2014/12/17

"السلالم" قصة قصيرة بقلم: سمر طاهر



السلالم
سمر طاهر

تدخل مها إلى المبنى الحكومي العتيق ، ما أن تخطو داخله حتى تشعر بالإعياء يحيط بها من كل جانب، الأعياء الذي بداخلها يتناسق مع الألوان الكالحة التي تخيم على المكان..والإعياء البادي على السلالم التي تخطو فوقها وتشعر بها تهتز تحت قدميها ... هي تريد الإسراع وتشفق على درجات السلم من خطواتها.. ألوان الموظفين واحدة .. تشعر أن وجهوهم وملابسهم بنفس لون الحائط ورطوبته ..ربما بلا لون. إحساس ثقيل يخيم على الوجوه والمكان.
تجتاز البوابة الثانية للمبنى وتبحث عن بطاقة إثبات الشخصية في حقيبتها المكتظة  لتظهرها لرجل الأمن تنظر له بنفاذ صبر : "مها حسني .. في الحسابات..الدور السابع وبقالي هنا اربع سنين مش محتاجة يعني اطلع كارنيه".. تجدها أخيرا وتزفر في ضيق ويتبعها رجل الأمن هامسا باللعنات
 ..نبضات قلبها تتسارع، يزداد توترها ، ما كل هذه الإجراءات؟ .... هل تعمل بمكان مهم لهذه الدرجة؟ تبتسم في سخرية مريرة.. هل حقا أضاعت من عمرها كل هذه السنوات... هنا؟
تصطدم عيناها بساعة الحائط فوق المصعد البعيد .. تمام العاشرة صباحاً.. تحبط بشدة وتكاد تبكي لرؤيتها، لكنها معتادة على ذلك كل يوم، فلماذا المفاجأة؟
تهرول حتى تلحق بمصعد الأدوار الفردية وعيناها على الساعة ..طابور طويل لا يقل عن 12 موظف أمامها.. والمصعد لا يأتي وصيحات الحنق تتصاعد من الطابور..
تشعر بالارتياح رغم كل شيئ ..دقيقتان وتصل للمكتب، سيمر الأمر بلا مشاكل ..تتنهد..تحاول تهدئة نفسها..يتأخر المصعد. تلمحها.. إنها مدام فاطمة... مديرتها ...أمامها في الطابور.. يفصلهما خمسة موظفين ..ينبض قلبها بالخوف من جديد وتنكمش لتختفي داخل المعطف..
تتلفت حولها  ، تنظر لحذائها العالي، تنظر لمدام فاطمة بطرف عينها، تشعر بالكراهية والخوف تجاه كل شيئ ..  تنظر للمصعد.. مازال متأخرا.. تتخذ قرارها وتنطلق كالسهم نحو السلم وتخلع حذائها عند أول درجاته.. تجري ودقات قلبها تتزايد.
تصل للمكتب بعد دقائق كاد قلبها يتوقف فيها..تجلس بعد أن تلقي تحية غير مفهومة لزميلها وتنظر للاوراق.
بعد دقيقة تدخل فاطمة : " آسفه على التأخير يا جماعة.. المبنى النهارده فظيع.. والا الشوارع.. لعنة..انتوا وصلتوا بدري ازاي ؟"
يبتسم الزميل في زهو.. وينظر لمها باستخفاف..
 تحاول مها ان تستجمع نفسها..... تنظر لفاطمة بابتسامة تتأرجح بين الشجاعة والاستعطاف :
" أنا لسه داخلة من دقيقة  يا مدام فاطمة....".


ليست هناك تعليقات: