفصل الأول من رواية الباب الأخضر لصديق الحكيم

(1)السنارة غمزت
د.صديق الحكيم
كانت عائلة الست محروسة ( أم شلبى ) تسكن في حارة الشيخ علي شلبي المتفرعة من شارع السبع بنات وهو الشارع الأشهر بحي المنشية غرب الثغر المتجه من الجنوب الغربى لمدينة الأسكندرية حيث حي القباري ومينا البصل وكفر عشري عبورا علي كوبرى التاريخ الى الشمال الغربي حيث ميدان التحرير (السكندري) الذي يطل عليه مبني الحقانية الأثري وصولا إلي شارع عرابي المؤدي إلي ميدان القناصل أشهر ميادين الإسكندرية الخديوية (المنشية حاليا) والذي خطب فيه الزعيم خالد الذكرجمال عبد الناصر خطبته الشهيرة سنة 1954 وشهد أحد محاولات اغتياله التي اتهم فيها الإخوان المسلمين وتدعي أسرة شلبي أن أصلها يرجع إلي الشيخ علي شلبي صاحب المقام المبارك الكائن بالحارة المسماة علي اسمه وتذكر روايتهم أن الشيخ علي شلبي رضي الله عنه وأرضاه قد نزح من قرية أشليمة بريف البحيرة والمطلة علي الضفة الغربية لفرع رشيد بحري مدينة كفر الزيات بحوالي خمسة كليومترات وتجول في الأسكندرية من شرقها إلي غربها حتي حط رحاله في الخرابة خلف شارع السبع بنات وتزوج من سيدة سكندرية من أصل مغربي وأنجب دستة أولاد نصفها من البنين والنصف الآخر من البنات توفوا جميعا في حياة أبيهم ماعدا أصغرهم ياقوت وكبر ياقوت وأنجب سلامة الذي هو زوج الست محروسة (أم شلبي ) ومحمود حنفي المدرس الثلاثيني (مواليد 1984) الذي يعمل بالسعودية منذ خمس سنوات وهو العريس المتقدم للآنسة سلوى الابنة الوحيدة لأم شلبي وتسكن عائلته في حارة الست نعيمة والتي تتفرع من شارع الباب الأخضر وهو شارع عمومي مواز لشارع السبع بنات لكنه عكس اتجاهه محمود ربنا أكرمه واشتري شقة من فلوس الغربة في منطقة شدس قريبا من محل عمله حيث يعمل مدرس لغة انجليزية بمدرسة شدس الإعدادية للبنات والعروس ذات الخمسة والعشرين ربيعا تعمل معه في نفس المدرسة الراقية مدرسة لغة فرنسية وكأن القدر قد قرر أن تجتمع اللغات الأجنبية في هذا الدويتو الجميل وفي المدرسة تعرف محمود علي سلوي سلامة ياقوت بالصدفة البحتة أثناء حضوره للمدرسة في صيف العام الماضي لإنجاز بعض المعاملات الخاصة بسفره ومنذ الوهلة الأولي التي رأي فيها قوامها ومن النظرة الأولي في وجهها وقع حبها في نفسه وتذكر مقولة صديقه حسين رمزي ( أذكر مرة كنت في نقاش بجامعة الأسكندرية حول الموضة التي تشدد على أن يكون الجسم نحيلا وممشوقا فقلت لهم ''إن والدتي قالت لي مرة إن المرأة التي لا تهز السرير ليست بامرأة'') وكانت سلوي من النوع الذي يهز السرير و قرر أن تكون شريكة حياته القادمة وربما قرأ ذلك في عيونها التي لمعت حبا عندما التقت بعينيه المشعة بالهيام والشوق وكعادة الأنثي منذ خلق الله حواء من ضلع آدم ،تمنعت سلوي وهي راغبة وطلبت من نفسها مهلة للتفكير فيه وهي في قرارة نفسها ترحب به قلبا وقالبا خصوصا أنه شاب وسيم ومتدين ومقرش يعني معه فلوس كثيرة نتيجة لسفره إلي السعودية وهذا هو الانطباع العام عند الناس عن المسافرين إلي الخليج وكأن الفلوس هناك جبال والمسافر ما عليه إلا أن يحمل معه شوال ويملأه وعلي كل حال وكما تقول الجدة تفيدة في أمثالها القديمة (الصيت ولا الغني ) قالت سلوي في نفسها :إذن هو فرصة لا تفوت في ظل وقف حال الزواج وزيادة نسبة العنوسة في البلد لكن مهلة التفكير التي طلبتها حتي لا يظن أنها سهلة المنال وهذه ثقافة تعلمتها من أمها ومن القراءة وخصوصا تعاليم فيكتور فرانكل التي تقول: هناك مسافة بين المثير والاستجابة فيها تكمن حريتنا وسلطتنا لاختيار استجابتنا وفي استجابتنا يكمن نضجنا وسعادتنا وفوق ذلك لم يكن قلبها مشغولا بأحد لأنها قررت منذ أن كانت في ثانوي وعقب صدمتها المروعة في حبها الأول مع ابن الجيران ألا تفتح قلبها إلا لابن الحلال المحترم والملتزم الذي يدخل البيت من بابه ويطلبها للزواج علي سنة الله ورسوله وهو ما تعتقد أن محمود حنفي سيحققه لها، فكيف لا تتمسك به بكل ما أوتيت من قوة الجمال والدلال لكنها من ناحية أخري فكرت في الفارق الاجتماعي بينهما فهي وإن كانت تبدوا جميلة وترتدي ملابس مهندمة إلا أنها ما زالت تسكن حارة الشيخ شلبي وهو من ساكني شدس وإن كانت شدس ليست جليم ولا كفر عبده ولكن المفاجأة التي لم تكن تتوقعها سلوي –وصلت إليها المعلومة بالصدفة البحتة في جلسة نميمة بين المدرسات وكانت الجلسة منعقدة حول الزميل المسافر محمود حنفي – وكانت سلوي تجلس قريبة من مجلس النميمة وتظهر أنها منشغلة بقراءة كتاب لكن أذنها مع المدرسات فنمي إلي علمها أن أسرة محمود تسكن هي الأخري في حارة الست نعيمة وهي الحارة القريبة من حارتها يعني البساط أحمدي والروس تكاد تكون متساوية وهي لم تكن تنوي الكذب عليه أو حتي التجمل كانت تبيت في ضميرها أن تبادله الصراحة والصدق لكنها كانت تتوقع أن يكون أغني مما هو عليه علي كل حال السنارة غمزت ولم يبقي إلا أن تسحبها لتري الصيد الثمين لكن كيف تتواصل معه ؟ هل تلفت نظره مباشرة أم ترسل له رسول ؟ هل تفاتح أمها في الموضوع أم تتمهل قليلا حتي يتقدم نحوها خطوة ؟ خصوصا أنها استشفت من نظراته المختلسة إليها أنه في مرحلة الإعجاب علي أقل تقدير ويظل السؤال الذي يحتاج إلي تفكير :كيف تتواصل معه وتوصل له أنها هي الأخري تريده لكن علي شروطها ؟ الخطوة الأولي هي أن تخبر أمها عنه وتنظر ماذا تري وأفرغت سلوي كل مالديها من مشاعر ومعلومات في حجر أمها قالت الأم لها (وهي تبتسم وعينها تلمع من الفرح ) أنا مبسوطة يا سلوي لسببين الأول ربنا هيكرمك وتتجوزي والسبب التاني أنك قصدتيني علي طول وجيتي تاخدي مشورتي في هذا الموضوع الحساس -يا ماما إنت عرفاني من صغري صريحة ومش بحب اللف والدوران -خلاص سيبي لي الموضوع ده وفي خلال يوم ولا اتنين هيكون عندك الخبر اليقين -معتمدة علي الله ثم عليك يا ماما -يا بنتي أنا مليش حد غيرك أنت وأخوك شلبي في الصباح التالي ذهبت سلوي إلي مدرستها بينما دلفت الأم إلي شارع الباب الأخضر تسأل وتستفسر عن محمود حنفي وأسرته ونعرف أن أسئلة النساء تختلف تماما عن أسئلة الرجال ووسائل النساء في البحث عن أجوبة لأسئلتهن تختلف تماما عن وسائل الرجال الرسمية والمستقيمة في العادة

ليست هناك تعليقات: