2014/08/08

الجانب الآخر.. قصة بقلم: محمد نجيب مطر



الجانب الآخر 
محمد نجيب مطر

هذه أرضي وأرض أجدادي، وهبها الله لنا، ولأننا عصيناه كتب الله علينا التيه والضياع في صحراء سيناء لمدة، ثم منحنا الأرض المقدسة لتوبتنا وعودتنا إلى رضوانه.
هؤلاء العرب الأجلاف من الرعاة استولوا عليها منذ زمن طويل واستوطنوها، لكن ذلك لا يرتب لهم أي حقوق فيها، فالسرقة مهما طال أمدها لا تعطي لصاحبها شرعية، فما بالك لو كان المسروق وطن وهوية.
أخذ يردد بعض الأجزاء من التوراة وهو يوجه نيرانه نحو الفلسطينيين صغاراً وكباراً، رجالاً ونساءً، لا يهم من يكون الضحية، كلهم لصوص متخلفون، العالم أفضل بدونهم، فهم إما أن يكونوا ارهابيين يهددون أمن دولتنا، وإما هم مشاريع لارهابي المستقبل.
النساء تحارب وجودنا بالولادة، إنهم مثل الأرانب و القطط، يمتعتن بخصوبة عالية، حرب أرحام تقوم بها الفلسطينيات ضدنا، قتلهم واجب للتخلص من ماكينة التوليد سريعة الدوران وكثيفة الإنتاج.
هؤلاء المتخلفون لا يقيمون للحياة وزناً و لا قيمة، يفجرون أنفسهم لكي يموتوا في أبشع صورة وفي أحقر منظر، متخيلين أنهم بذلك يرضون ربهم وأنهم سيدخلون الجنة، أي جنة سيدخلون هؤلاء البلهاء، وقد قَصًرها الله علينا نحن شعب الله المختار، أول شعب آمن بالتوحيد، سيدخلون بعد تلك الموتة الحقيرة إلى جهنم وبئس المصير.
برز له فجأة من خلفه ارهابي من نفق سري فعالجه برشقة رصاصات، ولكن الآخر أصابه برصاصة واحدة استقرت في قلبه، نزف الدماء القانية على دفعات، تألم للحظات وهو يردد، يهواه ... ارحمني ... كما رحمت آبائي موسى وهارون.
يحس بالوهن يخدر جسمه، تظهر له صورة حبيبته وهي تسنده إلى صدرها وتبكي في حرقة، يرى وجه أمه تنتحب أمام جسده، وأبيه وهو يتحسر على شبابه، ثم غاب عن الدنيا وما فيها.
أفاق على صوت أمه وهي تنادي عليه، عندما فتح عينيه أبصرها وهي تقبل يديه، تشكر الرب على سلامة وحيدها، لا يمكن أن يكون في الآخرة، فأمه لم تسبقه إلى هناك لأنه تركها حية، نظر حوله في وجل فرأى الأجهزة الطبية موصلة إلى جسده وهي تعطي قراءات متغيرة وسريعة كل شئ.
تراءى له وجه أبيه الملئ بالتجاعيد، هناك غير بعيد وجد حبيبته تبتسم له وكأنها آتية من حفل زفاف بكامل زينتها، ابتسم لأنه تأكد أنه ما زال في الدنيا.
جاء الطبيب على عجل، وبدأ يسأله عن اسمه وعن عنوانه وعمله والأشخاص الذين يتحلقون حوله، فلما أجاب اطمئن أن الأمور تسير على ما يرام.
بدأ يحكون له عن بطولته وانتقامه من الارهابيين وهو فخور بما يقولون عنه، ولكن أحس بغصة في حلقة كلما ذكروا له ذلك، أحس بالأسى لهؤلاء الضحايا واكتسي قلبه الحزن على هؤلاء الذين لا ذنب لهم فيما يحدث.
شئ ما تغير في شخصيته فمال إلى العزلة، واضطربت حياته الاجتماعية، وقل حديثه في السياسة التي كانت هوايته، حتى الأنشطة العسكرية فقد حماسته القديمة لها واندفاعته كالأسد في مواجهة الارهابيين.
أدمن القراءة في تاريخ بناء الدولة وقرأ عن الهولوكست وما تعرض له اليهود من إبادة وأحس بتشابه كبير بين ما حدث وما يحدث الآن في فلسطين، تعمق في تاريخ الدول العربية والاسلامية، ورغم التشويهات المتعمدة تأكد من حسن تعاملها في كل عهودها مع اليهود.
هجرته حبيبته بعدما بدأ يشكك في مشروعية الدولة التي حولت الدين إلى دولة ليس لها أي علاقة بالدين اليهودي، مجموعة من العلمانيين اتخذوا دينهم وسيلة للسيطرة على اليهود.
لم يعد يتقبل فكرة أن يأتي إليك من يقول لك أن تلك الأرضي ملكي، لأن أجدادي كانوا هنا منذ ما يزيد عن ألف سنة وكانوا يملكون هذه الأرض، قرأ كثيراً عن الدين الاسلامي ثم اعتنقه وتزوج ابنة ذلك الارهابي الذي قتله.
هجرته أسرته لأنهم رأوا فيه شخصاً آخر ليس له علاقة بابنهم سوى بالشكل فقط، تغيرت طباعة، وكثرت تساؤلاته، وتغيرت قناعاته، هو نفسه تحير من تلك الميول الجديدة فبدأ بالبحث عن سببها.
هاجمه المستوطنين مرات عدة ورشقوا منزله بالحجارة وكتبوا شعارات علي جدرانه تدعوه الي الرحيل .
ذهب لأكثر من طبيب نفسي فأرجعوا الأمر إلى أن تجربته المريرة في الاقتراب من الموت هي التي أثرت فيه وجعلته زهداً في الدنيا، لكنه لم يقتنع، أحد الأطباء نصحه بدراسة حالته المرضية قبل وبعد العملية الجراحية فربما نقلوا له عضو من أعضاء أحد الارهابيين، ولأن الأعضاء لها ذاكرة، فإنها قد تؤثر بشدة في ميوله وعاداته وطباعة.
بعد جهد جهيد علم أن قلبه قد تمزق بفعل رصاصات الارهابي وأنهم نقلوا إليه قلب قاتله، سأله أحد رفقاؤه القدامى، لقد أسلمت وسلمت لهم لأنهم وضعوا فيك قلبهم، ابتسم في ثقة وقال: لا .. بل رأيت القضية من الجانب الآخر.
ثم أكمل بعد وقفة قصيرة : أدركت أن الإسلام هو دين الحكمة والحقيقة، لقد اهتديت لأنني أبحث عن الحقيقة، ذلك هو السبب الوحيد .
 

ليست هناك تعليقات: