2014/08/03

المقال الأسبوعي قصة بقلم : عبد القادر صيد

المقال الأسبوعي
بقلم : عبد القادر صيد
يحمل معه خشبة على شكل رشاش ، يرش المارة برصاص يخرج من قلبه بأقذع الألفاظ المثبتة في قاموس القاذورات و حتى المرفوضة من القاموس  إبقاء على أدنى نسبة من الحياء و الالتزام، إلى درجة أن  الناس خجلوا أن يصوروه  بكاميراتهم، يهيم على وجهه عبر شوارع المدينة ، و يسلط تسديده أكثر على من يبدو من خلال هندامه  و هيئته أنه شخص مهم ، أحدهم يبطئ الخطى ليشنف أذنيه بهذه المأدبة السخية من الشتائم  لأنه  ربما يتمتع  و هو يرى نفسه كما ولدته أمه  أمام المرآة من غير تكلف أو تحفظ..
   عبثا يحاول  أن يجد شخصا يشمئز من هذا الشتم ليغيضه ، عبثا يبحث عن قلب بالمعايير العالمية العادية ، قلب يخترقه الرصاص ليثبت الرصاص على الأقل ليثبت بذلك ذاتيته ، من نذالتهم يصرون على حرمانه من فرصة إثبات فاعليته و تأكيد صلاحيته ، من أي بلد استوردوا هذه الواقيات التي تجمّد الرصاصة  بمجرد الاصطدام بها ؟
   يمشي المجنون  و رشاشه مفتوح  على صدور الناس و عيناه  تمشطان شوارع المدينة ، يتفحص المارّة وهم منهمكون في تفاصيلهم التافهة، ربما يكون أرقاها الحديث عن حرارة الجو ،غلاء الأسعار،المسلسلات و أنواع السيارات..
    و لما نفد ما عنده من الرصاص  دون أن يصل إليهم منه شيء ، بدأ يبصق في وجوههم  بحركة هستيرية ، نفد ما عنده من الريق أيضا، راح يتحسس الأرض .. يبحث كالأعمى عن أي  شيء يرميهم به ،  هذه المرة رأى الرعب في   و وجوههم ،فقال :
ـ لا تخافوا لن أرجمكم بالحجارة لأنني أعلم أنها شقيقة قلوبكم من ثدي  القساوة،أخشى أن تنقلب إليّ ، فالشقيق لا يؤذي شقيقه إلا إذا كان صنع في يعرب.. سيدتي الحجارة تبرئي منهم رسميا بعد أن تيممت بأيدي أطفال فلسطين ، لا تشرفك سيدتي قرابة قلوب تكتري وقت الأزمات شققا في برادات التمر، دعيني أريحك من الإحراج  ،سأرجمهم بقارورات الخمر التي قاءتها طرقاتهم بعدما ضاجعت أحلا م شبانهم..
   و حين بدأت تصلهم  تلك القارورات ، و شرعت  تُدمى رؤوسا ،  وتهوي أخرى ،راحوا يمارسون وظيفتهم الأصلية و هي الفرار، يجرون  مفزوعين فدهسوا بأقدامهم القوية طفلا صغيرا، سقط على رأسه ، تألم المجنون لذلك، حاول الالتحاق بالطفل لإسعافه ، لم يجد إلا ورقة ليمسح بها الدم السائل على رأسه ..ها هو الآن يجري و الورقة في يده ، و الطفل يجري و يبكي مذعورا،  يلاحقه ليداويه لكن الطفل يجري لا يلتفت و لا يريد أن يسمع شيئا .
ـ انتظر يا بني لأمسح دمك ، لا أنوي أن أوذيك ، لست مجنونا كما تعتقد ، أنا دكتور جامعي ..
ـ النجدة ..النجدة ..أدركوني يا ناس .. المجنون يجري خلفي .. بابا ..ماما..
   يكاد أن يمسك به ، و لكن الطفل أسرع بسبب حالة الهلع التي أصابته ،  و مع ذلك تمكن أثناء ملاحقته  من أن يضع الورقة على رأسه لتتلطخ بدمائه ..
   بينما هو يجري مادا يده أمامه خلف رأس الطفل الهارب ، إذا به يسمع صوتا أنثويا يقول له:
ـ صباح الخير ،  حان وقت  الذهاب إلى  الجامعة .
   حركت زوجته كتفه بلطف ،لتخرجه من كابوسه ، ها هو الآن يستيقظ بصعوبة ، و يتفاجؤ  بنفسه و هو يحمل ورقة مملوءة  حاول دون جدوى طيلة ليلة كاملة أن يكتب فيها و لو حرفا  واحدا ، و لكن ها هي الآن مملوءة  بكلام كله شتم     و قذف ، و لكنه في الصميم ، ليس فيها حرف من التجني أو المزايدة .
   ترى هل يجرؤ أن يرسلها إلى رئيس تحرير الجريدة  الذي  يستعجله في إرسال المقال الأسبوعي ؟

ليست هناك تعليقات: