قراءة أدبيّة في ( معجم أعلام بسكرة )
للأستاذ
عبد الحليم صيد.
بقلم: عبد الله لالي – الجزائر
إطلالة..
" لا يَكتُبُ
إنسانٌ كتابًا في يومه إلّا قال في غدٍ: لو كان غيرَ هذا، لكان أحسن؛ ولو زيد هذا
لكان يُستحسن؛ ولو قُدِّم هذا لكان أجملَ ولو تُرك هذا، لكان أفضلَ؛ وهذا من أعظم
العِبر، ودليل استيلاء النّقص على جملةِ البشر "
القاضي الفاضل البيساني
سبق وقدّمت هذا الكتاب
الرّائع ( معجم أعلام بسكرة ) للأستاذ عبد الحليم صيد في طبعته الأولى، وقد لقيَ
رواجا كبيرا لدى المثقفين والباحثين والكتّاب، وأثنوا عليه ثناء طيّبا لحسن تأليفه
وإتقانه واختصاره وجمعه لأكبر عدد من أعلام بسكرة، وقد صدرت منه هذا العام ( 2014
م ) الطبعة الثانية أكثرَ إتقانًا وتجويدًا وأحسنَ طباعةَ وإخراجا ولا أحتاج إلى
أن أعرّف به عودا على بدء، ولكن هذه المرّة سأقرأه قراءة مختلفة شيئا ما، فسأتناول
الجانبَ الأدبي في تراجمه وتعاليق المؤلّف عليها.
ولأنّ المؤلّف ذو خلفيّة
أدبيّة متينة؛ فهو شاعر له أشواق شعريّة لطيفة، ويكتب قصائد للأطفال متميّزة، وله
باع في القصّة ويد طولى في المقالة، وصاحب أبحاث في التراجم والتراث لا تخلو من
مسحات أدبيّة، ورونق فنيّ.. لذلك كلّه جاء معجمه مرصّعا بدرر من الأدب وعقود من
جمانه البهي، نَفَتْ عنه جفاء الدّرس العلميّ الصّارم والتعريف المعجمي المقتضب..
ومن أكثر الظواهر التي
تلفت الانتباه فيه هو كثرة استدلاله بالشعر، وسوقه لعيونه في متون تلك التراجم أو
مذيّلة لها، ويكفي أنّ إحدى مقدّمات الكتاب الثلاث التي رصّع به المعجم هي مقدّمة
شعريّة، للأستاذ صالح يعقوب والتي يقول في مطلعها:
أقول لحبّ وضعت كتابا * *
نفيسا جديرا لكلّ خليل
فنعم الأنيس تضمّن
إرثا *
* يخلّد قوما كرام الأصول
ويبدي الزمان جهود الفتى
* * فعبد الحليم مربّي الرّعيل
ونقدّم من تلك الدّرر
مختارات راقتنا ولامست الوجدان منّا، ونعلّق عليها بما يجود به الخاطر أو يعتلج في
الوجدان:
بعد حديثه عن مؤلّفات
الشيخ العلامة عبد الرّحمن الأخضري ذكر الأستاذ عبد الحليم ( مؤلّف المعجم )
أبياتا في مدح الرّسول صلّى الله عليه وسلّم ختم بها ترجمته، يقول فيها:
يزهو بوجه كريم البسط
مبتهجِ *
* بالعفو ملتحف كالبدر منسفر
متوّج برداء العزّ
مكتنف *
* بالحسن متّصف أسنى من القمر
هو النّبي الذي جلّت
محاسنه * * وما لبهجته مثل من الصّور
لا أعلم أحدا على وجه
البسيطة قيل فيه الشعر، مدحا ووصفا لسجياه وأخلاقه وتغنيّا بمحامده مثلما قيل في
رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، والغريب أنّ كلّ من يمدحه يكاد يذوب وجدا وكأنّ
قلبه بين جانحي طائر يحلّق في الجنان، وهذا ما شعرت به وأنا أقرأ أبيات الأخضري،
وكلّ مادح للرسول صلّى الله عليه وسلّم محبوب عند النّاس مكرّم بينهم، فكأنّ
الصّلاة عليه التي تعود على صاحبها بعشر، يتعدّى أثرها إلى الشعر والمدح، فكلّ شعر
يمدح به، يرفع من شأن المادح ببركة الممدوح عليه الصّلاة والسّلام عشر مقامات
سنيّة، وأخشى إن أمعنت أن يصيبني من الوجد ما يصيب الصوفيّة فأطير بلا جناح، وأغني
كالطائر الصّداح هياما في محبّة النّبي عليه أزكى صلوات ربّي وسلامه.
واختيار المؤلّف هذا
النموذج من شعر الأخضري دون سواه، له دلالة ذوقيّة وإشارة معرفيّة تُبِين عن ميل
وهوى وأنعم به من ميل وهوى.. !
ويسوق لنا الأستاذ عبد
الحليم صيد في المديح النّبوي شعرا آخر أقوى سبكا وأكثر طلاوة، عندما يتحدّث عن
ترجمة عبد الله بن عمر البسكري العالم الصوفي الأديب؛ يقول في ذلك الشعر البديع:
دار الحبيب أحقّ أن تهواها
* * وتحنّ طربا إلى ذكراها
وعلى الجفون متى هممت
بزورة * * يا ابن الكرام عليك أن تغشاها
فلأنت أنت إذا حللت بطيبة
* * وظللت ترتع في ظلال ربها
وقد ساق أيضا رأي الشيخ
عبد المجيد حبّة في هذه القصيدة إذ قال عنها:
" عظيمة ذكرت في غير
ما كتاب "
وكأنّ الذي يمتح من المعين
النّبوي لا يقدر إلا أن يقول " زمز.. زمزم "، حتى لا يغرق في بحر
المحبّة الدافق أو يعشي بصره نورها الوهّاج.. وهو رغم ذلك يعاود المتح مرّة بعد
أخرى فلا هو يرتوي ولا عن هواه يرعوي.
وشهادة الشيخ عبد المجيد
حبّة شهادة ( عدل ضابط )، إذ هو شاعر لَسِن وأديبٌ ذوّاقةٌ وقارئ كوني بتعبيرنا
الحديث، لا يكاد يفرغ من كتاب إلا وفي يده آخر قد مضى فيه شوطا بعيدا، ولذلك
يُنَمْذِجُ المؤلّف للشيخ حبّة نفسه في ختام ترجمته على شعره بهذه الأبيات
اللّطيفة الظريفة:
لو عاش أهل النّدى في هذه
الدّار *
* لكان من بينهم حفيد مختاري
من ذكر أفضاله لدى
معارفه * * مثل
اسمه خالد حديث أسماري
لكنّما الموت لا يُبقي على
أحد *
* فلا بقاء لغير الواحد الباري
وفي المعجم نماذج أخرى
كثيرة من عيون الشعر الجزائري البسكريّ، رصّعت الكتاب ترصيعاً، وازدانت به صفحاته
النيّرات مثل كواكب السّماء المتألقة، ويمكن أن نختم الحديث عنها - قبل الانتقال
إلى مبحث آخر – بهذه الأبيّات المدهشة مبنًى ومعنى للفقيه الأديب المولود الزريبي،
يقول فيها بقوّة دافقة وحماسة متأجّجة:
كأنّني بزفرات العشيّ موكل
* * وفي كلّ الكوكب الإفريقي أبدي دواها
إذا دهمتني النّوائب
برهة *
* رفعت له الشّكوى فأمسى مساها
سيخضع أهل السّوء من كلّ
منكب * * فسيف يراعي كم أباد جباها
" فسيف يراعي كم أباد
جباها ".. !! يا له من اعتداد بالنّفس، وقوّةِ
شكيمة تجعل الشّاعر يشبّه يراعه بالسّيف الذي يُزيل الرؤوس والجباه المتغطرسة كبرا
وعنادا.
متنبّي
الجزائر.. عاشور الخنقي
أنا الشّاعر
الفحلُ الغيور ولا وَجَل * * على جَنْب
أهلِ الله ما دام أجل
هو كذلك والله
جرأة وشجاعة وإقداما كبيرا على قول الحقّ ونصرته، وصفه المؤلّف وصفًا دقيقًا
شاملا، رسم به ملامحَ شخصيّتِه النّادرة فقال:
" والشيخ
عاشور مثقّف كبير ومبدع فذّ شغل أهل عصره بأدبه الممتع وشعره الممتاز، وفرض نفسَه
عن طريقِ النّقد اللّاذع والهجاءِ المرّ والطّرفة السّاخرة ".
وكأنّي به
متنبّي
الجزائر اعتدادا بالنّفس وتدفّقا بالشعر وسيفا مصلتا على الخصوم، وشاعريّة فيّاضة
شهد له بها الخصوم قبل الأصدقاء، وقد ساق الأستاذ عبد الحليم صيد في هذا الشّأن
شهادة الشيخ عبد الحميد بن باديس وهو الذي تُكتَب شهادتُه بماء الذّهب وتُدوَّن في
الملأ الأعلى شهادة حقّ وإنصاف، بعد أن قال أنّه أحقّ بلقب أمير شعراء الجزائر من
محمّد العيد آل خليفة:
" لأنّه
يُعتًبر من الشعراء الفحول ولأنّه يحفظ كتاب الأغاني عن ظهر قلب "، وهنا لابدّ
لنا من وقفة تأمليّة دقيقة:
شهادة الشيخ
عبد الحميد بن باديس ليست كشهادة أحد من النّاس، وهو يُعَدُّ له خصما وندّا،
والأندادُ ( حاشا ابنَ باديسَ ) لا يُقرّون لبعضهم بعضٍ عادة بالفضل، ولأنّ عاشورا
الخنقي ألّف منظومة شعريّة كاملة في الرّد على الشيخين ابن باديس والإبراهيمي
بعنوان ( عصا موسى الأشعريّة في الرّد على الطّائفة العبدويّة )، وفي العنوان قسوةٌ
شديدة ونعت مرٌّ لرائد النّهضة الجزائريّة الحديثة وصاحبِه الهَرَمِ الكبير
الإبراهيمي، ولكن لطالما روى لنا التّاريخ مثل هذه الخصومات بين الفضلاء من
العلماء، وأهلِ الأدب وذوي الصّيت والنّفوذ، حتى وإن كانوا جميعا أخيارا .. وأيّ الرّجال
المهذّب.. !
والعنوان في
المنظومة يُبين عن نَفَسِ صاحبه الأدبي العالي، فالعصا عصا موسى مَبطلةُ السّحر،
فكأنّه شبَّه ما جاء به ابنُ باديسَ والإبراهيميُّ من فكر وعقيدة ومنهج إصلاح جديد؛
بالسّحر الخلّب والخداع المموِّه، الذي تبطله عصا موسى أو عصا عاشور الخنقي !
وعندما يكتب
شاعر منظومة في الرّد على فكرة ما وشخصيّة مخالفة؛ وتكون هذه المنظومة فيما يزيد
عن السبعمائة بيتا، فهذا يدلّ على دفق شعري هائل، وقدرة على الإبداع لا حدودَ لها
ورجل بمثل هذه الزخارة ويجرؤ على منجازة العَلَمَين الكبيرين اللَّذين لا يكاد
يوجد لهما نظيرا في تلك الفترة، فهذا يعني أنّ الرّجل أديبٌ كبير وشاعر فحل بحقّ،
وإنْ آلمنا اختلافه معهما ونقده لهما.. !
وجاء في ترجمة
الأستاذ الباحث عبد الحليم صيد لعاشور الخنقي أنّ له شعرا ساخرا ولاذعا، يسلّطه
على خصومه فيسلقهم سلقا ويشوي جلودهم شيّا، وربّما أقذع في شعره وتجاوز حدّ النّقد
وذلك مؤدّى العَنَت في الخصومة غالبا.
وساق لنا
المؤلّف أنموذجا من ذلك الشعر السّاخر اللاذع الرّائع ( فنيّا وأدبيّا ) لم يتجاوز
الشطرين ونصفا، وودننا لو ساق لنا منه أكثر، وربّما هو رأى أنّ ذلك لا يتناسب مع
منهج ( المعجم ) الذي رسمه لنا في البداية وأعلن أنّه سيلتزمه، رغم أنّه ربّما
تجاوزه شيئا يسيرا عند وقوفه على بعض التراجم، ممن طارت شهرة أصحابها في الآفاق،
ومنها عاشور الخنقي نفسه الذي جاءت ترجمته في أربع صفحات تقريبا، ولا بأس أن نثبت
تلك الأبيات هنا، لنزيد الصورة توضيحا، عن هذا العلم الأشمّ والأديب العملاق:
هذه غرّة وبل
صابح * * شرح بيتين لكلب نابح
ضمن تخميسات
فرد سابح * * بعد تشطيرات جمع ضابح
من علوم الحقّ
في أي ظما
ويظهر قلم
الأديب ويراع الكاتب المبدع ( المؤلّف ) فلا يكتفي بالترجمة ويميل إلى التعليق على
هذه القصيدة ( التخميسيّة ) فيقول:
" وما
يمكن تسجيله عن هذه التخميسات العاشوريّة أنّها انتقادات لاذعة وهجاء مرّ، لكنّها
جاءت في قالب فنّي جميل وبأسلوب قويّ سلس، يتضمّن صورا فنّية بليغة قلما نجد لها
مثيلا في أدب الجزائر في تلك الفترة "
وما يلفت
الانتباه أيضا أنّ الأستاذ عبد الحليم لم يكتفِ بالتمثيل لشعر عاشور الخنقي
بأنموذج واحد، بل ساق من شعره أربعة أمثلة.
وذكر أيضا أنّ
له ديوانا شعريّا ضخما ما يزال مخطوطا، فهلّا مِن يدٍ خيّرة أو رجل محبّ للأدب
والشعر يخرجه لنا في حلّة أنيقة وشكل يخلب الألباب.
وقد كتب
الأستاذ عبد الحليم صيد دراسة أدبيّة ضافية حول كتاب ( منار الإشراف ) لعاشور
الخنقي نشرها في مجلّة أصوات الشمال تحت عنوان (عبقرية
عاشور الخنقي الأدبية من خلال كتابه" منار الإشراف ).
الهادي
السنوسي و( شعراء الجزائر في العصر الحاضر ):
ترجم المؤلّف
لعدد كبير من أدباء الزيبان ( بسكرة ) وخصّ بعضا منهم بشيء من الإسهاب الضروري،
لما حفلت به حياتهم من أحداث جسام أو مواقف عظام، وبعضهم ترك نتاجا أدبيّا معتبرا
وكان له مشاركة واسعة في الكتابة والتأليف وبعث الحياة الأدبيّة والثقافيّة في
الجزائر، وخلال ذلك بثّ آراءه وأفكاره الخاصّة خلال طيّات تلك الصّفحات.
ومن أولئك
الأعلام والمنارات العالية ذكَرَ الأستاذ الباحث عبد الحليم صيد محمّدا العيد آل
خليفة، وزهيرا الزّاهري وعمر البرناوي وصديقَنا المرحوم بدر الدّين بريبش؛ الذي
اختاره الله إليه وهو ما يزال في رعيان الشباب وعنفوانه.
ومن بين
الأدباء والكتّاب الكبار الذين ذكرهم وخصّ حياتهم بشيء من البسط والتحليل:
محمّد الهادي
السنوسي الزّاهري:
وهو من
الأدباء الأفذاذ درس على الشيخ عبد الحميد بن باديس سبع سنوات، كما ذكر المؤلّف،
ووصفه بقوله:
" أديب
كاتب شاعر خطيب مؤلّف مدرّس.. " وقلّما تجتمع مثل هذه الأوصاف في شخص واحد، فلذلك
كان ( نسيج وحده ).
وفوق أنّ السنوسي
شاعرٌ فقد تفرّد بعمل هام للغاية وهو تأليفه لكتاب ( شعراء الجزائر في العصر
الحاضر ) وقد طبعه عام 1926 م
بتونس وهي سنة مبكرة جدّا في طبع الكتب في تلك الفترة، ويعدّ عملا جبّارا ربّما لم
يسبق إليه في نهجه وأسلوبه، بحيث ترجم لعدّة شعراء جزائريين كان له الفضل في تخليد
ذكرهم، وحفظ نماذج من شعرهم، ومن اللّطائف أنّه ترجم لنفسه معهم فصار كتابه ذلك من
أهم مراجع تلك المرحلة في التّعرف على الشعر الجزائري وتتبع مراحل نموّه وتطوّره
في العصر الحديث.
والذي يهمّنا
نحن هنا أكثر هو تعليقات المؤلّف على حياة الهادي السنوسي، وإبداء رأيه في منجيّة
تأليفه لكتاب ( شعراء الجزائر في العصر الحاضر )، مما يشير مرّة أخرى إلى ميول
الباحث عبد الحليم صيد الأدبيّة وتذوّقه لفنونه مع المشاركة فيه بنصيب وافر، فقد
قال المؤلّف:
" إنّ
كتاب شعراء الجزائر في العصر الحاضر " من الأهميّة بمكان، لأنّه حفظ لنا قصائد
واحد وعشرين شاعرا في ديوان واحد بسط تراجم حياتهم.
بيد أنّ هذه
الأهميّة البالغة لا تمنعنا من القول بأنّه لم يستوعب جميع شعراء عصره، بل لعلّه
لم يصل إلى نصف عددهم، خاصّة إذا عرفنا أنّه في آخر الجزء الثّاني قد أعلن عن
استعداده لطبع الجزء الثالث"
وبعد ذلك يأخذ
عليه المؤّلف أنّه ضيّق على نفسه عندما اشترط أن لا يثبت في كتابه ما كان رثاء أو
مدحا أو هجاء من الشعر، وبذلك يكون قد ضيّق واسعا، ويقول الأستاذ عبد الحليم إنّ
الهادي السنوسي في كتابه ذلك – ورغم شرطه ذاك – خالفه مرّتين، الأولى عندما نشر
لأمير شعراء الجزائر محمّد العيد آل خليفة قصيدة في الرّثاء، ونشر للطيّب العقبي
مرثيّة أخرى في محمّد المكّي بن عزوز.
وإذا نظرنا
إلى هذا النّقد من النّاحية العلميّة، فإنّنا نجده نقدا متعلقّا بمنهجيّة الكتاب
وشرط التأليف فيه، وهذا ليس له كبير علاقة بالأدب أكثر ممّا له علاقة بالمنهج
العلمي، لكن الذي يهمنّا فيه هنا هو موضوع الكتاب نفسه الذي جذب المؤلّف؛ صاحب (
معجم أعلام بسكرة ) ما دفعه إلى الحديث عنه بإسهاب وتناوله بالدّرس والتحليل، كما
لفت الانتباه إلى شاعر معروف في تلك الفترة ولم يتضمّن الكتاب ترجمة له وهو عاشور
بن محمّد الخنقي وغيره من الشعراء أيضا.
ولا يكون ذلك
إلا ممن يمزج الأدب بالتّاريخ ويلقي على موضوع التّاريخ غلالة شفيفة من الأدب،
تذهب عنه بعض الجفاء الذي قد يلقاه القارئ في تراجمه وأعلامه. إذ أنّ الحديث عن
منطقة معيّنة أو بيئة مشتركة وأعلامها يجعل حياتهم ( المولد والنشأة والتحصيل
العلمي والنّشاط الميداني ) يكون نوعا من الصّور المتاشبهة التي يصعب التمييز
بينها، إلا إذا كان العَلَم المترجَم له واحدا من الآحاد المشار إليهم بالبنان،
والمتألّقين في سماء الزمان.. !
والأمر الآخر الذي فيه ملمح أدبيّ طريف بل مميّز غاية التمييز؛ هو احتفاء
أهل العلم والفكر بصدور كتاب ( شعراء الجزائر في العصر الحاضر )، وإقامتهم حفلا
عظيما بالمناسبة في مسجد بكّار ، وهو من أشهر المساجد في المدينة. وحضر الحفل
طائفة كبيرة من الأدباء والكتّاب والشعراء، وفي ذلك مؤشر واضح على النّشاط الأدبي
والفكري في تلك الحقبة..
والمتتبّع لمعجم أعلام بسكرة المتصفّح حياة المترجم لهم؛ لا يعدم فكرة
أدبيّة طريفة أو أبياتا شعريّة من عيون الشعر الجزائري تزيّن تلك التراجم أو تُذَيّل
بها، وإنّما يدلّ ذلك كما قلنا مرّات عدّة على نزعة صاحبه الأدبيّة وأسلوبه الفنيّ
في الكتابة والتأليف، وقد صار مرجعا هاما لا يستغى عنه ولا يتعدّى إلى سواه في
البحث التّاريخي المتعلّق بأعلام منطقة الزيبان.
ونختم هذه القراءة بأبيات للأستاذ صالح يعقوب في تقريظ الكتاب وصاحبه
الأستاذ الباحث عبد الحليم صيد:
شموس أضاءت دروب الحياة * * وأثمرت
عقولا بقول جميل
شيوخ بنوا صرح مجد البلاد * * هم
الأتقياء كظلّ ظليل
وبحثك ريّ ليقظ الضمير * * ومرآة قلب زكا بالقبول
ونقول على طريق السّابقين: أ.هـ