2014/12/17

الفارس فاسيلي كاندينسكي أحد عمالقة الأتجاه الثوري في الفن التشكيلي رؤية للدكتورة: سوسن أمين


الفارس فاسيلي كاندينسكي أحد عمالقة الأتجاه الثوري في الفن التشكيلي
 رؤية للدكتورة: سوسن أمين 
 الفنان الروسي المولد فاسيلي كاندينسكي (16 ديسمبر 1866 - 13 ديسمبر 1944) هو أحد أشهر فناني القرن العشرين في مجال الفن التجريدي والذي كان له الدور الأكبر في التمهيد لظهور المذهب التعبيري – التجريدي وأحد أهم الرواد الأوائل للمبدأ اللاتصويري أو اللاتمثيلي، وبعبارة أخرى، مبدأ "التجريدية الصافية ". فالتجريد هو عملية اختزال وتهذيب في الشكل للوصول إلى الجوهر ،ومغايرة المدركات الحسية والمادية للعالم الخارجي وبالتالي عدم النقل الحرفي لحيثيات هذا العالم المرئي بحزافره . ولا تهتم المدرسة التجريدية بالأشكال الساكنة فقط، ولكن أيضاً بالأشكال المتحركة حيث تظهر الظلال كمساحات متكررة داكنة تحصر بينها فراغات ضوئية باهتة . ، كل شيء يبدأ من نقطة صغيرة كما قال كاندينسكي . أحب كاندينسكي الجمال المثالي في صورة أمه فائقة الجمال والأناقة وفي مدينته موسكو القيصرية التي عاد إليها والده قبل مولده بخمس سنوات بعد نفي دام له ولأسرته لعقود طويله في سيبيريا بعد مرسوم العفو الإمبراطوري الذي أصدره القيصر الروسي ألكسندر الثاني سنه 1861 . شكلت موسكو في وجدانه مصدر الوحي والالهام ،وقلب الأم العطوف الكبير الحاضن لكل الأحلام والأمال ، والبيت الكبير مصدر الدفئ والأمان .. ولكنه اضطر إلى الانتقال للعيش في أوديسا سنة 1871 بعيدا عن مدينته الحبيبة وعن حبه الكبير مع والده الذي بدأ يشتد عليه المرض والذي عمل بها كمديرا لأحد مصانع الشاي ،ولكنه ظل محتفظا ببعض من ذكريات الطفولة المبكرة فيها. تربى كاندينسكي في كنف خالته بعد أنفصال والديه بعد زواج لم يدم طويلا وهي التي علمته اللغة الألمانية بجانب اللغة الروسية من خلال سرد القصص والأساطير المثيرة للأحلام ، المحفزة للخيال التي حركت في وجدانه حب الفن وخيال الفنان والتي حفظها في ذاكرته عن شخوص مجردة من التفاصيل الدقيقة لتعبر عن ذاتها الأسطورية المبهرة لمن هم في مثل عمره. في حوالي الثلاثين من عمره قرر كاندينسكي الأتجاه إلى دراسة الفنون التشكيلية وأن يكون رساما بالرغم من إنتهائه من دراسة الحقوق والتقائه بآنية تشمياكين، التي كانت تدرس في نفس الجامعة، وزواجه منها وحصوله على وظيفة باحدى الشركات الكبرى وذلك بعد تأثره البالغ بإحدى لوحات الفنان كلود مونيه من كبار مؤسسي المدرسة التعبيرية "كومة القش"، ولإستماعه إلى أعمال الموسيقي الألماني الكبير فاجنر التي قال عنها "إن موسيقى فاغنر اجتاحتني اجتياحا عفويا، كان من العمق بحيث استطعت من خلالها أن أرى كل الألوان المحببة إلى قلبي بعيون روحي الهائمة في أرجاء المكان، وأن أبصر خطوطها المتوحشة التي أوصلتني إلى حافة الجنون، من خلال حركتها وقدرتها على رسم عدد من اللوحات أمام ناظري .،ذلك مما رسخ في وجدانه إيمانا عميقا بالعلاقة الحميمة ما بين نغمات الموسيقى والتشكيل اللوني .، فهو القائل " الالوان هي لوحة المفاتيح والعيون ما هي الا نغمات , والروح هي البيانو الخاص بنا ، أما الفنان فهي اليد التي تلمس المفتاح لتسبب الاهتزاز في اعماق الروح" ،و" الألوان هي القوة الوحيدة التي يمكنها التأثير مباشرة على الروح". فاللوحة التجريدية في أعمال كاندنسكي تمثل تجريديا غنائيا تقوم على أساس من تكوين جمالي ذي بناء داخلي يتسم بتماسك أجزائه بوحدة نسيجية لا تنفصل عن دلالاتها النفسية والروحية فتقترب بهذا من الإيقاعات الموسيقية فتكون بذلك أقرب إلى عالم الموسيقى منها إلى عالم الفن التشكيلي وتمتاز هذه بأرتفاع العاطفه والروحانية الجياشة في جنباتها المرئية للمتلقي . هاجر كاندينسكي إلى ألمانيا سنة 1896 ليستقر في ميونخ التي درس بها في مدرسة مالينكس للفنون وكان من تلامذيه في ذلك الوقت، غابرييل مونتز والذي أصبح رفيق درب له في الفن سنوات طويلة ، ثم عاد إلى محبوبته موسكو بداية الحرب العالمية الأولى عام 1914 . وفي ميونخ بدأ كاندينسكي على تبسيط الأشياء فرسم بواسطة "طباعة الخشب" الكثير من الأعمال الغرافيكية مثل لوحة "المغنية" 1903 ذات الخطوط الطولية العمودية التي تشابهت وأسطر النوتة الموسيقية في توازيها وأستقامتها ،وذلك على الرغم من المدرسة الكلاسيكية التي كانت تهيمن على المسار الفني في ذلك الوقت .. فكان المتقدم بافكاره والجريء باعماله الثائر بفنه ووجدانه على كل ما هو رتيب وتقليدي. حدد كاندينسكي مفهومه عن الفن الحديث بقوله "إن أعظم تزوير للحقيقة هو الاعتقاد بأن الفنون التشكيلية تقليد دقيق لما تحتويه الطبيعة". ،و بدأ رحلة فنية إلى إيطاليا، هولندا، شمال أفريقيا، ثم عاد إلى روسيا في زيارة قصيرة وبعدها اقام معرضا لاعماله في " صالون الخريف " بفرنسا عام 1904 . وﻛﺎن ( ﻛﺎﻧدﻧﺳﻛﻲ ) راﺋدا ﻓﻲ ﻫذا اﻟﻣﺟﺎﻝ إذ ﻣﻧﺢ اﻟﻠون ﻣزﻳدا ﻣن اﻟﺣرﻳـﺔ واﻟدﻻﻟـﺔ . ﻓﻠـم ﻳﻌـــد اﻟﻣﻌﻧـــﻰ ﻟـــﺻﻳﻘﺎ ﺑﺎﻟـــﺻﺑﻐﺔ اﻟﻠوﻧﻳـــﺔ ﺑـــﻝ ﺑـــﺷﻌرﻳﺔ اﺳـــﺗﺧداﻣﻪ داﺧـــﻝ اﻟﻠوﺣـــﺔ ، ﻣﺛﻳـــراﻣﺗﻌــﺔ ﺗﺧــﺿﻊ إي ﻣﻌﺎﻟﺟــﺎت ﻟوﻧﻳــﺔ ﻣﺗﻔــردة ،لحالة شعرية بصرية، وأﺻﺑﺢ اﻟﻠون ﻓﻲ ﻟوﺣﺎت ( ﻛﺎﻧدﻧـﺳﻛﻲ ) وﺳـﻳﻠﺔ ﻟﺧﻠـق اﻧزﻳﺎﺣـﺎت ﻓﻛرﻳـﺔ ﻗﺑـﻝ أن ﺗﻛـون ﺟﻣﺎﻟﻳـﺔ وذﻟك مع تجانسه ﻣـﻊ ﻣدﻟوﻟـﻪ اﻟﻣـﺎدي أو اﻻرﺗﺑـﺎطﻲ وزﺟـﻪ ﻓـﻲ ﺗﺟﻧـﻳس ﻓﻧـﻲ ﺟدﻳـد ﺷــﻌري اﻟطـﺎﺑﻊ واﻟدﻻﻟــﺔ. وعلى هذا فإن ﺷــﻌرﻳﺔ اﻟﻠــون ﻓــﻲ ﻟوﺣــﺎت ﻛﺎﻧدﻧﺳﻛﻲ ﻻ ﺗﻧﺗﻣﻲ إﻟﻰ ﻋﺎﻟم اﻟﻠـون ﻓﺣـﺳب واﻧﻣـﺎ إﻟـﻰ ﻣﺟﻣوﻋـﺔ ﻣﻔـﺎﻫﻳم تحليلية وﻣﻌرﻓﻳـﺔ تدعم ﺑﺎﻻرﺗﻛــﺎزعلى ﻧــوع ﻣــن اﻻﺳــﺗﻌﺎرة واﻟﻣﺟــﺎزات ذات اﻟدﻻﻟــة. بعد ذلك انتخب كاندينسكي في 1909 رئيسا لمجموعة ميونيخ الحديثة التي عملت على التغير والتطور في طبيعة الرسم . ،وأسس كاندينسكي في 1911 وصديقه فرانتس مارك حركة تشكيلية جديدة بأسم جماعة "الفارس الأزرق " لاستخدامهما اللون الأزرق في أعمالهما، إضافة إلى حب مارك لرسم الخيول وحب كاندينسكي لرسم الفرسان ولهذا اطلق عليه اصحابه لقب "الفارس" كما أطلقوا عليه لقب "أمير الروح" لأنه نجح في بث الروح في مربعاته ومستطيلاته ودوائره وخطوطه المستقيمة أو المنحنية، بإعطائها لوناً معيناً وترتيبها وفق نظام معين ويبدو هذا واضحاً في لوحته "تكوين" التي رسمها عام 1914 . فهو القائل "على الفنان أن يدرب روحه أيضا وليس عيناه فقط" أستطاع كاندينسكي التفريق بين ثلاثة مصادر أساسية للإلهام الفني وهي أولا : الإنطباع المباشر بالطبيعة الخارجية ويسمى هذا باسم ( انطباع). ثانيا: اللاشعور أو التعبير الغريزي أو العالم اللامادي ويسمى ( ارتجال). ثالثا: التعبير عن مشاعر ذاتية بطيئة وشكلية و يسمى ( التكوين ). وقال كاندينسكي نحن نهتم بالدعوة إلى شكل معين أو نظام محدد، وهدفنا أن نيسر، من خلال استعراض الأشكال المتنوعة، التعبير عن الرغبات الباطنة التي يستشعرها كل فنان بالطريقة التي ترضيه، سواء كانت هذه الطريقة تعبيرية أو تكعيبية أو محاولات تجريدية . فالتجريدية في نظر كاندينسكي هي صوفية الفن .. يسعى إلى البحث عن جوهر الأشياء والتعبير عنها في أشكال موجزة تحمل في داخلها الخبرات الفنية، التي أثارت وجدان الفنان .. تلك التي تهدف الى ما وراء الطبيعة عن طريق الرمز للوصول الى المطلق .. لذا كان التجريد يتطلب تعرية الطبيعة من كل مفرداتها الحيوية كي تكشف عن اسرارها الكامنة فيما وراء الطبيعة .. وسواء كان تجريدا كاملا او نصفيا فإنه يوحي بمضمون الفكرة التي يقوم عليها العمل الفني . فالفن التجريدي اشكال ترى ولا تمثل الطبيعة ، ولكن تنظيم هذه الاشكال هو الذي يوحي بالمعاني والاحاسيس الكثيرة. وكان الشعور يلعب دورا هاما عند كادينسكي أكثر من التجميع والتكوين في اللوحة، لكنه بعد عام 1921 لم يعد يؤمن بوجود صلة حتمية بين العمل الفني والشعور واصبح الرسم عنده في المرحلة الأخيرة عبارةعن لغة معبرة عالمية كالرياضيات يعبر بها الإنسان بمقدار ما يملك من إمكانيات تقنية . هكذا اتسمت أعمال كاندينسكي بالتجريد الذي أصبح الصيغة المثلى للتعبير عن علاقة الفنان بالمحيط الذي يعيش فيه، فأنطلقت هذه الفورة الثورية الجامحة لتشكل لوحاته ولتعبر بصورة جلية عن علاقة الإنسان بالطبيعة المحيطة به من كل الزوايا . انضم كاندينسكي عام 1921 في ألمانيا إلى مدرسة باوهاوس الفنية والمعمارية لحين إغلاقها من قبل النازيين عام 1933، فانتقل بعدها إلى فرنسا ليعيش فيها بقية حياته بعد أن أصبح مواطنا فرنسيا في 1939 وتوفي بها عام 1944 .

ليست هناك تعليقات: