2014/11/05

بعض الرّؤى التّربويّة للقضاء على الأميّة بقلم: أ.د.عبد الرزاق عبد الجليل العيسى



بعض الرّؤى التّربويّة للقضاء على الأميّة
أ.د.عبد الرزاق عبد الجليل العيسى
  المستشار الثقافي العراقي – المملكة الأردنية الهاشمية
      إنّ معظم دول العالم تكافح بإصرار لتقليل الفجوة التّربويّة والمعرفيّة والاقتصاديّة بين أفراد شعوبها،ومن السّهل والمتاح أن نتابع معدّلات نسب الأميّة في العالم والمخطّطات والاستراتيجيّات التي تُرسم لتقليص نسبها،وهي تعدّ من المشاريع والمهام الضّروريّة في زمن التّقنيّات الإلكترونيّة الحديثة.أمّا في الدّول العربيّة في ضوء التّفكّك والصّراعات والتّناحر والفرقة والقتال التي تدور في أغلبها  نرى –للأسف- ازدياد نسبة الأميّة،ونفشّيها بشكل ملفت ومعيب في صفوف المتعلّمين والنّخب السّياسيّة،وهي أميّة يجوز أن نسميّها أميّة جديدة،وهي قد تفشّت في المجتمعات العربيّة على نقيض ما يحدث في المجتمعات الغربيّة من تطوّر وسباق في نشر العلوم والثّقافة بين المواطنين،وترسيخ قيمها في ظلّ الاعتماد على التّكنولوجيا الحديثة بعد أن تخلّصوا من أميّة التّربية والتّعلم.
    إنّ البذور التي زُرعتْ لنشر الأميّة التّقليديّة والأميّة الجديدة قد شقّت الأرض،ونمت،وأينع ثمرها الذي ظهر جليّاً وبارزاً في كثير من الصّعد والمستويات،وهذا أمر يسهل ملاحظته وإدراكه من قِبل مختلف شرائح المجتمع عبر متابعة الأحداث والنّقاشات والمناظرات والمحاضرات واللقاءات والتّظاهرات والمقابلات المنظورة والمسموعة.
   وهذا الحال يطرح الأسئلة التّالية:
1- من هو المسؤول عن التّراجع الذي حصل في المؤسّسات العلميّة والتّربويّة والثّقافيّة؟
2-  هل النّظم التّربويّة والتّعليميّة الحاليّة كافية وقادرة على النّهوض بالمستوى التّربويّ والتّعليميّ والثّقافيّ للعراق الجديد؟
3- هل الجامعات العراقيّة الحاليّة قادرة على أن تتمكّن من التّغلّب على التّخلّف الذي ضرب الجذور العلميّة والتّربويّة والثّقافيّة والفكريّة في المجتمع العراقيّ؟
4- هل الأميّة الجديدة هي أميّة الحضارة أم أميّة المدنيّة أم أميّة التّعليم الدّينيّ في ظلّ انتشار التّطرّف؟أم هي أميّة المتعلّمين أم أميّة التّكنولوجيا؟
   إنّ المتابع للأوضاع السّائدة في بعض الدّول العربيّة لا في العراق فقط يدرك مدى التّخلّف والأميّة التي سادت وتوطّنت في مجتمعاتنا،لاسيما بين معظم النّخب السّياسيّة الحاكمة وبعض النّخب الفكريّة البارزة على السّاحة،وهي لا تقرأ الواقع بجديّة،وإنّما تبحث عن الامتيازات والمغانم والمنافع الشّخصيّة دون الاهتمام بمستقبل أبنائهم،في ظلّ تصوّرها الخاطئ والجاهل الذي يعتقد أن الشّتات والمهاجر هي الملجأ الآمن لها عند ضياع الأوطان،وهم بذلك يجهلون أنّهم بتصوّرهم هذا إنّما يسيرون –للأسف-نحو قتل مستقبلهم ومستقبل الوطن ومستقبل أبنائه أجمعين.
    إنّ من ينظر إلى الوضع العربيّ الحالي يجب أن يبحث عن سبب انتماء الكثير من الأطبّاء والمهندسين وذوي الشّهادات الأكاديميّة والمهنيّة إلى المجاميع المتطرّفة،وذلك تحت قيادة من لا يمتلكون الشّهادات والإرث العلميّ أو الثّقافيّ دون أن يملكوا أفكاراً أيدولوجيّة تبغي رفاهيّة شعوبها.
    إنّ الأميّة الجديدة قد تفشّت في النّظم التّعليميّة في المدرسة والجامعة والمؤسّسات الثّقافيّة،وقد نجحت في أن تغيّب النّخب الفكريّة والثّقافيّة الحقيقيّة،وأن تبعدها عن الحراك المجتمعيّ،فبرزت الكثير من الظّواهر السّلبيّة،والواسطة والمحسوبيّة أشدها فتكاً وضرراً وإفساداً،وقد تفشّت بشكل متغوّل حتى وصلت إلى قرارات القضاء.وذلك في ظلّ تدخّل المسؤول في خارج حيّز صلاحيّاته القانونيّة،وهو بذلك يفرض آراء غير مهنيّة ليست في حيّز تخصّصه متصوّراً أنّه من منطلق قوّة موقعه هو العالم والعارف العليم بكلّ شيء.وهو يُناقش في أمور غير صحيحة وغير عادلة،ويريد أن يفرضها بسلطته بشكل غير قانونيّ أو شرعيّ للحصول على مغانم ومنافع له أو لمن يتوسّط له وصولاً إلى مآرب معينة حتى تتدنّى إلى حدّ إفشال مسيرة قطاع ما أو مؤسّسة مستهدفة على الرّغم من نجاحها؛لأنّها لا تتوافق مع توجّهاته وأفكاره غير المهنيّة أو الحزبيّة،أو لأنّ إدارتها النّاجحة تغيظ الفاشلين الذي يرون أنفسهم عراة أمام النّاجحين الذين يخدمون الوطن بإخلاص ومهنيّة،أو لأنّ من يديرون تلك المؤسّسات النّاجحة الرّائدة لا ينتمون إلى أحزاب أو كتل معينة،أو أنّهم مستقلّون لا ينتمون لأحزاب معيّنة،وإنّما يعلمون بإخلاص من منطلق الوازع الوطنيّ والولاء للوطن والأمّة.
    والأميّة الجديدة تتيح للجهلة تبوّأ أرقى المراتب القياديّة في الدّول التي تسود فيها،وهؤلاء الجهلة يتصيدون الألقاب،ويزورن الحقائق،ويلصقون بأنفسهم زوراً ألقاب الخبراء والعلماء والأكاديميين كي يتقنّعوا بها لإخفاء جهلهم،ولكن يسهل أن تسقط هذه الأقنعة الواهية لينكشف جهلهم وسوء إدراكهم وفهمهم بمجرد نقاشهم والاحتكاك بهم.وهذا حال يشعر المرء بالإحباط حيال هذا الفراغ العلميّ والثّقافيّ والمهنيّ،كما أنّهم يفقدنا الثّقة برموزنا المفترضة وقياداتنا المفروضة علينا – في أغلب الأحوال- بقوة المحسوبيّات والشّلليّة والواسطات.
    لقد بات الحليم في مجتمعاتنا العربيّة حيران من كثرة التّحديات والمشاكل والصّراعات النّفسيّة التي تمزّقه بين التّفكير في الانسحاب من ساحة عمله ليخلع بعيداً مبادئه وإخلاصه وعلمه،أو تقوده مكرهاً إلى الدّخول في الصّراع الاستنزافي مع المنافقين والمتخلّفين والوصوليين والانتهازيين.
   وأمام هذه الواقع المأساوي أقول بإصرار وإيمان للمواطنين المخلصين أجمعين أنّنا نحتاج بكلّ بقوة إلى وقفة جادّة لنتجاوز فكرة المستحيل لنعمل ليل ونهار من أجل التّخلّص من الكثير من التّحديّات التي تتصدّرها الأميّة الثّقافيّة والعلميّة والتّربويّة التي تفشّت في معظم الفئات المجتمعيّة،ونخرتها لاسيما فئة النّخب السّياسيّة والفكريّة.وأوّل درب الإصلاح يجب أن يبدأ من القطاع التّربويّ لنبني قواعد بيانات وإحصاءات وآراء على ضوئها من أجل بناء استراتيجيّة تربويّة من شانها بلورة مستقبل جيل العراق الجديد المسلّح بالتّربية والعلم والثّقافة.
     هناك مفارقة عملاقة بين أفعال الجهلاء الذين يخرّبون الأوطان وهم يتشدّقون بجملة العلم نور،وهم في حقيقة الحال لا يدركون القيمة الإيجابيّة للعلم للنّهوض بالفرد والجماعة.وهم كذلك يجهلون بطبيعة الحال أنّ الحلّ الحقيقي لإصلاح التّربية والمجتمع يكمن في اعتماد المؤسّسات التّعليميّة والتّربويّة تطبيق الثل العليا وتعليمها وفق ما جاءت به الأديان السّماويّة جميعها التي حضّت على التّحلّي بالأخلاق والفضيلة والتّسامح وسلوك دروب العلم والمعرفة التي تحقّق ما نصبو إليه من الحصول على الإنجازات والإبداعات في المجالات كافّة لتكون ذات جودة عاليّة لاسيما في حقلي التّربية والتّعليم من منطلق أنّ غرض الوازع الدّينيّ والأخلاقي لدى طلبتنا عامل مهم في بناء جيل رائد قادر على بناء الوطن بإخلاص وصدق.
    إنّ الاهتمام بإعداد المعلّم ورفع كفاءاته وإكسابه المهارات اللازمة والضّرورية في طرق التّدريس التّربويّة في ظلّ تحديثها باستمرار يعدّ من أهم عوامل تحسين البيئة التّربويّة.من ناحية أخرى بات تحسين الوضع الاقتصادي وتوفير العيش الكريم للمعلم ولعائلته من العوامل المهمّة والحيويّة التي يُمكن في ظلّها مطالبته بتطوير قابليته وإمكاناته وخبراته واستعداداته وعلميته لتحسين أدائه ليكون عامل رفعة للمجتمع،وهو المعوّل عليه بالدّرجة الأولى في تنشئة جيل صالح قادر على خدمة المجتمع والوطن.
   ولا بدّ من تطوير المناهج الدّراسيّة بشكل متسمرّ لمواكبة متطلّبات العصر،هذا إلى جانب توفير البيئة المدرسيّة الملائمة للطلاب لتمكينهم من الإبداع،ولتشجيعهم على القراءة والبحث وصولاً إلى صقل شخصياتهم،لذا فإنّ من المهم تخصيص أوقات مناسبة للنّشاطات الثّقافيّة واللامنهجيّة،وهذا أمر سوف يتيح الفرصة لإبراز مواهبهم وممارسة هواياتهم التي قد تقودهم إلى التّفوّق الدّراسيّ والرّياضيّ،ولابدّ من تشجيعهم وتحفيزهم بكلّ الطّرق الإيجابيّة مثل تقديم الجوائز والمكافآت والمنح والهدايا من أجل دفعهم إلى المزيد من الإنجاز ليكون أسوة حسنة لغيرهم من الطلبة ليحذوا حذوهم.
   ومن الواجب أن نبدأ بتشكيل مراكز أو مؤسّسات للعصف الذّهني على أن يكون أعضاؤها ومديرها هم خبراء عراقيون،وأشدّد القول على أن يكونوا عراقيين ممّن لهم خبرة وممارسة طويلة في قطاع التّربية والتّعليم ممّن انتموا إلى المؤسّسات التّعليميّة منذ السّبعينات من القرن الماضي،على أن يكون من المشهود لهم بالوطنيّة والإخلاص والمهنيّة التّربويّة وعدم التّطرّف،ويُفضّل أن يكونوا غير مؤدلجين سياسيّاً.إلى جانب اختيار أعضاء من أساتذة كليّات التّربية من الجّامعات العراقيّة ممّن يمتلكون المواصفات ذاتها التي أُعتمدت لاختيار الخبراء في قطاع التّربية لتكون دراساتهم وآراءهم هي المعتمدة بوصفها خططاً لوزارة التّربية ضمن عناوين ومحاور تعتمدها التّربية بنكاً لمعلومات تربويّة في مأسستها لتطوير النّظام التّعليميّ الأوّلي وفق مراحله المختلفة وفق الآتي:
1-    المناهج الدّراسيّة:إعدادها وطرق تنفيذها.
2-    تدريب المعلمين تربويّاً ومهنيّاً وعلميّاً وثقافيّاً.
3- طرائق التّعليم وأنواعها،وتحديد الملائم منها للواقع العراقيّ وفق البيئة والحالة النّفسيّة والاجتماعيّة للأطفال اليافعين وللشّباب العراقيّ.
4-  المعايير الحديثة المهنيّة والقيميةّ المعتمدة عالميّاً في اختيار المعلّمين الجدد مع الأخذ بعين الاعتبار الواقع العراقيّ.
5-    كيفيّة احتساب معدّلات التّخرّج الدّراسي لاعتمادها في المنافسة للدّراسة الجّامعيّة.
6- الدّورات التّربويّة والعلميّة والمهنيّة التّطويريّة للمعلمين السّنويّة أو النّصف سنويّة،ويجب أن ينضمّ إليها كلّ معلّم مع وضع معايير لتقييم المعلمين ومتابعتهم عبر مجموعة من القنوات والجهات المسؤولة.
7- الدّورات الإداريّة والعلميّة والثّقافيّة لمدراء المدارس والمشرفين التّربويين والعناصر العاملة في القيادات الإداريّة بما يتوافق مع المسؤوليات الملقاة على عواتقهم.
8- وضع خطّة لمنح المتميزين الإجازات المدرسيّة للمتميزين من المعلمين والمدرّسين لإكمال دراساتهم للحصول على شهادات عليا من داخل العراق،وابتعاث ذوي التّخصّصات العلميّة النّادرة لدراسة المستجدّات العلميّة ضمن تخصّصاتهم.
9- القيم اللازمة لربط الطّالب بالمجتمع،وتحديد الأدوار الأساسيّة والإجراءات العلميّة للممارسات التّربويّة والأخلاقيّة والعلميّة الواجب اعتمادها للأسرة والمدرسة والجامعة والمؤسّسات المجتمعيّة والإعلاميّة.
10- الاختبارات وأنواعها وطبيعتها ومواصفاتها ضمن المراحل الدّراسيّة:الامتحانات الوزاريّة الابتدائيّة والمتوسّطة والثّانويّة.
11- كيفيّة تفعيل التّواصل بين المدرسة والمؤسّسات المجتمعيّة،بالإضافة إلى إبراز دور الجامعات،لاسيما كليّات التّربية في الاستمرار في تطوير النّظام التّعليميّ،وتفعيل عناصر جودته.
12 – مشاركة المدارس ومديريّات التّربية في فعاليات المجتمع والانخراط بها والتّناغم معها.

ليست هناك تعليقات: