2014/08/25

الجمال الكامل قصة بقلم : أحمد عبد الرحيم



الجمال الكامل

 بقلم : أحمد عبد الرحيم



منذ سنوات مراهقته، أدرك أنه لن يقنع بأى منهن. تأكد الأمر عند دراسته الجامعية. فالفتيات صرن إلى نماذج محددة سلفاً؛ قوالب تعيسة، تنز قبحاً. إما قماش وفير، لن ترى معه شئ. وإما قماش قليل، سترى معه كل شئ. ونوع ثالث، يحاول جمع النوعين معاً، فى وضع يشعل الرهبة من فرط بشاعته. التطرف تمكن فى لحظة غادرة، مستحيلة، من تحويل الزمن إلى توأمه، ليتأمر علينا، مبدعاً من الشذوذ آلاف النسخ يومياً. وما يُفتَرض كونه حديقة غزلان، صار جحر ثعابين. وما يجب أن يكون تحف خالدة، صار كناسة الخرابة. إنتفت الجاذبية، والبراءة، والذكاء، والأنوثة. ضُرِب الجنس الآخر بلعنة إنصبت من أعمق بطون الجحيم، وأقذر أفكار الشيطان. لعنة اخفت حلاوة الفتيات، وبدلتها بعظام دجاج، وخبز عفن، وملوخية حمضانة. الوضع السياسى، الحال الأقتصادى، القيم الإجتماعية، الأعمال الفنية، كله صار إلى إنحطاط. ضف لذلك، فساد الهواء، وتلوث الماء، وتردى الطعام، وفساد التغذية، وموت الدسامة، فى كل شئ. لكنه لم يشغل باله بالأسباب، وإنما، لكونه عملى، صمم أن يعالج النتيجة، أو يحتمى منها. إخترع جهاز ذا جبروت. هذا الجهاز، سيستوعب مقاييس كل نجمات السينما، الفاتنات الحقيقيات. من الخمسينات للسبعينات؛ كان كل شئ لا يزال على ما يرام. القدود تلفحك بالرغبة، والنظرات حبلى بالحياة، والفساتين تغنى ألواناً. صفات كالدلال، والطرافة، والحب، كانت ذهب أصيل، وليس قشرة. الصدق كان كلمة فى القاموس، والجمال عملة رسمية، والإفتتان مقرون بالروح. فعل أفاعيل أضحكته لندرة ذكائها، وعنف جنونها. مثلاً، مزج مقاييس أجساد هند رستم، وشادية، ونجوى فؤاد، ونجلاء فتحى، وسهير رمزى سوياً. ثم أضاف للمشروع، مارلين مونرو، وصوفيا لورين، وآن مارجريت، وجين راسل، وآنيتا أكبرج أيضاً! بعدها، أدخل المعلومات لقسم التنفيذ. وفى إهتزازة، تعدت فى قوتها زلازل كثيرة، أصابت المدينة على طول تاريخها، أشرقت بشائر المشروع. أعلن الكومبيوتر عن إكتمال المرأة المرغوبة، مسميها "رقم 1". إنفتح الباب، ووسط دخان أحمر، وحرارة فائقة، ظهرت ظلاً مستبداً، متكامل الأطراف، كامل الأوصاف، يوقف الزمن، ويسحر الوجود. تسمّر المخترع الهمام. لم يبتسم، ففمه كان فاغراً، من هول ذهوله. لم يصرخ، لأن أنفاسه كان أسرع من منحه الوقت أو القدرة على إطلاق ولو صيحة إنتصار مختصرة. ولم ينطق، إذ كان مشغولاً بمليون حلم حريف. وما أن تحركت المرأة خطوة واحدة، وبدت تفاصيلها تحت الضوء، تتأجج مثالية قاهرة، وتفيض فتنة مقدسة، وتمنح العالم شموس لانهائية؛ حتى غشى سطوعها عينيه، ليشهق أعظم شهقات حياته، آكلاً قبضته بأسنانه، باكياً كطوفان، مُعتَصر القلب، منسوف الكيان، ذائب الجسد.



سقط جثة هامدة، وعلى وجهه إبتسامة نشوة لم ينلها إنسان قبله قط. وبقيت "الجمال الكامل" مطرحها لثوانى، قبل أن تتلاشى، وتتبخر ذراتها فى الهواء، نسمات شهوانية محترفة. 


ليست هناك تعليقات: