بقلم: د.ماجدة غضبان
لا حاجة للشمس (1)
مد ساقيك و لا تخف..
تخيل و لو لمرة واحدة ان
المكان لك وحدك ، و ان الوقت نهار حتى لو رأيت النجوم بعينيك تتألق وسط الظلام.
و دع لجشعك ان يحلم بزهرية
تحتضن جزءا من الطبيعة الخلابة ، جزءا صغيرا جدا ، كبضعة أغصان تعتليها زهور القوس
قزح.
مد يديك كما لو انك قد تحولت
الى طائر..
لتكن بحجمك الذي يوازي
الحلم..
ان تحقق لك ذلك ، ولو
للحظات..لا تفكر بالعودة ابدا.
لا حاجة للشمس (2)
يقال أن صاحب المنجم قد رتب
الأمر بمايتيح له التمتع حقا بالحياة ، لديه نافذته الواسعة الحريرية الستائر ، و
لديه شمسه التي تعمل بأزرار مستوردة ، صباحه المنتقى من افخم الحدائق ، اوقاته
المختارة بعناية من اجمل بقع العالم.
عماله صنفوا في منجمه
اللامتناهي الأبعاد وفق قدراتهم العقلية و الجسدية و مواهبهم ، لا أخطاء ترتكب ،
فهناك الحاسوب الذي يعطي تفاصيل تامة عن المهارات و القدرات..
الجنس هنا غير مهم ، انثى او
ذكر ، الكل يعمل في خدمة سقف المملكة ليظل مرتفعا فوق جدران القصر و اصحابه.
هنالك علاقات يترفع عن ذكرها
حتى الحاسوب تحدث بين الاجناس المختلفة ، و بين النساء و الرجال ، و بين ابناء
العرق الواحد ، او اللون ...الخ.. ، في النهاية تعاد صياغة المعادلات الحسابية
بأسرع ما يمكن و خلال ثوان تتزن كل الصغائر لتخلق كبائرها الراسخة أبدا ، قد تخرج
بعض المعادلات عن سكك سيرها المعتاد فتنطلق صافرة ألإنذار المرعبة ، ليظهر جيش
الرب الأعلى من حيث لا يعلم أحد كي يتخذ اجراءاته ، و هنا ليست من حاجة لإحصاء
حالات الإغماء و الوفيات الناجمة عن سماع صوت الصفارة و قبل وصول الجيش و أثناء
وجوده و عند المغادرة ايضا.
يوم ولدت أنا قيل لي ان ابي
قد اقتيد نحو ثكنات جيش الرب لأنه افتعل احتجاجا غبيا ، و لم يعد ابدا..
أدركت في سن مبكر ان لا جدوى
من إلإحتجاج الغبي فهو محكوم عليه بالنهاية سلفا ، و علمت أن الخروج من هنا مستحيل
طالما لا نعلم اين نحن ، لا خريطة لدينا ، و لا فكرة عما هو خارج المكان الذي نولد
و نموت فيه.
المستشفى القائم لأجلنا يعالج
الكثير من الأمراض التي قد تضطرب لها شؤون المملكة ، كما أنه يقرر انواع الفحوصات
الدورية ، و يحيل حالات العصاب النفسي الى ردهات العلاج المبتكر.
بضع حركات إفتعلتها نبهت طاقم
الرقابة الى خلل جسدي او نفسي قد حدث في منظومتي ، مما دفع باللجنة الطبية الى
إحالتي لقسم العلاج المبتكر ، و هو ما كنت أود زيارته.
ربطت يداي و ساقاي و أنا ممدة
على سرير مريح الى اجهزة كثيرة ، و جلس اكثر من إمرأة و رجل طلبوا مني النطق ببعض
المفردات المتداولة.
كنت ارى وجهي على الشاشة بين
التجهم و السعادة و الى جانبه تظهر ارقام لا تحصى تنتظم في بيانات.
في النهاية ذكروا لي المفردات
التي اسعدتني و معها ايضا ما أغضبني و ما أبكاني.
المرحلة الثانية كانت تحت
تخدير تام..
لم اعرف ما حدث بالضبط ، فأنا
لم اجد جرحا او خيوطا جراحية ، غير إني شعرت ان قاموسي اللغوي قد تقلص كثيرا ، و
إني لم اعد أذكر الا بعض الكلمات الضرورية لمواصلة الحياة.
يومها عرفت ان العلاج المبتكر
هو افضل مكان في المنجم كله ، و عرفت أيضا ان معظم من حولي قد دخلوه لمرات لا
تحصى..
أنا لا أذكر لم دخلت ، لكني
على يقين الآن ان اهل القصور ليسوا بأسعد مني..
كلمات قليلة..طلبات أقل..عمل
بعضلات ثور..و نوم أشبه بالموت..و نهار يتوهج بهجة..و لا حاجة للشمس..
لا وجود للشمس 3
لم اعد اطيق راسه المربع
الشكل..ليس لأنه مربع ، بل لأنه لا يتخيل وجود الأشكال الأخرى للرؤوس كالمستديرة و
المثلثة و المستطيلة ، و اكثر ما يستفزه ان يكون الرأس مرنا و قابلا لتغيير شكل
محيطه الخارجي الظاهر كما هي الأميبا.
هل أنا اتمرد لمجرد التمرد؟..
هل أنا الوحيدة التي تظن أنه
على خطأ؟ ، و إن زياراته بين الحين و الحين هي لأرى أن رأسه مختلف جدا؟ ، و أن
ألإختلاف الذي لا يد لي فيه هو من قادني الى السجن ما أن أدركت بحواسي الأربعين
أني هبطت الآن من عالم الموتى؟
كرهت مساطره و زواياه
القائمة..كرهت القوانين التي يظنها قاطعة تماما..
متى بدأ ذلك؟؟..
لا أجد صعوبة في التذكر..إنه
في شهر مارس ، و الإحتفال بأول شهيق للموتى..!!.
كان علي أن أرى وجهه ساخطا..
أول وجه أراه يحملق فيّ
بغيظ..
أول وجه أراه على الإطلاق..
طفرة وراثية من عصر ما ولدت
فيه..ألقتني في زاوية من سجن غير مرئي..
المؤلم أن هذا السجن المثالي
لأستقبال المخلوقات المشوهة الشديدة الخطورة على ذوي الرؤوس المربعة لا تقوم له
زاوية ، و لا جدار..
انه لزج ، يتقلب عبر فضاء دون
بوابة تذكر ، دون نافذة تدخل منها الشمس..
لا تذكرة للعودة..هناك ربما
سأجد اشباها لي من الموتى الأحياء..
ربما أجد كائنا واحدا برأس
بيضوي..
كل ما حولي من مرايا مرنة
تريني المخلوق الوحيد المتواجد في زنزانتي برأس بيضوي مغضوب عليه ابدا..
ألحياة التي وهبتني
شهيقها..جعلتني أتذوق موتي دون قياسات هندسية منطقية ..أو تفسير لمعنى سيادة
الزوايا القائمة..على بيضوية رأسي..!!!.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق