بقلم: عبد القادر كعبان
لا تزال كتابات الأديبة الجزائرية آسيا جبار مقروءة في
الجزائر و العالم بشكل عام لما قدمته من إسهامات أدبية أكسبت المرأة العربية عموما
و الجزائرية بشكل خاص مكانة إجتماعية مرموقة يعترف لها الجميع بمواهبها و تميزها
في شتى المجالات. لقد انطلقت فاطمة الزهراء إيمالاين (الاسم الحقيقي لآسيا جبار)
عبر مجمل قصصها و رواياتها من خصوصيات المرأة الطموحة التي تريد فتح آفاق واسعة
للتغيير داخل الأسرة و خارجها سعيا منها لتقديم خدمات جليلة للمجتمع الإنساني.
تستوقفنا مجموعتها القصصية المكتوبة باللغة الفرنسية
الموسومة "نساء الجزائر في شقتهن" (1980) من أول لمسة لغلافها الخارجي
لنجد أنفسنا نغوص في بحر من الصمت الذي يأخذنا بدوره بين ثنايا الفن التشكيلي
الغربي الذي يعكس في منطلقه أفكارا و جماليات تذهل الملاحظ، ثم يعود و يستوقفنا
العنوان بدوره ليذكرنا بلوحة الفنان أوجين دو لاكروا التي تحمل نفس العنوان التي
رسمها عام 1834 و التي اعتبرها أهل الإختصاص تمهيدا استشراقيا غاية في التشويق لما
سيكون خلال الفترة الإستعمارية في الجزائر.
هذه الإستعارة الفنية للوحة دو لاكروا يمكن اعتبارها
مصدر إلهام للقاصة آسيا جبار خصوصا أنها توقفت لفترة زمنية عن الكتابة بعدما أنتجت
فيلما بعنوان "نوبة نساء جبل شنوة" (1979) أين تحضر بقوة مكانة المرأة
في النضال الثوري من خلال عودة البطلة "ليلى" المثقفة من طبقة الأغنياء
الى أرض الوطن بعدما عاشت حرب الجزائر في أرض الغربة. تتمرد بطلة الفيلم
"ليلى" على الصمت لتقول للجميع أن حب الوطن من كلام وهذا من خلال
احتكاكها بجملة من نساء الريف لترسم من خلال تلك اللقاءات الحكاية الحقيقية للمرأة
الجزائرية، و كأننا بصدد مشاهدة فيلم وثائقي لا يخلو من السرد الروائي بإمتياز.
مازجت القاصة آسيا جبار بين الرسم و الكتابة في هذه المجموعة القصصية و هذا ما لا يمكن أن
يكون من باب الصدفة لصاحبة رواية "العطش" (1953)، أين فضلت تحرير المرأة
الجزائرية على عكس ما فعله دو لاكروا في لوحته أين تظهر النساء الجزائريات حبيسات
و خاضعات للسلطة الذكورية، و هي بشكل آخر نفس الفكرة الكولونيالية التي سعت الى
سياسية التدجين و طمس الهوية الوطنية الغير الخاضعة في نظرها لمنطلق الاندراج داخل
المقترح الغربي للحضارة.
تنقسم قصص "نساء الجزائر في شقتهن" الى جزئين:
جزء يكسر صمت "الأمس" و جزء يقاوم بوح "اليوم" ضمن ست قصص
تعكس تعطش المرأة الجزائرية الى التحرر بشكل آخر من قيود المستعمر الفرنسي. ما لا
يفهمه القارئ عند قراءته لإفتتاحية المجموعة هو حياد آسيا جبار المفتعل للدفاع عن
تلك المرأة المتحررة المسلمة بل سيشهد بتأنيب القاصة لها من خلال تلك السطور.
كما يستوقفنا حديث القاصة عن اشكالية العباءة التقليدية
و ارتداءها من قبل المرأة. حول هذه المسألة، تتطرق جبار الى الصعوبات التي عرفتها
النساء العربيات خصوصا من تلمسن العذر في عدم ارتداء العباءة بحكم "الحرية
الشخصية" مع المشي الإعتيادي في الشوارع متبرجات هذا ما جعل منهن سيرة على
لسان الرجال في كل مكان بحكم ذنب اقترفنه على حد تعبير هؤلاء: "خرجت السجينة
لتجعل من نفسها امرأة معروضة"، على حد تعبير القاصة آسيا جبار.
في الأخير، ما تحاول أن تعكسه هذه المجموعة القصصية عموما
قد يقوله الفنان التشكيلي بدوره أيضا و هذا الأنموذج وصفته الأديبة آسيا جبار
بفضاء حلم النساء الجزائريات يحضر في كل مكان و زمان، و هذا ما يمكن قد عكسه دو
لاكروا هو الآخر من خلال ذلك الضوء المحير على وجوه النساء في لوحته الشهيرة، و
كأن بالقاصة تستقرئ رمزية " لوحة نساء دو لاكروا" من أجل الحديث عن قضية
حرية المرأة العربية بتكنيك السرد القصصي.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق