قصص قصيرة جدا
خيري عبدالعزيز عبدالباري أحمد
ضحكة مؤجلة
قهقهة عالية ترجه .. ليس هو مصدرها .. ولم يكن غيره .. بعد طول بحث اكتشف أنها ضحكة حبيسة لزمن قديم.. حررت لتوها من معقلها في نفسه ..
المسار
قرر فجأة أن يحدد إحداثيته .. اكتشف أن المسار علي وشك الانقطاع عند نقطه تلوح وتتراءى في الأفق .. وأنه لم يبرح بعد ذات النقطة التي عاهد نفسه علي أن يغير وجه العالم من عندها..
توهج
الصراع المضني استنزفه .. وفي اللحظة التي سقط فيها استجمع قوته ليتوهج كعود ثقاب يحترق .. مر الآخرون بسلام, وعيونهم تضوي سعادة بالتوهج المفاجئ..
بريق أخاذ
لمعت عيناها ببريق أخاذ وهي ترمقه بعينين كعيني الساحرات وهن يستحضرن شيئا ما.. أخذته سكرة.. وعندما تطلع في نفسه بحثا عن ذاته, وجد خواء, وصفيرا, وسرابا, ولكنه أبدا لم يجدها..
الخطأ القبيح
انفعل كثيرا وهو يوبخ ولده علي خطئه القبيح الذي يصر عليه .. في الحقيقة عندما انصرف الولد وتفكر قليلا لم يكن يدري تماما أكان يصب جام غضبه علي ابنه أم علي نفسه..
جامع الآسي
وجد ضالته في قلب صحراء إفريقيا المقحلة بعدما طاف العالم بكاميراته شرقا وغربا... طفلا أسود ضامر الجسد يحبو رغم سنوات عمره السبع, ومن حوله تترقب الطيور الجارحة...
أزاح منفعلا خصلة من شعره الأصفر الناعم تدلت علي عينيه الزرقاوين, فأظهرت توهجهما بالإثارة, بينما اتخذ بعناية زاوية عبقرية للعدسة أظهرت أدق التفاصيل...
وما لبث زهوا عاتيا أن تفجر داخله وهو يغادر مسرعا ليضم أروع لقطاته لمجموعة الآسي خاصته...
عودة تابوت
بعد غربة ربع قرن... اتصل أحدهم وأنبأنا بوصوله غدا باكرا...
استحضرنا في تلك الليلة خطابه الوحيد من غياهب الماضي في أعماق الذاكرة... فوجئنا أن فئران النسيان قد التهمت كل المحتوي, ولم تترك إلا آلم يقطر من بقايا الكلمات المتآكلة...
وراهنا علي معرفته برغم رتوش السنين...
وحينما قذفت الباخرة بأخر الوجوه من جوفها, وجدنا تابوتا خشبيا يرقد منزويا في سكون, ينطق بجمله وحيدة (الغربة تستنزفني في مهل.. )
فراق
كانت تبدو مضطربة, وقد أرهقها البحث في وجوههم عنه...
تقدم أحدهم ووضع رأسها المشتعل بالشيب علي صدره وقال: أنا هنا يا أمي...
لمعت عيناها بالفرح: محمد... ابني...
قبل رأسها : نعم يا أمي...
دفنت رأسها في صدره, وتسمعت دقات قلبه... وفارقت الحياة...
ربتوا علي كتفه... تمتم: رحمك الله يا صديقي... يا محمد...
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق