أنت أنا
بقلم : عبد القادر صيد
لم يتجاوز صفحة من
الكتاب حتى بدأ الوجع المنعش يسري في كل
جسده ، يحس بحزن كبيرو لكنه لذيذ و ممتع و
هو يتلقى أفكار الكاتب عبر موجات حروف رعشاتها كرشقات خنجر بين الأصابع على أرض
مبتلة، يقترب الكاتب من جرح قارئه أكثر ليبوح له و ينزع الضمادة الملتصقة به ببطء لا يخلو من
تنكيل ، هو ألم يشبه ألم استلال إنسان من آخر، إنه ألم الاستنساخ ، يصل الأمر إلى
تقشير طبقة دماغ المخ ليبلغ اللب ، ويطّلع على البخار حين تتشكل فيه الأفكار و تتقطر من على سطح الجمجمة ..هاهو
الكاتب يوظف عبارات كان القارئ ينوي التلفظ بها ، بل ربما تلفظ بها فعلا و لكن على غير ذلك الترتيب، و لربما حلم بها و كان يعزم أن يقيّدها ، و لكنها أفلتت منه لتذهب إلى غيره ..ترى هل
عالم الأفكار يغش منخرطيه ؟ أم هو خلل في الموزع ؟مهما كان فالأفكار أقدار ،بدأ يتمتم :
ـ هذه عرائسي و عوالمي
كيف سبقني إليها ؟ لو لم أقرأ هذا الكتاب كانت
أتتني طائعة مبتذلة..سبحان الله الكتاب يقرأني
عوض أن أقرأه ..
ثم بلهجة مندهشة
يتمتم :
ـ إنه لا يكتفي بقراءتي
، هو يسلخني..
ما زال يتلقى الوخزات القاسية كصدمات كهربائية تنير ذبذباتها
المضيئة زوايا نفسه المجهولة، يسلم قياده للكتاب ليمتعه بجولة داخل متاهات لم يكن يعرفها من قبل و إنما كانت
تصله أصداؤها و برودتها و يحس بانتفاضة أسراب خفافيشها.الآن يمسك بطرفي الكتاب و
كأنه يتعلق بجناحيه ليعرج به إلى عوالم
كان يتوق إليها ، تنفتح دفتاه مثل يدي
مبتهل تتوسل الاستجابة من الله..
لم يستطع إكمال
القراءة ، لأنه خمّن النهاية، و تناول
قلما ، شطّب على اسم المؤلف، و كتب مكانه
اسمه بكل صدق ، و عرج إلى صفحة الإهداء ، و شطب ما هو مكتوب فيه ، و كتب عليه :
إلى من كتبني بمسمار
على صخرة ملساء في دهايز السوماريين القدامى ،إلى من رسم على خريطة ألمي بإبر
الصينيين فقرات الشوق و اللهفة..إليك يا أنت أنا أهدي هذا الكتاب
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق