2014/08/20

قصة مقص بقلم : عبد القادر صيد

قصة مقص
 بقلم : عبد القادر صيد
     لطالما طارده المقص ،لاحقه بفكيه الشرهتين، تلهّف عليه ،لهث خلفه ، من قبل أن يرى نور الحياة و هو يتربص به ، و عند الصيحة الأولى عاجله بقطع حبله السري، ثم تركه يسيرا ، وما لبث أن باغته ليختنه ،ثم  تهادنا ليمضيا تعاقدا معا كل شهر يرتع  في تيجان رأسه كما يشاء ، كلما لمع المقص أمام عينيه أعلن بريقُه عن مرحلة جديدة ، ها هو ذا يرفض أن تمر هذه المناسبة بلا مقص ، لابد أن يقص به بين عهدين ، عهد  مضى كان يرعى فيه هذا الشجرة ، و عهد حاضر صارت تعتمد فيه على نفسها..
     نعم هي شجرة غرسها  خارج المدينة  منذ عشر سنوات، كان  يتعهّدها  كل يوم ،يأتيها بدراجته النارية ، حاملا معه الماء ليسقيها،و كطفلة صغيرة كانت عاجزة أن تحمي نفسها من القطعان التي  ترعى في تلك المنطقة حماها بسياج متين ، و أنشأ بجانبها ردما من المرتفعات لينحرف ماء السيول عنها،و رغم ذلك تعرضت للقطع من قبل قطعان السكارى، تربص بهم ليلا ، تركهم حتى ثملوا ثم انهال عليهم بوابل من الحجارة،تركوا المكان ، ولم يفكروا في الرجوع إليه، و غرس أخرى و أخرى و أخرى إلى أن أصبحت هي هي الشجرة .و أصبح هو صاحب الشجرة .
   ها هي الآن  ذي شجرة فارعة ، تتحمل العطش ، و تُعجز الإنسان القوي أن ينزعها بعضلاته ، لا بد من تأريخ هذه المرحلة بقصة مقص ، لا بد أن يقص الشريط  لتدشين هذا المشروع العمري،  ها هي مجموعة من رفقائه  يصفقون، و يحتفلون بحياة الشجرة و بحياة غارسها و متعهدها ، و ها هي ذي مجموعة من الطفوليين تتوقف ، تتساءل عن ضحايا حادث المرور:
ـ ليس هذا حادث مرور ، و إنما تدشين  شجرة ، هذا  الشخص الذي تراه ، هو من غرسها و تعهدها إنه شخص عظيم..
ـ الأمر لا يستحق هذا الاجتماع ..
ـ ليس  هذا اجتماعا و إنما تدشين..
ـ تدشين .. أنا أستطيع أن أفعل مثله !!
ـ صحيح تستطيع ، و لكن هل فعلت؟هل فكرت مجرد التفكير في أن تغرس شجرة  و تتعهدها ، و تجعلها مشروعا لعشرة سنوات ،و لا تتركها إلا بعد أن تستعصي على يد التخريب ؟
ـ أفهم من كلامك أنه لن يحرسها بعد اليوم..
ـ نعم ،لقد كبرت ، المفروض أنها من اليوم ستحرس نفسها..
ترك هذا الفضولي الجماعة ، و هو يكلّم نفسه :
ـ أي بطولة في غرس شجرة ؟! كلنا يستطيع أن يفعل ذلك ..
  عندما جن الليل ، توقفت سيارة ، خرج منها شخص ، حاملا معه فأسا ليتحول من فضولي إلى مخرب ،و قبل الضربة الأولى أمسك بيده شخصان ، و نزعا منه الفأس ، حاول التملص منها و لكنهما أحكما وثاقه :
ـ اتركاني يا مجرمين ..
ـ لا تصرخ ، لا تخف لن نؤذيك ، لقد حدثنا حدسنا أنك سوف ترجع ليلا لتقطعها ، أنت فقط ستخبرنا لماذا.
حاولا معه ليخبرهما عن سبب محاولته قطع الشجرة ، و لكنه أبى أن يخبرهما بالسبب لأنه لم يكن يجرؤ أن يجابه بجواب هذا السؤال حتى نفسه..
  ما هي إلا لحظات حتى جاءت سيارة أخرى ، و تبعتها أخريات، و نزل منها فضوليون كثيرون ، و بدأ تشابك شديد ، و جد صاحب المقص نفسه موثقا  بعدما أسلم صديقه رجليه للريح ، حاول الإفلات منهم ، و عندما يئس ، صاح فيهم :
ـ هل أنتم عصابة ؟ و هل تعرفونني ؟
ـ  و لا  أحد يعرفك ، كما و لا أحد  منا يعرف الآخر، و لكن كل واحد منا قصد هذا المكان ليثبت أنك فاشل.
ـ كيف يثبت أني فاشل؟
ـ بقطع هذه الشجرة التي تفتخر بها.
ـ اقطعوها ، و سأغرس شجرة أخرى و يكون لي إنجازان ..
ـ سنقطع الثانية أيضا..
ـ سيكون لكم تخريبان، و سأغرس أخرى..
تقدم كبير الفضوليين الذي لبس الآن قناع المخرب و تناول المقص الذي لم يكن بعيدا عنه ،و أشار به إلى وسط الموثوق قائلا:
ـ إن غرست شجرة أخرى ، فأنت تعلم ما سيحدث لك ..
   في الصباح قرر أن يغرس شجرة أخرى في مكان آخر، مع  إعلانه مخاصمة  المقص ، فلا تدشين و لا قص شريط ، حتى لا يتعرض إلى ...فالمقص ما زال يتلهف عليه ، و يلهث خلفه ..

ليست هناك تعليقات: