بقلم : عبد القادر صيد
يحمل معه خشبة على
شكل رشاش ، يرش المارة برصاص يخرج من قلبه بأقذع الألفاظ المثبتة في قاموس القاذورات
و حتى المرفوضة من القاموس إبقاء على أدنى
نسبة من الحياء و الالتزام، إلى درجة أن الناس خجلوا أن يصوروه بكاميراتهم، يهيم على وجهه عبر شوارع المدينة ،
و يسلط تسديده أكثر على من يبدو من خلال هندامه و هيئته أنه شخص مهم ، أحدهم يبطئ الخطى ليشنف
أذنيه بهذه المأدبة السخية من الشتائم لأنه
ربما يتمتع و هو يرى نفسه كما ولدته أمه أمام المرآة من غير تكلف أو تحفظ..
عبثا يحاول
أن يجد شخصا يشمئز من هذا الشتم ليغيضه ، عبثا يبحث عن قلب بالمعايير
العالمية العادية ، قلب يخترقه الرصاص ليثبت الرصاص على الأقل ليثبت بذلك ذاتيته ،
من نذالتهم يصرون على حرمانه من فرصة إثبات فاعليته و تأكيد صلاحيته ، من أي بلد
استوردوا هذه الواقيات التي تجمّد الرصاصة بمجرد الاصطدام بها ؟
يمشي
المجنون و رشاشه مفتوح على صدور الناس و عيناه تمشطان شوارع المدينة ، يتفحص المارّة وهم منهمكون
في تفاصيلهم التافهة، ربما يكون أرقاها الحديث عن حرارة الجو ،غلاء الأسعار،المسلسلات
و أنواع السيارات..
و لما نفد ما عنده من الرصاص دون أن يصل إليهم منه شيء ، بدأ يبصق في وجوههم بحركة هستيرية ، نفد ما عنده من الريق أيضا، راح
يتحسس الأرض .. يبحث كالأعمى عن أي شيء يرميهم
به ، هذه المرة رأى الرعب في و وجوههم ،فقال :
ـ لا تخافوا لن
أرجمكم بالحجارة لأنني أعلم أنها شقيقة قلوبكم من ثدي القساوة،أخشى أن تنقلب إليّ ، فالشقيق لا يؤذي
شقيقه إلا إذا كان صنع في يعرب.. سيدتي الحجارة تبرئي منهم رسميا بعد أن تيممت
بأيدي أطفال فلسطين ، لا تشرفك سيدتي قرابة قلوب تكتري وقت الأزمات شققا في برادات
التمر، دعيني أريحك من الإحراج ،سأرجمهم
بقارورات الخمر التي قاءتها طرقاتهم بعدما ضاجعت أحلا م شبانهم..
و حين بدأت تصلهم تلك القارورات ، و شرعت تُدمى رؤوسا ،
وتهوي أخرى ،راحوا يمارسون وظيفتهم الأصلية و هي الفرار، يجرون مفزوعين فدهسوا بأقدامهم القوية طفلا صغيرا، سقط
على رأسه ، تألم المجنون لذلك، حاول الالتحاق بالطفل لإسعافه ، لم يجد إلا ورقة
ليمسح بها الدم السائل على رأسه ..ها هو الآن يجري و الورقة في يده ، و الطفل يجري
و يبكي مذعورا، يلاحقه ليداويه لكن الطفل يجري
لا يلتفت و لا يريد أن يسمع شيئا .
ـ انتظر يا بني
لأمسح دمك ، لا أنوي أن أوذيك ، لست مجنونا كما تعتقد ، أنا دكتور جامعي ..
ـ النجدة ..النجدة
..أدركوني يا ناس .. المجنون يجري خلفي .. بابا ..ماما..
يكاد أن يمسك به ، و لكن الطفل أسرع بسبب حالة
الهلع التي أصابته ، و مع ذلك تمكن أثناء
ملاحقته من أن يضع الورقة على رأسه لتتلطخ
بدمائه ..
بينما
هو يجري مادا يده أمامه خلف رأس الطفل الهارب ، إذا به يسمع صوتا أنثويا يقول له:
ـ صباح الخير ، حان وقت الذهاب إلى الجامعة .
حركت زوجته كتفه بلطف ،لتخرجه من كابوسه ، ها
هو الآن يستيقظ بصعوبة ، و يتفاجؤ بنفسه و
هو يحمل ورقة مملوءة حاول دون جدوى طيلة
ليلة كاملة أن يكتب فيها و لو حرفا واحدا ،
و لكن ها هي الآن مملوءة بكلام كله شتم و قذف ، و لكنه في الصميم ، ليس فيها حرف من
التجني أو المزايدة .
ترى هل يجرؤ أن يرسلها إلى رئيس تحرير الجريدة
الذي
يستعجله في إرسال المقال الأسبوعي ؟
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق