2014/08/27

دراسة ٌ لقصَّةِ "ثابت والرِّيح العاتية " للأديب سهيل عيساوي بقلم : حاتم جوعيه

دراسة ٌ لقصَّةِ " ثابت والرِّيح العاتية " - للأطفال - الحاصلة على جائزة " ناجي نعمان الدوليَّة " للأديب والشَّاعر " سهيل عيساوي " 
 بقلم : حاتم جوعيه - المغار - الجليل

مقدِّمة : الأديبُ والشَّاعرُ والمؤرِّخ الأستاذ " سهيل إبراهيم عيساوي "من سكان قريةِ"كفر مندا "- الجليل ، يكتبُ في جميع المجالاتِ والأنماطِ الأدبيَّةِ : شعر ، قصة ونقد .. وقد أبدعَ فيهم جميعا وصدرَ لهُالعديدُ من الأعمال الأدبيَّةِ والدواوين الشعريَّة والدراسات . وفي الفترةِ الأخيرةِ بدأ يُكثفُ كتاباته في مجال أدبِ وقص الأطفال وصدرَ لهُ عدَّة مجموعاتٍ قصصيَّة : 1- يارا ترسم حلما . 2- احذر يا جدي . 3- طاهر يتعثر بالشبكة العنكبوتية . 4- بجانب أبي . 5- الأميرة ميار وحبات الخوخ . 6 – الصياد والفانوس السحري .وهذه القصَّة ُ التي بين أيديناالآنهي آخرُ عمل يظهرُله ُ للنوربعنوان: " ثابت والريح العاتية "والتي حصلت على جائزةِ" ناجي نعمان"- اللبنانيَّة الدوليَّة - بفضل مستواها الراقي وأسلوبها المميَّز وأهدافها وأبعادها الفنيَّةِ والجماليَّةِ والإنسانيَّة . مدخل : تقعُهذه القصَّة ُ في 24 صفحة من الحجم الكبير ، مطبوعة ٌ طباعة ٌ أنيقة وفاخرة وبورق سميكٍ ولامع ( طبعت على حساب الشَّاعر ولم يُذكر إسمُ المطبعة وأين طبعت القصَّة .وتحلِّي الكتابَ صورة ٌ جميلة ٌ على الغلاف من الوجهين .. وهنالك عدَّة ُصور في داخل الكتابِ ملوَّنة ومعبرة عن مواضيع وأحداث القصَّةِبريشةِ الفنانةِ التشكيليَّةِ" فيتاتنئيل " ، وقد راجعَ الكتابَ ( القصَّة) ودققهُ لغويًّا الأستاذ (أحمد شدافنة ) . سأقومُفي البدايةِ بإستعراض هذه القصَّةِوبعدها سأدخلُ في الدراسةِ والتحليل .. تتحدَّثُ هذه القصَّة ُ عن طفل صغير اسمه " ثابت "، عُمرهُ8سنوات يعيشُ في قريةٍ هادئةٍ ومسالمةٍ وفي ليلةٍ ظلماء هبَّت ريحٌ عاتية ٌ على القريةِ فاقتلعت كلَّ شيىء وهدمَت المنازلَ والبيوتَ وقضت على الأخضر واليابس وأصبحت القرية ُ بلقعاوطللا دارسا .. وأمَّا الطفلُ ثابت فقد استيقظ َمن نومهِ العميق مذعورًا خائفاعلى صوتِ الضوضاء وعصف الريح المخيف وتحطُّم الأشياء وارتطامِهَا بالأرض الصَّلبةِ فدَّبَّ الرُّعبُ في قلبهِ فحاولَ الإختباءَ تحت السَّرير ولكنَّ الرِّيحَ طرقت بابَهُ بقوَّةٍ فأسرعَ نحوَ النافذة َ وقفزَ منها وبدأ يركضُ بسرعةٍ جنونيَّةٍ كالغزال والرِّيحُ تتبعُ ظلَّهُ الصَّغير ولم يجدْ مكانا يلجأ إليهِ سوى مغارةٍ صغيرةٍ بابها ضيِّق فيأسفل الجبلالشَّامخ .وقفت الريحُ أمامَ باب المغارة ِفنظرَإليها ثابتٌ وَتسَمَّرَ مكانهُ وقد تجمَّدَ الدَّمُ في عروقهِ ... فسألتهُ الريحُ ما اسمكَ فأجابها بصوتٍ مرتجفٍ مرَّتين ( ثابت .. ثابت) فقالت لهُ الريحُ : لانخفْ ، لن أمَسَّك بسوءٍ ..ولكن ثابت لم يصدِّقها وقالَ لها : كيفَ أصدِّقكِ وقريتي دُمِّرَت عنبكرةِ أبيها، كيفَ أثقُ بكِ مُجَدَّدًا ..ولكن الرّيحَ طمأنتهُ وعرضت عليهِ طلبا صغيرًا وهو أن تبتلعَهُ ويبتلعهَا ..أي أنَّ الريحَ تخافُ الشَّمسَ إذا ظهرت وأشرقَ نورُها حيثُ يثقلُ جسدُها وتوهنُ قوَّتُها، لذلك تريدُ من ثابت أن يبتلعهَا في النهار ويخفيها في بطنهِ وفي الظلام هي تبتلعَهُ وتحميهِ من براثنها وغضبها وهيجانها ومن وحوش البرِّيَّة ، فمصلحتهما هي وهو مشتركة ٌ فوافقَ ثابت ..وقد طمَّعتُ وأغرتهُ الريحُ أنها عندَ حلول الظلام تطيرُ بهِ حولَ العالم ليشاهدَ عجائبَ الدنيا السبع وسور الصين العظيم والأهرامفي مصر ومدينة البتراء والبحر الميت وكل بقعة ومكان في أرجاءالمعمورة يحلمُ ثابت في الوصول إليهِ ( ذكر الكاتب أماكن ومدن هامة يحلم كل شخص أن يزورهافيظهرُ هنا عنصر الترغيب والتشويق للطفل) فوافقَ ثابت بعدَ تفكير وأقبلَ إليها صوبَ المغارةِ فضمَّتهُ بذراعيها وتوارى بداخلها وانطلقت الريحُ فرحة ً تجوبُ البلادَ وشاهدَ ثابت بأمِّ عينيهِ أروعَ وأجملَ المناطق والبحار والأنهار والغابات وحطَّت بهِ في أروع البساتين والجنائن وقد تذوَّقَ ألذ َّ الأطعمةِ وأشهاها حتى أصبحَ ثقيلا وسمينا ولكنّهُ لميهتمّ لذلك...وتمرُّ الأيَّامُ كلمح البصر وشعرَ ثابتٌ بأنَّ ملامحَهُ وشكلهُ تغيَّرَ كليًّا وأصابعهُ أصبحت خشنة ً وصوتهُ تغيَّرَ ووزنهُ زادَ كثيرًا وحركتهُ ثقلت وإرادتهُ تلاشتواختفت الطفولة ُ من عينيهِ وملامح ووجههِ البريىء .. وامَّاالريحُ فقداشتدَّ عودُها وتعاظمَ عصفها وعنفوانها وجبروتُها ولم تعد تخشى الشَّمسَفيوضح النهار . فأدركَ ثابت فيمابعد المصيبة َ والورطة َ التي وقعَ بها .. وبدأيفكِّرُ في طريقةٍوخطَّةٍ حكيمةٍ ومنطقيَّةٍ للتخلُّض من الريح الإنتهازيَّةِ الماكرةِ التي استغلتهُ أبشعَ استغلال فهو يحنُّ ويشتاقُ إلى أطلال قريتِهِ التي دمِّرتها الريحُ ولرائحةِ ترابها المعطَّر ( بالزَّعتر) و الياسمين .. ويشتاقُ بجنون لأترابهِ ولظلِّ شجرة الرمان ولسريرهِ الدافىء ولدفتر الرسم وأقلامِهِ المزركشةِ ، ولألعابهِ المشاكسة..وكم تمنى في قرارةِ نفسِهِ أنهُ لم يصاحبْ هذه اللعينة ( الريح ) . وقد أحسَّت ولمحت الرِّيحُأفكارَ الطفل ثابت تجولُ وتتمرَّدُ في خاطرهِ المتعب والحزين فأضمرت لهُ الشِّرَّ لأنها لم تعد بحاحةٍ ماسَّة إليهِ كما كانت في السابق فكفَّت عنالإختباءِ بداخلهِ عندما تطلعُ الشمسُ لأنها جمعت ما يكفيها من قوَّةٍ وعزم وأحزمةٍ غليظةٍ من الشِّرِّ ..أي أخذتمنهُما تحتاجُ إليهِ من طاقةٍ ناقصةٍ لتتغلبَ على ضوءِوحرارةِ الشَّمس . وبعدَ أن أظلم الليلُ تدحرجَ ثابتٌ عميقا في جوف الريح فحملتهُ خلسة ً إلى صحراء قاحلة لا يوجدُ فيهاعشبٌ ولا زرعٌ ولا ماء وحياة ولا يسكنها مخلوقٌ ولا بشرٌ وألقت بهِ على الرمال الحارقةِ . وعندما لاحَ الفجرُ استفاقَ ثابتٌ ونظرَ بذهول حولهُ فوجدَ نفسَهُ في صحراء قاحلةٍ لوحدِهِ لا أنيس ولا رفيق أو جليس فبدأ صرخُ بأعلى صوتهِ ويرجعُ إليهِ الصَّدى .. وبحثَ عن الريح فلم يجدها بقربهِ .. فأمسَكَ بيديه حفنة ً من الرمل ونثرهَا في الهواءِ وقال بغضب : الويلُ لكِ أيَّتها الرِّيحُ اللئيمة ..وتنتهي القصَّة ُ نهاية ً مفتوحة ً ...أي لا توجدُ لها نهاية . تحليلُ القصَّة : هذه القصَّة ُكُتِبَتْ وَنُسِجَت فصولها وأحداثها بلغةٍ أدبيَّةٍ جميلةٍ وراقةٍ وسلسةٍ وعذبةٍ وبلغةٍ شاعريَّةٍ ، فيها الكثيرُ من الكلماتِ المُنمَّقةوحافلة بالتوظيقاتِالراقيةِ والمبتكرة ومنها التقليديَّة . ومن الناحيةِ الشكليَّة والمظهر الخارجي هذهالقصَّة خياليَّة فانتازيَّة بحتة فيها الكثير من المعاني والأهدافِ المُبَطَّنةِوترمزُ وتشيرُ إلى قضايا وأمور عديدة هامَّة في حياتِنا العامَّةِ نحن كعرب فلسطينيِّين.. وترمزُ لأبعادٍ إنسانيَّةٍ وفلسفيَّةٍ وأمَمِيِّة شاملةٍ وتذكرنا بالقصص العالميَّةِ والمترجمةِ لكبارالكتاب العالميِّين . والأستاذ سهيل عيساوي بدون شكٍّ قبل أن يكونَ كاتبا وشاعرًا وأديبًا قديرًا مبدعا هو قارىء جيد واسع الإطلاع والآفاق له ثقافة واسعة ومتطلعٌ على معظم الكتب والروايات الأدبيَّة العربيَّة والعالميَّة بلغةِ الأمِّ أو المترجمة، ولهُ خبرة واسعة وتجربة طويلة وثريَّة في عالم الأدب والإبداع ، وخاصَّة في مجال الرِّوايةوالقصَّة وفي كيفيَّة نسج وبناء القصَّة ،وبالذاتِ في مجال قصص الأطفال ... وبصفتهِ مدرِّسا ومدير مدرسة وقريبا من عالم وجوِّ الأطفال فهو يعرفُحاجاتالطفل وخصوصياته ومتطلباتهِ النفسيَّة والعقليَّة والذوقيَّة ... وهذه القصَّة ُ مستواها عالجدًّا من جميع النواحي : الفنيَّة والأدبيَّة ، الفكريَّة والموضوعيَّة وهي مميَّزة في أبعادِها الإنسانيَّة والفلسفيَّةِ والوطنيةِوالتربويَّة ..إلخ .. أي أنها قصَّة ٌشاملة تحوي في داخلها كلَّ شيىء ولها قيمتها وأهميَّتها في كلِّ المجالاتِ والأمور والمواضيع وللأطفال قاطبة وتحملُ في طيَّاتِها رسالة ً سامية ً مثلى . وحسب رأيي هي كتبت للأطفال الذين مستوى ذكائِهم عالجدًّا وخارق ولهم خيالٌ واسعٌ مُجَنحٌ ولجيل الطفولةِ المتقدم وللأشخاص البالغين وللكبار في السنِّ بعد مرحلةِ الطفولة... لأنَّالطفل العادي والصغير - في مرحلة الطفولةِ المبكرةِ - في صددِ مستوى ذكائهِ وعقلهِوطاقاتِهِ وقدرةِ إستيعابهِ وفهمهِ وإدراكهِ الطبيعي حسب جيلهِ قد يستعصي عليهِ فهم أبعاد وأهداف هذه القصة ومعانيها المبطنة والمستترةوراء السطور والأحرف . من الناحيةِ الشكليَّةِفهنالكالكثيرمن الكلماتِ الفصحى والمنمَّقةوالصعبةِ فالشخصالكبير في السِّنِّ قد لا يفهمها فكيف بالطفل الصغير في بدايةِ نضوجهِالعقلي والجسدي وتتكوين وتبلور شخصيَّتهِ ... وبإختصار القصَّة حسب رأي هي لجيل الطفولة المتقدَّم والناضج بعد جيل 10 سنوات وما فوق وللكبار في السن . من الناحيةِاللغويَّة نجدُالقصَّةزاخرة ً وحافلة ً بالكثير من الكلماتِالفصحى الجميلة المموسقةوالصعبة على الفهم أحيانا، مثل :تزمجرُ، ضوضاء ،إرتطام ،هَمَت ...أي سقطت وهطلت ، أنقضَّ، براثن، أرجاء المعمورة ...وهنالكالكثير من المصطلحات اللغويَّة والإستعارات البلاغيَّة الجميلة والرَّاقية وقد لاتحتملها قصَّة ٌ بسيطة كتبت للأطفال مثل التشبيهات الشَّاعريَّة التالية :(مذعورا على صوتالضوضاء-صفحة 7 ) ، و(عصف الريح المخيف – صفحة صفحة 7 ) ، و (أرخى الليلُ سدولهُ- صفحة 21 ) ، و ( أحزمة غليظة من الشَّر- صفحة 21 ) ،و ( أترابه - صفحة 19 ..أي أصدقاؤُه الذين في مثل سنِّهِ ) ، ( وإن بزغتثقلجسدي وَوَهَنت قوَّتي- ( صفحة 10 )...هذه المصطلحات تبدو طبيعيَّة ومفهومة للكبير ولكن الطفلَ الصغير لا يعرفُ معانيهاوأبعادها البلاغيَّة . ومثل هذه العبارات والجمل الشَّاعريَّةالتي هي كبيرة وثقيلة على عقليَّةِ الطفل الصغي نجدُ أيصًا هذه الجمل :( تفرَّقت فراخُها أيديسبأ... ومشَّطت أسرابُ العصافير السَّماء - صفحة 5 ) . و( والقمر كئيبحزين ، يراقبُ الأحداثَ عن كثب، بصمتٍمطبق ويعضُّ على شفتيهِ بشدَّةٍ حتى همت دموعُهُ على خدَّيهِ - صفحة 7 ).. و ( " فقد جمَعَت ما يكفيها من قوَّةٍ ، وعزم ٍ، وأحزمةٍ غليظةٍ من الشَّرِّ -صفحة21)...هذا بالنسبة للغةِ القصَّةِ (من الناحية الشكليّة والذوقيّة ) وكلماتِها الفصحى والصَّعبةِ وللتشبيهاتِوالإستعاراتِ البلاغيَّة وللغةِ الشَّاعريَّة المموسقةِ الجميلة المنمَّقة والسَّاحرة التيقد تكون صعبة ً وثقيلةالوطىء على الطفل الصَّغير ومستوى ذكائه وقدراتهِالذهنيَّةومدَى إستعابهِ للأشياء نظرا لجيلهِ...ولكنها قدلا تستعصي على الطفل البالغ والناضج بيولوجيًّا وعقليًّا فهي لجيل الطفولة المتقدَّم والكبير وللكبار وليست لجيل الطفولةالمبكِّر جدًّا ( من ثلاث سنوات إلى عشر سنوات ) . وأمَّا الجوانب الأخرى التي يتطرَّقُ إليه الكاتب ويُعالجها في القصَّةِ فهي : 1 ) الجانبُ التعليمي والإنساني للكبار وللصغار . ومفادهُ أنهيجبُ علينا التريُّث والحذر ولا نتسرَّع في قراراتنا ...وعلى كلِّ شخص ، وخاصَّة الطفل الصَّغير الذي لا توجدُ عندهُ التجربة ُ الكافية للأمور والمشاكل الحياتيَّة المتعدِّدَة ولميختبر تقلبات الدَّهر ونوائبهِ ألاَّ يثق فيكلِّ شخص ٍ ويسلِّمُهُعنقهُ..لأنَّهنالكالعديد من السلبيِّين والأشرار في مجتمعنا الذين يظهرونالوداعة َوالسكينة َوالنوايا الطيِّبة زيفا لأجل تحقيق مصالحهم ومآربهم الشخصيَّة الدنيئة والشرِّيرة وعندما ينالون أهدافهم ومآربَهم من الغير( من فلان أو علان) يديرون لهمظهرَهم ...بل قد يتحوَّلونَ إلىعقاربوأفاعي سامَّة فيلسعونهم ويؤذونهم وكما حَدثَ مع الطفل " ثابت " في هذه القصَّة . 2 ) البُعدُ الوطني والقومي : 3 ) البُعدُ الإنساني والإجتماعي . 4 ) البُعدُ الفلسفي . 5 ) البُعدُ الجمالي والذوقي والفني . 6 )البعدُ الوطني : بالنسبةِ للبعدِ والجانب الوطنيلقد وظفَ الكاتبُ الريحَ التي ترمزُ وتشيرُ إلى الأعداءِ الأشرارالمحتلِّين الذين اجتاحوا البلادَ وعاثوافسادًاوخرابا ونشروا الرُّعبَ فيها واحتلُّوها وَهَجَّرُوا سكانها... والقريةالتي هاجمتها الريحُ ( قرية الطفل ثابت ) قد ترمزُ إلى الأرض والوطن وإلى القضيَّةِالفلسطينيَّة وابعادها ، والى قضايا اخرى في ارجاء المعمورة . ويذكرُ الكاتبُ على لسان الطفل ثابت حنينهُ وشوقهُ إلى أطلال قريتهِ ولرائحةِ تربتِها المعطرةِبالزَّعتر (والزَّعترُ مثلُالزيتون رمزٌللبقاء ويعتبرُ من للطعام الفلسطيني الشَّعبي المحَبَّذ ورمزا لكلِّ قرية فلسيطينيَّةٍ ونحنُ نجدُ تمازجَ وتلاحمَ واختلاط الجوانب والمفاهيم الوطنيَّةِ مع الجانب الإجتماعي والإنساني والذاتي في تلك اللوحةِ الشاعريَّةِالتي يعرضُها الكاتب سهيل عيساوي على لسان الطفل " ثابت " وحنينه لقريتهِ المُدَّمرةحيثُ يقولُ ( صفحة 19 ) : ( " وأخذ يفكِّرُ في طريقةٍ حكيمةٍ ، للتخلُّص ِ منالريح الإنتهازيَّة ، فهو يحنُّ لأطلال قريتهِ ، ورائحةِ تربتها المعطَّرة بالزَّعتر والياسمين، ويشتاقُ بجنون لأترابهِ ، لظلِّ شجرةِ الرمان ، لسريرهِالدَّافىء ( شيىء ذاتي وطفولي )، لدفتر الرسم وأقلامه المزركشة ( خاص بالطفل وللتعليم ) ، لألعابهِ المشاكسة ... " ) . إنَّ البعدَ الإنساني والإجتماعي والذاتي والوطني نلمسهُ بوضوح في هذه اللوحة الفنيَّة الشاعريَّة . ونجدُ أيضا الجانب اللاهوتي وعنصر الإيمان.. وقدترمزُالريحُ إلى الشيطان وقوى الشَّرّ ولكلِّمصدر وشخص شرير.. وإلى كلِّجهةٍ مشعوذةٍوكافرة تخدعُ الآخرين وتوهم وتزيِّنُ لهم الأمورَ وتجعلُ من البحر مقاثي وتبني قصورًا في الهواء وفيالأحلام والخيال .. وفي النهايةِ تتركهم معلَّقين بين الفضاء والأرضدون نجاةٍ وخروج من مصيبتهم ...كما حدثَ مع الطفل ثابت الذي أغرتهُ الريحُ وخدعتهُ وفي النهايةِ ألقت بهِ في صحراء قاحلةٍوتركتهُ مع مصيره المأساويِّلوحدِهِ ..والشيطانُ في مفهوم كلِّ الدياناتِالسماويّةِهومصدرُ وأساسُكلِّ شرٍّ وهوعدُوٌّ للإنسان ويغري الإنسان ليوقعَهُ في المعاصي وليسيرَ في الباطل والضلال وليدَمِّرَهُ جسديًّا وروحيًّا ويخرجُ لا دينا ولا دُنيا ( وكلمة شيطان تعني أيضاكلَّ شخص شرير يعملُ حسب مآرب وهدف الشيطان ويحاول أن يخدعَ كلَّ إنسان خيِّر ونظيففيعدهُ بالنجاح والجَاه والمجد والمال وبعد أن يسير معهُ في طريقهِ ودروبهِالمضللة سرعان مايتركهُ معلقا بين السماءوالأرض في أسوأظرف ومصير دون معين أو أمل ورجاء من مأزقهِ ). الجانبُ السَّردي والترفيهي ( التسلية):بالنسبة للجانب للترفيهي في القصَّةِ فالقصَّة ُجميلة جدًّا مع أنهاخياليَّة وفانتازيَّةويستمتعُكلُّ شخص في قراءتِهَا كبيرًا كان أو صغيرا فهي مسلية وترفيهيَّة .. وفيها يذكر الكاتبُ أسماءَ بعض المدن والفواكه وطعمها لفتح الشهيَّةِ لدى الطفل . الجانب الفنِّي : القصَّة ُ بالطبع على مستوى عال وتضاهي القصصَ العالميَّة التي كتبت للأطفال من قبل كبار الكتابِبلا شكّوقد حصلت على جائزةِ " ناجي نعمان اللبنانيَّة "الدوليَّة بجدارةٍ .وهذه القصَّة نهايتها مفتوحة حيث بقيَ الطفلُوحيدًافيالصحراء ولميستمر الكاتبُ في كتابةِ مشاهد وفصول أخرى للقصَّةِ ولم يُدخل شخصيَّة وعاملا ما يأتي لينقذ َ هذا الطفلَ البريىءويخرجهُ من جحيم الصحراء الملتهبة... مثلالكثير من القصصالعالميَّةِ(للكبار والصغار في السنِّ ) تنتهي هكذا .وفي الآونةِالأخيرةِ ( منذ أربعين وخمسين سنة تقريبا ) بدأ كتابُ القصصوالرواياتِعلى أنواعها، من العرب، يصوغونَوينسجونالكثيرَمن قصصهم على هذا المنوال ...أي تنتهي نهاية مفتوحة ( ليست لها نهاية )وكانت القصصُسابقامعظمها تنتهيبزواج البطل والبطلة أونهاية سعيدة والقليل منها كان ينتهي نهاية مأساويّة تراجيديَّة . هذه القصَّة صغيرة من ناحيةِ الحجم ولكنها عريضة في قيمتها وفحواها وأبعادها وأهدافها ، تمتازُ بجملها السَّلسةِوالمعبِّرة ويستعملُ الكاتبُ ويدخلُ الكثير من الفواصل في نفس الجملة لتتابع الأحداثِ .. ونجدُ في القصَّةِ الطابعَ والنفسَ السَّردي (الكاتب يتحدَّثُ على لسان أبطال القصَّةِ "الريح وثابت ") . وفيها أيضا عنصرالحوار ( ديالوج ) حيث يتركُ أبطالَالقصَّة يتحدَّثون مع بعضهم ( حوار بين ثابت والريح ) مثال على ذلك : ( " قالتِ الرِّيحُ ما اسمُكَ يا صبيُّ ؟ . قال ثابت ( بصوتٍ مرتجفٍ : ثابت .. ثابت ( ووضعَ الكاتبُ بين قوسين بصوت مرتجفٍ ليُؤكّدَ على خوف ورعب الطفل وردَّدَ إسمه مرَّتين مع نقطتين .. بين ترديد الإسم للتأكيد أكثر وإظهارخوفه ورعبه ) . قالتِ الرِّيحُ : لا تخَفْ ، لن أمَسَّكَ بسوءٍ . قالَ ثابتٌ : كيفَ أصَدِّقُكِ ، وقريتي دُمِّرَتْ عَن بكرةِ أبيها ؟ كيفَ أثقُ بكِ مُجَدَّدًا ؟! ( وهنا يظهرُ ويبرزُ بوضوح الجانبُ الوطني والقومي والمنطل السياسي ..وربَّما في معظم القصص المحليَّة إن لم يكن جميعها التي كتبت للأطفال لا نجدُ هذه النبرة وهذا الموضوع والفكر والتوجُّهَ الوطني وبهذه اللغةِ والأسلوب ( قريتي دُمِّرَت عن بكرةأبيها ؟ كيفَ أثقُ بكِ مُجَدَّدًا ) . إنَّ معظمَ قصص الأطفال لكتابنا المحلِّيِّن تتحدَّثُ عن الطابةِ واللعبِ والنظافةِ والصَّابون والكلب والعوّ والقط والواوا ..وهكذا ..ولا يوجدُ فيها عمقٌ وفلسفة ٌ للحياةِوتحليل للأمور والقضايا المصيريَّة جميعهاوالأمميَّة وهي بعيدة ٌعن الجوانبِ والقضايا السياسيَّةِ والوطنيَّةِ والقوميَّةِ والإنسانيَّة شاملة ً . وهذه القصَّة ُ تتحدَّثُ بلسان بطلها ( الطفل ثابت )عن كلِّإنسان مظلوم ومضطهدٍ وَمُشَرَّدٍ خارج وطنه أو بقي في وطنه محاصرًا وملاحقا وعن كلِّ قريةٍ وبلدةٍ دُمِّرَت وَمُحِيت آثارُها وشُرِّدَ سكانها في هذه المعمورةِ ... أي فيها الطابع والجانب الإنساني الأنساني والأممي قبل كلِّ شيىءٍ وليس فقط الطابع والجانبالإقليمي والمحلِّي وللمحيطِ الضيِّق .. فيها القضايا والأمور التيتهمُّ وتعني كلَّ إنسان ومخلوق في جميع بقاع العالم وليس على الصَّعيد المحلي والقطري ( الفلسطيني والعربي فقط )... وبهذا إستطاعَ الكاتبُ أنيرقى ويحلِّقَ إلى المصافِ والمستوى العالمي في إبداعِهِ وليسَ على المستوى المحلِّيالضَّيِّق..وهذه القصَّة بالفعل هيقصَّة ٌعالميَّة ٌ في مستواها وفحواها وتوجُّهها ولغتِها وأسلوبها وأبعادِها الفلسفيَّة والفنيَّة والتعليميَّة والجماليَّة . وأخيرًا : أهنِّىءُ الكاتبَ والأديبَوالشَّاعر المبدع الصديقَالأستاذ سهيل إبراهيم عيساوي على هذا الإصدار الرَّائع وأشكرهُ لإهدائهِ لي نسخة من هذه القصَّة ..وأهنئهُ أيضا على نيلهِ جائزة " ناجي نعمان اللبنانيَّة العالميَّة ) لهذه القصَّة ... فمبروك وإلى الامام دائما وعقبال إصدارات أخرى أبداعيَّة في جميع المجالاتِ : القصَّة والنقد والشعر والدراسات والأبحاث ...إلخ .. . وعقبال جوائز أخرى دوليَّة .

ليست هناك تعليقات: