بقلم:د.محمد سيف الإسلام بوفـلاقـة
جامعة الشهيد باجي مختار بعنابة-الجزائر
ما يربو عن أربعين سنة مضت على مسيرة الرواية
الإماراتية، وفي هذه المرحلة ،قطعت أشواطاً عديدة ،وبلغت جملة من التطورات،
واستطاعت«أن تتجاوز محاولاتها الأولى، وأن تضم إليها عدداً من
الكتاب الشباب،الذين جددوا في اتجاهاتها وطوروا من أساليبها ولغتها وأبنيتها
السردية لتصبح جزءاً من مسيرة الرواية العربية، وتغدو نماذجها المتقدمة في مصاف
أفضل النماذج العربية،مع سعي واضح إلى احتفاظ هذا الفن بخصوصيته المحلية، وهويته
المستندة إلى واقع بيئته...فعلى مدى ثلاثة عقود من الزمن نجد الشكل الفني للرواية
قد قطع أشواطاً مديدة،فإذا كان راشد عبد الله قد اعتمد شكلاً سردياً بسيطاً يتسم
بالحكائية،فإن الكتاب اللاحقين قد سعوا وعلى نحو سريع ومتسرع إلى تبني الأشكال
الفنية المتطورة كما جاء في روايات (علي أبو الريش) المتأخرة«نافذة الجنون»ثنائية
مجبل بن شهوان وسلايم وثاني السويدي«الديزل»،ومنصور عبد الرحمن«ابن مولاي السلطان»،وكريم
معتوق«حدث في اسطنبول».لقد تأثر الكتاب الإماراتيون الجدد، والمخضرمون منهم بالأشكال
الفنية الحديثة مجارين بذلك النقلات السريعة الجارية على مستوى التطوير العمراني
والمؤسساتي في وطنهم الإمارات، وبالتالي جاءت التجارب الروائية اللاحقة على
الروايات الأولى التي صدرت في الإمارات لتتبنى أنماطاً حادثة، وعلى نحو مجاف
لطبيعة التطور الفكري والاجتماعي ومستوى الخطاب الثقافي ذاته»(1).
وبالرغم من العدد الذي يمكن وصفه بأنه لا بأس
به من الدراسات النقدية التي تناولت ورصدت التجربة الروائية في الإمارات،إلا أنها –وفي
نظرنا على الأقل-ما تزال بحاجة إلى دراسات أخرى أعمق و أرصن وأوسع، تميط اللثام عن
جوانب أخرى، وتكشف عن خبايا لم يسبق أن دُرست من قبل، ولا يختلف اثنان في أن
السؤال الذي يطرح نفسه وينتصب،وتقتضي الإجابة عنه وفقاً لرؤية علمية أكاديمية،تهتم
بالجانب الكمي والموضوعي والمنهجي،هو: الرواية الإماراتية والدراسات النقدية،من
أين؟ وإلى أين..؟
ويندرج كتاب الأستاذ عزت عمر الصادر عن دائرة
الثقافة والإعلام بحكومة الشارقة، والذي لا أحسب أي مهتم ودارس للرواية الإماراتية
قادراً على الاستغناء عنه، في إطار الدراسات النقدية التي تعمقت في الجانب السردي
للرواية الإماراتية،وركزت على توجهات خطابها السردي من خلال مجموعة من القراءات
التحليلية،ويركز الكتاب اهتمامه بالدرجة الأولى على الرواية الإماراتية،ولكن هذا
الأمر لا يمنعه من الانزياح إلى سواها من الروايات العربية،فنلفي دراسات عن أعمال
ليوسف القعيد، و إلياس الخوري، وليلى الجهني، وأحمد أبي دهمان وغيرهم.
وقبل الولوج إلى قراءات وتحاليل هذا الكتاب،
نشير إلى أن الأستاذ عزت عمر، أديب وناقد سوري،صدر له العديد من الأعمال الإبداعية
والنقدية،وهو عضو من أعضاء اتحاد كتاب وأدباء الإمارات، ومن بين أعماله نذكر:«قفص
يبحث عن عصافير»،«مرايا البحر»،«نائم فوق الغيمة»،«أجنحة الفراشات» وغيرها، كما يجدر
بنا بادئ ذي بدء تجلية و إلقاء الضياء،على بعض المصطلحات التي حواها عنوان الكتاب،
وهي:(الخطاب، والسرد، والرواية) .
إن
الخطاب بمفهومه العام والسطحي يتماهى مع مفهوم الرسالة،إذ يُمكن أن نعرفه على أنه
نصُ مكتوب يُنقل من مرسل إلى مرسل إليه يتضمن فائدة معينة، ويحقق غرضاً يرمي إليه
المرسل،أو هو«نص يكتبه كاتبه إلى شخص آخر...ويتضمن الخطاب أخباراً تعني الطرفين.
وكانت الخطابات في البدء موجزة،ثم أسهب بها الكتاب حتى غدت فناً قائماً
بذاته،يعتني به كاتبه. وقد يكتب المرء خطابه شعراً.لكن الأشهر أن يكون الخطاب
نثراً»(2)،بيد أن التعمق مع مصطلح الخطاب، والروز في أصوله،يدفعنا إلى العودة إلى
جذوره التي هي اللغة والكلام،فالكلام«هو العملية التي يتم بوساطتها تبادل الأفكار
بين المتكلم والسامع، والكلام يستند إلى العقل والتطور، ويفرق بين الإنسان
والحيوان»(3)،وفي نظر اللسانيات الحديثة فالكلام هو الإنجاز اللغوي الفردي،والأداء
الفعلي في الواقع، وهو خاضع لرغبة الفرد وإرادته ودهائه،واعتماداً على تقسيم
دوسوسير فهو يحتل المرتبة الثالثة في الظاهرة اللغوية،وهو المنفذ الأساس لدراسة اللسان،
وأما اللغة فهي عبارة عن جملة من الإشارات والرموز التي يستعملها الإنسان بغرض
التعبير عن غاياته،وهي ملكة إنسانية تسمح بالإنجاز الفعلي للكلام، وكما عرفها
الجرجاني فهي«ما يعبر بها كل قوم عن أغراضهم»(4).
وأما السرد ففي شقه اللغوي،يعني التتابع في
نظام معين،أو النسج، ولذلك يقال: «تسرًّد دمعه كما تسرًّد اللؤلؤ»،أي تتابع بترتيب
ونظام،كما يُقال:«نجوم سردٌ»،أي متتابعة بانتظام،كما أن السرد هو «المصطلح العام
الذي يشتمل على قص حدثٍ أو أحداث،أو خبر أو أخبار،سواء أكان ذلك من صميم الحقيقة،أم من ابتكار الخيال»(5)،
وهو كذلك«عرض الحديث بتتابع وجودة، وفي الأدب هو بسط الحدث في أي عمل أدبي بسطاً
عادياً من غير حوار، وهو أسلوب إن طال مله القارئ، وللسرد أشكال بحسب الجنس الأدبي
الذي يكون فيه،فهو سرد روائي، وسرد قصصي، وسرد مسرحي، ويختلف معناه من منهج
نقدي إلى آخر،فهو عند البنيويين مثلاً يأتي بمفهوم الخطابdiscourأي
الحديث»(6).
وأما
حدُّ الرواية فهي:« القصة الطويلة المكتوبة نثراً،والتي بُدئ بالكتابة بها منذ
القرن السادس عشر في إنكلترة.أما الرواية الحديثة فيرجع تاريخها إلى القرن الثامن
عشر الميلادي،مع بواكير ظهور الطبقة البورجوازية، وما صحبها من تحرر الفرد من ربقة
التبعيات الشخصية، وتُعرف بأنها سرد قصصي نثري طويل يصور شخصيات فردية من خلال
سلسلة من الأحداث والأفعال والمشاهد، ولذلك يمكن اعتبار«ألف ليلة وليلة»من جملة
الروايات العربية القديمة، و«رحلة الحاج»عام1678 لجون بنيان ورحلات«جليفر»عام 1726 لجوناثان سويفت من الروايات الغربية
القديمة، وعدوا«انتصار الفضيلة»عام1740 لصاموئيل ريتشاردسون أول رواية في الأدب
الغربي الحديث، وهي رواية غرامية كُتبت على شكل رسائل. وكذلك رواية«بول وفيرجيني»
الفرنسية التي كتبها برناردين دي سانتا بيير، وترجمها مصطفى لطفي المنفلوطي. ورواية«آلام
قرتر»لغوته الألماني »(7).
وكذلك فإن الرواية« في مستوى أول نوع سردي
نثري، وفي مستوى ثانٍ يكون هذا القصص حكاية خيالية، وفي الوقت نفسه خيال ذو طابع
تاريخي عميق. و أخيراً فإن الرواية فن: في أجزائها كما في كلها. وهي تبرز في شكل
خطاب موجه ليحدث مفعولاً جمالياً بفضل استعمال بعض المحسنات»(8).
الرواية الإماراتية وتأكيد الحضور
من خلال
تحليلنا لنص تقديم الأستاذ عزت عمر،يمكن أن نخرج بأنه ينهض على ثلاث نقاط رئيسة:
أولاً:
التأكيد على التراث الحكائي الشفهي العربي العريق،فالتراث الشفهي العربي ضارب
بجذوره في العصور التليدة، وذلك على الرغم من أن الرواية العربية هي فن طارئ على
ثقافتنا المكتوبة، ويلفت المؤلف الانتباه إلى أنه لا يقصد بذلك حكايات« ألف ليلة
وليلة » وحسب، بل إنه يركز على التراث الشفهي المركز المجسد على مستوى الحياة
اليومية للمجتمع العربي، وذلك في شتى الأصقاع التي يتواجد فيها، ويرى بأن السرد
الشفوي هو الأساس في القديم والحاضر،والدليل على ذلك أنه كان وما يزال إلى يومنا
هذا قادراً على التعبير عن الجوانب
الإبداعية الكامنة في الذات الجمعية العربية، وما نستشفه من تأويلنا لكلام الأستاذ
عزت عمر،أنه يشير إلى اتساع الخيال العربي، وعدم قصوره، وأنه يزخر بجماليات لا يُمكن
تجاهلها،وهذا على الرغم من عدم تدوينه،فالثقافة العربية كما أشار إلى ذلك هي ثقافة
شفاهية، ولاسيما في الماضي،وما تزال تظهر إلى يومنا هذا، وأن تأخر ظهور الرواية
العربية،لا يعني قصور العرب في الجانب الحكائي والروائي.
ثانياً: التركيز على مقدرة الرواية العربية
والإماراتية على السواء،على تأكيد ذاتها كجنس أدبي في المشهد الإبداعي،فهو يرى أن
الرواية الإماراتية ،ومنذ تأسيس دولة الإتحاد أكدت حضورها وبقوة،ولا يمكن التقليل
من شأنها مقارنة بالشعر في المشهد الإبداعي الإماراتي، هذا على الصعيد الداخلي،
وعلى الصعيد الخارجي ففي نظره أنه لا يمكن التفريق بين الكم الإنتاجي الروائي
الإماراتي، وبين الكم المنتج في أية دولة عربية أخرى، وذلك باستثناء مصر وسوريا،
وفي نظره أن معالم التطور في الرواية الإماراتية ،لا تقتصر على مسألة الكم وحسب،بل
إنها حلقت بعيداً في آفاق فكرية عميقة، طُرحت وتناولتها على المستويين الاجتماعي
والتاريخي، ولقد تمكنت الرواية الإماراتية، من أن تلقي بظلالها، وتعكس وعياً
كبيراً بأهميتها،فهي تلعب دوراً واضحاً في إعادة الانعطافة النوعية لعملية التحول
الاجتماعي التي شهدها المجتمع الإماراتي،بعد ظهور النفط، وتأسيس دولة الاتحاد،
وبداية التعليم النظامي، وما أعقب ذلك من تطور تقنولوجي،وانتشار لوسائل الإعلام
المختلفة، كما يؤكد المؤلف على الإسهامات الجليلة للمثقفين الإماراتيين، ونهوضهم
بمهمة شاقة،فاستطاعوا أن يؤسسوا لزمن ثقافي جديد،ترتكز أعمدته على الثقافة
المكتوبة، وهي ليست منغلقة على ذاتها،بل إنها تتفاعل تفاعلاً حقيقياً وايجابياً مع
مختلف منجزات الثقافة العربية والعالمية، وينوه المؤلف بأن« هذا التفاعل عكس بدوره أهمية الكتابة كعملية تحول نوعية مفارقة للثقافة الشفهية التي
كانت تخضع لسلطة الحكاية الخرافية والشعر الشعبي بإمكاناتهما المحدودة كنسقين
جماليين يعبران عن نمط من التفكير،يختلف جذرياً عن أنماط التفكير الحديثة التي
شهدتها المدينة الإماراتية منذ مطلع السبعينيات، وقد عبّرت القصة القصيرة في
الإمارات منذ بداياتها عن هذا الجانب،ثم ما لبثت الرواية أن راحت بدورها تستكمل
هذه اللحظة المفصلية والتاريخية في التعبير عن تطلعات المجتمع الإماراتي، وتأكيد
ذاته بين المجتمعات المتحضرة الأخرى كحالة مدنية تتنوع المشارب الإبداعية فيها على
أكثر من صعيد»(9).
ثالثاً: عدم اقتصار العملية الإبداعية في
الإمارات على الرجال فقط، فالإبداع في
دولة الإمارات،هو مزيج بين الرجال والنساء، ويشير المؤلف إلى أن المرأة الإماراتية
ساهمت إسهامات رصينة في إثراء العملية الإبداعية،وعليه فإن ما نستخلصه أن العملية
التنموية في الميدان الثقافي في دولة الإمارات،لم تكن حكراً على الجنس
الذكوري،فالمرأة الإماراتية خاضت هذا الميدان وبفضلها انتعش المجال الثقافي، ومن
الملاحظات التي يشير إليها المؤلف،أن الدراسات بينت أن المرأة الإماراتية فاقت
قريناتها في الدول الخليجية، وهو يعتمد في ذلك على الدراسة التي قدمها الباحث بدر
عبد الملك في مبحثه عن القصة القصيرة،حيث
إنه قال:« لقد لفت نظري منذ ولادة الحركة الأدبية في الإمارات وجود الصوت النسائي
الذي يحاول تحطيم«الطوق»وتهديم جدران«العزلة»بالخروج من مفهوم«شرنقة» الأنثى
والبيت، فانبعث ذلك الصوت الاجتماعي عبر الأدب/القصة القصيرة ،كواحدة من أكثر
الأجناس الأدبية انتعاشاً وتطوراً في مجتمع الإمارات، وهو إلى ذلك سوف يؤكد في
ختام مقدمته للكتاب بأن الكاتبات الإماراتيات برزن بصورة متوازية مع زميلهن
الكاتب،وتميزن عن جميع كاتبات القصة القصيرة في الخليج والجزيرة العربية اللاتي
جئن لاحقا وبفترة لا تقل عن عقد،وهاهي المرأة اليوم تشارك أقرانها الذكور في
الكتابة الروائية،حيث نشرت أمنيات سالم روايتها الأولى«حلم كزرقة البحر»،كما أن
أكثر من كاتبة صرحت أنها تستعد للخوض في غمار هذه التجربة»(10).
الرواية الإماراتية بين التاريخ والمجتمع
بالنسبة إلى الرواية والتاريخ،ينتقي المؤلف
رواية«الشيخ الأبيض»للدكتور سلطان بن محمد القاسمي كنموذج للرواية التاريخية التي ترتكز
على الوثيقة، كما يختار نص علي محمد راشد الموسوم ب:« ساحل الأبطال» كنموذج
للوثيقة والذاكرة المجتمعية والشخصية.
لقد اتبع الدكتور سلطان بن محمد القاسمي جملة
من التقنيات، وذلك بغرض سرد حكاية الشيخ الأبيض التاريخية، فالرواية تنطلق على شكل
سؤال موجه من قبل الرجلين اللذين قاما بتضميد جراحه في عام:1836م، وذلك بعد أن
ألفياه جريحاً بعد المعركة، وهو سؤال وُجه للبحث عن أصله ونسبه، ولتمكين السارد من
استرجاع ذلك اليوم الذي انطلق فيه الشيخ الأبيض من ميناء«سيلم» باتجاه الجزيرة
العربية،فهو يحكي قصته بطريقة الفلاش باك،«حيث يبدأ المؤلف استهلاله المجازي
للرواية برسم واجهة الفضاء الروائي لنصه المتخيل، من خلال إقحام القارئ في بؤرة
الحدث، وهو في لحظة تأزمه.وبذلك فإن هذه الواجهة أو الإطار المشهدي سرعان ما
سينفتح على ماضي الشخصية،ليتم الكشف عنها رويداً رويداً من خلال عملية تبادل السرد
بين السارد الأول المؤلف، والسارد الثاني عبد الله بالعودة إلى الزمن الذي انطلقت
منه الأحداث وهو العام1805م،لتخلق هذه المساحة الزمنية البالغة ثلاثين عاماً
سؤالاً أولياً لدى القارئ عن الأحداث التي مرت بحياة هذه الشخصية طوال هذه الفترة
الزمنية»(11).
يرى المؤلف أن التأخير في عرض الحكاية من قبل الكاتب،هو سعي
منه لتشويق القارئ واستثارته، كما يهدف من وراء ذلك إلى وضعه في أجواء قريبة من
الأجواء الملحمية، ويدفعه للتكهن والتنبؤ بمصير الشخصية الروائية، ومن جانب آخر
يجعله يسيطر على المتن، ويجعله يسير في الزمان الطبيعي، فعبد الله بانطلاقه في سرد
حكايته يكون بذلك مفتاحاً لإطار جديد تبتدئ فيه الأحداث ضمن زمان ومكان
جديدين،ومعهما يُستكمل رصد الفضاء الروائي،الذي تتحدد جغرافيته بين«سيلم» في
الولايات المتحدة، وشواطئ الخليج العربي.
إن الأساس الذي ينهض عليه نص«الشيخ الأبيض»للدكتور
سلطان القاسمي هو وجود راوٍ مفارق لمرويه،
وهذا الراوي هو الذي سيقوم بسرد حكاية بطله«عبد الله»،الذي كان اسمه سلفاً«بول»
،وهو الذي اتخذ فيما بعد من السرد المحايد منهجاً له على اعتبار أن الشخصية التي
يُخبر عنها هي مستقلة عنه،ويرى المؤلف أن
سلطة الراوي هي التي ستشكل حضوراً مؤثراً وفعالاً في ترتيب الحكاية، وتوجيه القارئ
إلى الوجهة التي يرغب فيها، ويشير إلى أنه إثر إفساحه المكان لعبد الله ليروي
قصته، لم يتركه يرويها بضمير المتكلم على الرغم من أنه أشار إلى انطلاقه في رواية
القصة، ووضع نقطتين كدليل على ولوج السارد المتماهي بمرويه إلى حيز الحدث،بيد أنه
لم يتمكن من الاستفادة من حيزه السردي الجديد، وعاد إلى قيادة الأحداث باتجاه
التاريخ والوثيقة التاريخية، وهذا ما ظهر أكثر مع بداية الفصل الثاني للرواية، فقد
سعى السارد إلى«إغلاق الإطار الذي كان قد فتحه في«سيلم» نهائياً، بحيث إننا لن
نعرف شيئاً عما دار هناك من أحداث بعد سماع نبأ فقدان السفينة،وما تركه من أثر على
أسرة «بول» من ناحية، وعلى أهل المدينة من ناحية أخرى، وهو أمر سيعكس منهجية
المؤلف في التعامل مع الحدث من خلال الوثيقة التاريخية فقط، وبالتالي فهو لن ينصرف
إلى سرد وقائع تنهض على خيال لا يمت إلى الواقع بصلة، الأمر الذي سيوضح مقاصده في
إطلاع قارئه على جانب من تاريخ المنطقة وتاريخ شخصياتها قبل قرنين، ومن هنا فقط
سندرك مبلغ احتفائه بالوثيقة التاريخية، وأسباب إقصاء الشخصية الروائية لتحل محلها
شخصية عربية تاريخية، هي شخصية محمد بن عقيل،الذي ستتمركز حوله الأحداث، فيغدو
اللاعب الأساسي في الإطار الجديد حتى عام1929م، تاريخ وفاته مقتولاً»(12).
لقد
اهتم الكاتب في رواية«الشيخ الأبيض» بالإطار التاريخي،وتناول بدقة وتفصيل ذلك
الصراع الناشب بين السكان العرب، والقوى الاستعمارية الجديدة التي تتطلع لأن
تتواجد بالمنطقة،وقد واصل المؤلف بالأسلوب السردي نفسه،الذي يقوم على بناء الحبكة
الدرامية التي تقوم على عنصر التشويق،وفتح إطارات مشهدية متعددة للأحداث التي ما
فتئت تتصاعد مع دخول«بول» في كنف محمد بن عقيل، ومن خلال كل هذا تتجلى للقارئ
العديد من صفحات تاريخ المنطقة، ودور شخصياتها في شتى المحطات.
وفي دراسته للرواية الاجتماعية سلط المؤلف الضوء
على ثلاث روايات:رواية«مزون»لمحمد عبيد غباش، و«أحداث مدينة على الشاطئ»لمحمد حسن
الحربي،و«سلايم»لعلي أبي الريش،ففي مبحثه عن تراجيديا الإخوة الأعداء في رواية
مزون ،هدف إلى تجلية وتوضيح جملة من العناصر الرئيسة،كطرائق السرد،وأسلوب الكشف عن
شخصيات الرواية، وأسلوب التداعي، وفي دراسته للحداثة ونوستجاليا المثقفين خلص إلى
نتيجة عامة عكسها على رواية «مزون»، وهي أن الأدب الإماراتي غالباً ما يصور«الحداثة وكأنها وحش لا تطاق مغالبته،هبط من فضاء
ما،وراح يجتث العلاقات الاجتماعية التي كانت قائمة على قيم المحبة والتكافل
والخير،ليؤسس لحياة فردية لا تكترث بهذه القيم،حياة جديدة دأبها نشر القيم الجديدة
التي صاحبت الثورة،وهنا فإننا سوف نلاحظ في رواية مزون بعضاً من هذا النزوع
الحنيني تجاه الماضي، وإلى ذلك أيضاً سنلتمس من قبل السارد موقفاً غامضاً من مجمل
عملية التحديث التي طالت البنى الاجتماعية والثقافية والعمرانية،ولكننا في الوقت
نفسه سنلتمس الكثير من الأسئلة وخصوصاً
لدى حمد المثقف والتربوي حول السلوكات المجتمعية في الماضي والفارق بينها وبين
تطورات الحاضر، والمآل الذي ستؤول إليه مشاريع التحديث»(13).
وفي
تحليل المؤلف للرواية رأى بأنها تتأسس من حيث بنيتها السردية على تلك اللحظة
الصراعية بين الأصدقاء، وهذا الشكل من الصراع هو صراع متداول ومألوف، روائياً
وقصصياً، ومسرحياً،منذ الزمن القديم، وهذا الأمر أكد على أن الأديب محمد عبيد
غباش،مهتم بالتقاليد الكلاسيكية للأعمال الفنية،فقد اعتمد على حبكة قوية، وهي ما
أسهم في تصاعد الأحداث درامياً، وبنائها بشكل سليم، وقد أبرز مختلف نتائج العنف
على الذات الإنسانية، ومحيطها الاجتماعي، وذلك من خلال استعماله لرمزية«صراع
الأصدقاء»،وما سيترتب عن هذا الصراع من عملية كشف للأوضاع الثقافية والاقتصادية،
والاجتماعية، وذلك أثناء المرحلة
الانعطافية التي شهدتها دولة الإمارات العربية المتحدة،منذ مطلع السبعينيات،
وانعكاسات هذه المرحلة على الأجيال الجديدة تربوياً.
إن صراع الإخوة الأعداء في هذه الرواية ،يعود
إلى زمن موغل في القدم، أين تمت أول عملية قتل في تاريخ الإنسانية ،حيث تصارع في
الرواية كل من عبد الرحمن ومطر بدلاً من هابيل وقابيل،فقد تصارعا على مزون، وذلك
في مرحلتي الطفولة والشباب،وفي مرحلة الرجولة،تغير الصراع، وأصبح صراعاً من أجل
سلمى،«حيث في البداية يقف مطر بوجه تطلعات عبد الرحمن نحو أخته مزون،بدعوى الفارق
في المستوى الاجتماعي،والاقتصادي،أي أنه وأخته ينتميان إلى حالة أرقى تماماً كما
ادعى قابيل من أنه وأخته ولدا بالجنة، وأن
هابيل وأخته من أبناء الأرض، وهذا الموقف من قبل مطر سيؤسس لصراع معقد بين الشخوص،سيما
وأن مطراً سوف يسحق عبد الرحمن بضربة مزدوجة:بتزويج أخته مزون من والد حمد التاجر
الثري، ودون أن يكترث للفارق الكبير في السن، ومن جهة ثانية فإنه سيضع خصمه في
مواجهة زوج خالته ،الذي رباه يتيماً وانفك يهتم به حتى الآن. وإلى ذلك فإنه سوف
يعزز هذا الانتصار بالاستئثار بسلمى والزواج منها بالرغم من سلوكه غير السوي،
الأمر الذي يجعل من عبد الرحمن كائناً هامشياً ومعزولاً،فها هو للمرة الأولى يدخل صراعاً،
ويخرج منه منكسراً بشكل كارثي،نظراً لتحالف مجموعة من القوى ضدّه، وأهم هذه
القوى:قوة المال، التي بدأت ترسم حدوداً وتبني جدراناً بين الفئات الاجتماعية التي
كانت قريبة جداً من بعضها في الأمس القريب، حيث كان الجميع يعيشون في«فريج»أو حي
سكني واحد، وليس ثمة فوارق كبيرة في المستوى، ولكن انعطافة النفط، والثروة الجديدة
سوف تعيد تشكيل الواقع الاجتماعي من خلال منطق جديد،سيكون عبد الرحمن وأمثاله
ضحيته الأولى»(14)،إن رفض عبد الرحمن للاستسلام،وهو في أوج انتكاسته، ومضيه في
الإدمان الكحولي،عمل كسارد للحدث على مدار النص، وهذا بغية تعرية خصمه من كل القيم
النبيلة وإظهاره على أساس أنه وحشٌ آدمي غير جدير بالزواج من سلمى ابنة خالته،ونظراً
لتعذيبها وضربها من قبله،فقد استدعى هذا الأمر تصادماً ومواجهة جديدة،تنتهي في
الأخير بمقتل مطر،الذي يزاح من الحياة بمؤامرة من كل من عبد الرحمن وسلمى.
تركز مبحث المؤلف في رواية«أحداث مدينة على
الشاطئ» لمحمد حسن الحربي،على الفضاء الدلالي، وأنثروبولوجيا المكان،فبعد تقديمه
لمُلخص عن الرواية وتقنياتها السردية،تحدث عن الفضاء الدلالي،حيث إن السارد رسم
واجهة فضائه الروائي بوصف سريع ولماح لجغرافية عالمه المتخيل،حتى يُمكن القارئ من
الدخول في هذا العالم،فقد رُسم الفضاء الأولي لمدينة المريبضة في مخيلة المتلقي،قبل
تشييد المساكن فيها، وقبل أن يحلًّ بها نفر من الصيادين،حيث إنها كانت محطة لقوافل
التجارة الآتية من الجزيرة العربية، وفي الجانب الاجتماعي فالشخصيات تدخل الحدث
عبر المشاهد المصورة عن طريق الكاتب،أو عن طريق الرواة الآخرين، وبالنسبة
لأنثروبولوجيا المكان فقد تبدى للمؤلف أن محمد الحربي لم يهبط إلى المكان من فضاء
خارجي كباحث للأنثروبولوجيا، ولا يحمل من الأنثروبولوجي سوى الورقة والقلم، وقد
استطاع الروائي الاستعاضة عن الكاميرا السينمائية، والفوتوغرافية، والمسجل الآلي
للأصوات،بذاكرته وعلاقته بالمكان، وبمقدرته على التنقيب،فكشف عن الأنشطة الثقافية،
من خلال المسار الشاق الذي قطعه ابن المريبضة من الصحراء إلى البحر،كما كشف عن
تقدم وعيه كإنسان يخضع لضرورات بيئية
وسياسية، وتوصل المؤلف من خلال هذه الرواية إلى أنها بمثابة منجم فياض بالعناصر
يقتضي من الباحث الحقلي في الأنثروبولوجيا سفراً ومكوثاً في المكان لمدة أكثر من
سنة،ففي تناول الروائي لأشكال الحياة اليومية للأشخاص،يُلاحظ أن مجتمع المريبضة هو
مجتمع محكوم بمناخ ضاغط من جهة، ويؤثر في سلوكات ومصائر الشخصيات، ومن جهة ثانية
فهو فضاء إسلامي منقسم إلى مجتمع ذكوري، ومجتمع حريمي، والمجتمع الذكوري هو العائل
للنساء والشيوخ والأطفال، وهذا الرصد من قبل السارد للتقسيمة المجتمعية سمح بإعطاء
جملة من الصور التي يُرغب في معرفتها عن أحوال ذلك المجتمع الذي يعيش حالة
خاصة،ومن خلال السارد تم التعرف على الحياة الاقتصادية في المريبضة،فأهلها كانوا
لا يعرفون من المهام سوى الإبحار في فصل الصيف، ويتجلى في هذا الإبحار الجانب
العاطفي،حيث إن الأمهات والأبناء كانوا يصطفون على الشاطئ لوداع الأحبة إبان سفرهم
في رحلة الغوص التقليدية، والبعض الآخر الذين كانوا يعملون في البر،قسم منهم يعمل
في صناعة المراكب الشراعية، ونجارة الأبواب والشبابيك الخشبية،بالإضافة إلى
البناء، ونقل المياه، وصناعة القدور،كما رصد المؤلف في مبحثه الطقوس والاحتفالات
الاجتماعية، والدينية والثقافة الشفهية،وتبدى له أن الروائي بعيد رحلة حج الأمير ومرافقيه سارع الأحداث، وغير في مواقف أبطال
الرواية،فقد وظف أسلوب الحذف، والاتكاء على عامل الصدفة بغية تسريع الحكاية،حيث إن
الكثير من الأسئلة كان يمكن إثارتها
لاسيما في الفصول التي ظلت ناقصة وحائرة في المشهد السردي العام، ومثال ذلك
رغبة الأمير في الزواج من حصة بنت سليمان العبد الله،وسعيه لخطبتها،بيد أنه قوبل
بالرفض،وقد تزوجت من سعيد،وأنجبت طفلاً مشوهاً، ويرى المؤلف بأن الكاتب سعى للربط
بين الولادة المشوهة، والحداثة، والسلطة، بالاعتماد على ما يستنتجه القارئ من
رمزية الطفل المشوه، والسيارات، والسفن الضخمة، وموت أبي سعيد...
ومن بين روايات «علي أبو الريش»، اختار المؤلف
رواية«سلايم» ، وذلك لدراستها دراسة أسلوبية، وقد عنون مبحثه فيها ب:« جناية
السردي على الشعري،مقاربة في أسلوبية«سلايم»لعلي أبو الريش»، وقد درسها مركزا على
أربعة عناصر،هي:
-البنية الحكائية والمغزى الدلالي.
-في بنائية النص الروائي.
-ذكورة أنوثة...تناص الخرافة.
-خطاب البلاغة.
وأبرز ما
توصل إليه المؤلف في هذا المبحث أن الروائي مواظب على أسلبة اللحظة الشعرية،حتى
تغتدي اللغة الشعرية هي الحامل الرئيس للعملية السردية،بما لا يتفق وتوجهات السرد
الروائي،الذي يتأسس على تعدد الأصوات، فصوت المؤلف هو الذي طغى إلى حد كبير، وقد
أدى حضور اللغة القوي إلى تهميش بعض الشخصيات وإلغاء أفعالها.
وفي تعرض المؤلف للسرد التجريبي القائم على
تشابك الأزمنة،سلط الضوء على روايتين،رواية«الديزل» لثاني السويدي، و«حلم كزرقة
البحر»لأمنيات سالم،ففي نظره أن رواية«الديزل» تشبه روايتين عالميتين،هما«المعلم
ومرغريتا»للكاتب الروسي ميخائيل بولغاكوف، و«ليلة القدر»للكاتب
المغربي الطاهر بن جلون،وحسب المؤلف فإن هناك جملة من النجاحات حققها نص ثاني
السويدي،فهناك شخصية تشبه شخصية شيطان بولغاكوف،تحل ببلدة صغيرة،لتلبس بطل
الرواية، وبذلك تدفع به لأن يقوم بسلوكات مخالفة للقيم السائدة والشرع،وكذلك فقد
ركز السارد على المسجد كمركز ينتج الثوابت والقيم، وتعرض لحملات عنيفة من
« الديزل » بعد أن أضحى أشهر من الإمام ذاته،كما عبر عن
ذلك في أحد المقاطع،وأما رواية«حلم كزرقة البحر»لأمنيات سالم،والتي دشنت بداية عهد
الكاتبة الإماراتية مع الرواية،فقد درسها المؤلف بتعرضه للمونولوج والذاكرة
الانتقائية، وتعدد الرواة، والمحفز الوصفي، والمحفز الاستفهامي المباشر، وقد تشكل
الفضاء الدلالي،الذي نهض النص السردي عليه إلى ثلاثة أجزاء رئيسة،هي: فضاء الحاضنة
الأولى،والمدرسة كحاضنة بديلة، والكآبة،ذلك الفضاء الذي يتلاءم زمانياً مع زمن القص،أي زمن الكاتبة الساردة،فقد«
باتت امرأة ناضجة تعيش حياتها العملية كسائر البشر، ولكنها إلى ذلك ما انفكت تعيش
لحظات حنينية إلى زمان مضى ولن يعود،فالزمن تغير، وكثير من الشخوص والأحداث التي
عاشتها سافرت إلى ممالك النسيان، ولا شيء في هذا الواقع يفضي إلى السعادة
المنشودة، حيث إننا مع الفصل المعنون ب«منافي الغربة»سنلحظ بداية الانتقال الزمني
الجديد، ومعه سنتلمس الكآبة قابعة في خلفية المشهد،وستعبر عنها بين حين وآخر لغة
شاعرية وجدانية، ويمكننا التنويه في هذا الصدد إلى أن اللغة السردية الجميلة
والجديدة قد عوضت كثيراً عما اعتور العمل من عيوب فنية، وبالإضافة إلى ذلك،فإن هذه
اللغة المحملة بمشاعر الحزن الحقيقي،ستسافر بنا بين حين وآخر إلى الحاضنة الأولى»(15)،وقد
اختتمت الروائية روايتها بجملة من الأسئلة المريرة،طرحتها بشفافية وصدق،انبثقت في
ظل الثقافة السائدة والصادرة من قبل المجتمع، وهي ثقافة الخوف الذي وصفته بأنه
الفعل الوحيد الذي يسرق الحرية.
الرواية العربية الجديدة
في دراسة
المؤلف للرواية العربية الجديدة،تطرق إلى مجموعة من الروايات،من بينها رواية«يالو»لإلياس
الخوري،التي رصد من خلالها الخطاب الروائي،وتعدد تقنيات السرد،فبنية السرد في
رواية«يالو» «ترتكز بشكل أساس على الموروث
السردي العربي، وخصوصاً ألف ليلة وليلة،وما تؤسس له من حكايات تمزج بين الواقعي
والخرافي،وانطلاقاً من العجيب إلى الأعجب،ضمن حكاية إطارية عامة،تتفتح إلى إطارات
عديدة عبر آلية الاسترجاع والاستطراد،ولكن«يالو»إذا كانت تستخلص مشروعيتها من هذا
التراث السردي الذي بلغ مدى كونياً،إلا أن إلياس الخوري هنا يسعى لطرح بدائل سردية
تعبّر عن خصوصية جديدة،سعياً منه للخلاص من عدوى السرديات الغربية التي كانت
ومازالت مشعة في فضاء الثقافة العربية إلى درجة أنها باتت المثال الذي ينبغي أن
يحتذى، وكل شيء باطل عداها،ولأن كل خروج عما أسسته هذه الرواية من قيم في البناء
والموضوع،إنما سيلقى إهمالاً متعمداً لدى النقاد والدارسين الذين ما كانوا للحظة
واحدة يتصورون أنه بالإمكان مفارقة حالة المثال،نظراً لثقافتهم المؤسسة هناك.ولكن
بزوغ فجر الرواية الجديدة في أمريكا اللاتينية مع ماركيز وغيره، والاستقبال الحافل
الذي لقيته،أكد أن الرواية بشكل خاص ينبغي أن تعبّر عن خصوصية ما وإلا فإنها بحسب
المثل القائل:هذه بضاعتنا ردّت إلينا»(16)،ويرى المؤلف بأن ميل إلياس الخوري
للتعبير باللغة المحكية اللبنانية في الحوار الداخلي،والحوار بين الشخصيات،الغرض
منه جعل هذا السرد يعبر عن خصوصية مفتقدة منذ«ألف ليلة وليلة»،وهذا النمط السردي
يعبر عن مرحلة تجاوز خلاّقة لتراثنا السردي العربي،فقد ابتدع الكاتب ضروباً جديدة
في التعبير،وفي طرائق تقديمه للحكاية،حيث تماهت فيها العناصر الفنية،مشكلة فيما
بينها جسداً حياً زاخراً بالشعرية،وهي النقلة التي تجلت في هذه الرواية،وقد نهض
البناء النصي في الرواية على وجود راو أساسي مفارق لمرويه،وهو الذي عمل على سرد
الحكاية من خلال شخصية«يالو»،إضافة إلى رواة داخل الحكاية أسهموا في إضاءة جوانب
عديدة من حياته،بغية إقناع المتلقي،وبالنسبة لتقنيات سرد الراوي المفارق لمرويه
فقد بدأت برواية الحكاية من نهاية الأحداث،وقد وظفت جملة من الأساليب،هي:أسلوب
التداعي،وأسلوب التحريض،وأسلوب التكرار،وقد تجلى التناص في رواية«يالو»،وذلك
بالتفاعل مع جملة من النصوص التي استحضرها اقتباساً أو تناصاً،تاريخية، ودينية،
وشعرية، وحكمية، وقد سمحت القدرة على التفاعل مع شتى النصوص الأخرى على بناء جدران
الرواية« وهي التي ستسقفها وتزينها بالشكل الذي يهواه الكاتب. ومن هنا فإننا لحظنا
أن«إلياس الخوري»الكاتب المخضرم والصحفي والأستاذ الجامعي،سوف يستقي الكثير من
المناصات من خلال مطالعاته وثقافته الشخصية،كأن يعود لتاريخ السريان ليقدّم بعض
الحقائق عن مذبحة عين ورد،أو من خلال معايشته لوقائع الحرب وكتابته عنها في أكثر
من قصة أو رواية. وإلى ذلك فإن رواية«يالو» ستحفل بالتناص والمناصات،التي قدمت
إضافات معرفية وتشويقية للحكاية المحكية،سيما وأنه اختار شخصية تاريخية بكل معنى
الكلمة،ونعني بها شخصية«الكوهنو» الذي دأب طوال حضوره في الحكاية على دفع الكاتب
لاستيراد المناصات »(17).
إن«يالو»
الشخصية الروائية،سوف يتمرد على الراوي،ويتمكن من سرد حكايته للقارئ ضمن نسقين
الأول ذاتي، والآخر موضوعي،بعد تمكنه من إقصاء الراوي المفارق لمرويه بعيداً عن
الفعل السردي،والسؤال الذي يلفت انتباه القارئ هو ما جدوى إسناد دور الراوي
للشخصية الرئيسة،بعد اطلاعه على سائر تفاصيل الحكاية من خلال عملية السرد الأولى،
وهل بإمكان يالو الإتيان بأشياء جديدة على ما قرئ مسبقاً،ويفسر الأستاذ عزت عمر
هذا الأمر بقوله:«نعتقد أن وراء إسناد دور الراوي ليالو له أسبابه الفنية
والدلالية،ويمكننا تكثيفها هنا بثلاث وظائف:
أولهما:وظيفة تفسيرية،تسعى لاستكمال بعض النواقص،أو
لتوضيح بعض الجوانب التي ظلت مبهمة.
وثانيهما:وظيفة إيديولوجية،تعكس أطروحة الكاتب حول مسألة
الحرب وانعكاساتها،أو حول الأوضاع الاجتماعية الناجمة عنها...وثالثهما:وظيفة فنية »(18)
.
و في
دراسته لرواية«أربع وعشرون ساعة فقط»ليوسف القعيد،ركز اهتمامه على الحكاية
الإطارية الكبرى وتفرعاتها،فالرواية تدور حول الزلزال الذي حلّ بمصر
سنة:1992م،فانطلقت الأم محروسة الحلواني في البحث عن أبنائها السبعة حتى تطمئن عليهم،وبانطلاقها
في البحث تبدأ أحداث الرواية تتصاعد وتتشابك،من خلال خطين أساسيين متوازيين،فتقوم
محروسة بدور الراوية، والخط الثاني يرويه الروائي ذاته،فالمبنى الحكائي يتجه
لتعزيز قيم الأمومة وعظمتها من خلال الأم محروسة، وما تمثل من قيم ورمز في الذاكرة
الشعبية ،وبالرغم من كبر سن الأم بيد أنها لا تنتظر أحداً وتبادر هي بالذهاب إلى
القاهرة للاطمئنان عليهم، ومن خلال هذه المهمة تشكل الإطار الأولي للأحداث،وهذا
الإطار سمح للراوي بفتح أطر ترتبط بماضي وحاضر الأم الباحثة عن أبنائها، والتقائها
بهم الواحد بعد الآخر، ومن خلال كل لقاء سُردت حكايته منذ مفارقته لأحضانها، كما رصد
المؤلف مختلف الحكايات الفرعية التي انبثقت من الحكاية الإطارية الكبرى.
وأما الروائية السعودية ليلى الجهني، فقد تناول
روايتها«الفردوس اليباب»،التي حازت على جائزة الشارقة للإبداع سنة:1997م،فركز
دراسته على إشكالية الخطيئة الأولى في هذا النص،حيث إن الروائية تحتج على واقع
اجتماعي،كان سبباً رئيساً في الإغرار بفتاة مثقفة و مترفة،غرر بها شاب وتركها دون
تورعه بنزر يسير من المسئولية الأخلاقية،وقد بنيت الرواية على لحظتين
سرديتين،اللحظة الأولى قامت بسردها الفتاة«صبا» المغرر بها،فاستعرضت ما أقدمت
عليه،وأما اللحظة الثانية من السرد فقد روتها«خالدة»بعد أن عرفت حجم المأساة التي
عاشتها«صبا» وموتها من شدة الأسى والحزن.
كما تناول المؤلف رواية«الحزام»لأحمد أبي
دهمان،ببحث موسوم ب:«الحزام لأحمد أبو دهمان...بين الرواية والسيرة الذاتية»،وقد
رأى نها نص استعادي ينهض على ذاكرة
المؤلف، وما عاشه، وسمعه من حكايات في قريته أثناء مرحلة الطفولة والمراهقة،كما
يتطرق إلى النسق المكاني كفضاء دلالي،والشخصيات وأثرها في الفعل السردي،ومن
الروايات التي درسها في هذا المجال،رواية«الملكة المغدورة»للروائي اليمني حبيب عبد
الرب سروري،فركز دراسته على الفضاء الدلالي وصيغ الخطاب،ورواية«حوافٍ خشنة»لعمر
قدور،التي درسها من خلال تقنية تعدد الرواة والرواية داخل الرواية،فقد وٌظفت تقنية
تعدد الرواة بالرغم من بداية الحكاية من خلال سارد ركز عملية السرد حوله كشخصية
محورية«إلا أن عدداً من الرواة سوف يتناوبون لاستعادة الحكاية، وذلك من خلال تقديم
إضاءات خاطفة عن أنفسهم وعلاقتهم بالمؤلف الروائي الافتراضي.ولكن ذلك لن يمنع
أيضاً من أن يتبادلوا جملة من الآراء المختلفة حول المتغيرات التي طالت القيم
والمفاهيم في هذا الزمن الجديد،وأثر هذه المتغيرات على الأجيال الجديدة،وخصوصاً
فئة الشباب الجامعي بعيد سقوط الاتحاد السوفيتي والمنظومة الاشتراكية،وتفرّد
أمريكا بقيادة العالم ونشرها لقيم الحداثة.كما لن يمنع في الوقت نفسه من تقديم بعض
الآراء التربوية على لسان«الأب»ممثل الجيل القديم،وأثر هذه القيم الوافدة في زعزعة
وحدة الأسرة،التي كانت إلى حين مزية عربية وإسلامية نتفاخر بها»(19)،وقد اعتمد
المؤلف في تحليله لهذه الرواية على تفكيكها مبتدئاً برواة الحكاية،وقد ألفاهم على
النحو الآتي:
-الروائي الافتراضي:وقد برز على أنه شخصية محورية، وهو
السارد الأساسي في الآن ذاته،كما أنه يعمل على تفصيل الحضور النسائي في النص،بما
ينسجم مع رغبته،ويشير المؤلف إلى أن هذا الأمر يُذكر بعوالم ألف ليلة وليلة.
-سوسن:وهي شخصية نسائية،وكما يرى المؤلف فهي نسخة
كربونية من«فاتن»،والفرق بينهما أن سوسن تنتمي إلى زمن الكتابة،وأما فاتن فهي تُضم
إلى زمن الحكاية،وسوسن إبان تسلمها لزمام السرد،ستحلق نحو موضوعات لا تندرج في
إطار الحدث الأساسي،وكما يصفها المؤلف بأنها ليست ذات صلة بالحدث الرئيسي.
-فاتن:وهي الشخصية التي تتجلى في القسم الثالث،عندما
تعود من أمريكا، وتختفي سوسن،لكي تترك لها المجال للسرد كي يُتعرف عليها،وعلى
أسرتها، وذلك من خلال الفلاش باك.
-هوامش والد فاتن:فرغبة من الكاتب في تقديم رأي والد
فاتن في علاقتها به،فقد جعله راوياً إضافياً،وقد كتب الأب هوامشه عن طريق الدفاع
عن نفسه، وعن أبناء زمانه ،الذي يرى بأنهم تأسسوا من الجانب الأدبي والمعرفي خير
تأسيس،بيد أنهم يبدون في حالة انهزام،ويرى المؤلف بأن أسباب انهزامهم يمكن
استنتاجها من خلال الرواية،وهي تعود بشكل أساس إلى:غياب الحياة السياسية والحريات،
والفقر، والتخلف«واللافت في هوامش والد فاتن ملاحظته الدقيقة على افتقاد الروائي
النبالة،بل وملاحظاته الدقيقة حول تخبطاته الفكرية،واستغلاله أجواء الثقة بين الأب
وأبنائه لمصالحه الشخصية،حيث إنه كان من المفترض به أن يعزز الجانب التربوي والقيم
الرائعة في حياة أسرة نموذجية كأسرة فاتن،سيما وأنه ينتمي إلى عالم الكتابة
الجميل،عالم القيم الإنسانية الرفيعة والنبيلة»(20).
تبدى للأستاذ عزت عمر أن هذا النص يحفل بجملة
من المتفاعلات النصية،والأدبية، والثقافية،وهي راجعة في أصلها إلى يوميات حياة
الكاتب،وعلاقاته بالمثقفين، وشتى حواراتهم وأحاديثهم حول جملة من المصطلحات
الأدبية،كما أن هناك تناصات منتقاة من كتب قرأها مسبقاً،ومن ذلك حديث فاتن عن
رواية قصة مدينتين لتشارلز ديكنز،أو تناصات استمدها الكاتب من الكتب العلمية
المعاصرة،ومتناصات أخرى من أمثال شعبية،بالإضافة إلى ورود مجموعة من العبارات
الانجليزية،وذكر أسماء كتب، ومطربين مشهورين...
وفي القسم الأخير من الكتاب،وهو تحت عنوان:«روائيون
عرب في الإمارات»،تعرض المؤلف في البدء لرواية«لعبة المراكب الورقية»لإبراهيم
المصري،فالبرغم من تعدد وتنوع مستوياتها وأطروحاتها،بيد أن مصر هي التي ظلت الشغل
الشاغل للأديب، وهي الخلفية التي انطلقت منها الأحداث وعادت إليها،وقد انبنت أحداث
الرواية على أربعة محاور رئيسة،لخصها المؤلف كالآتي:
«1-محور حرب الخليج وانعكاساتها على المجتمع المصري.حيث
ملايين العاملين هناك،وعودة البعض منهم في توابيت من الزنك، واختفاء البعض الآخر.
2-محور الهيمنة الأمريكية على مقدّرات الشعوب.حيث تتضمن
الرواية إشارات وافية إلى ذلك،ومن هذه الإشارات«لعبة المراكب الورقية»ذاتها.
3-أزمة المغتربين في المهاجر. وقلق أهاليهم عليهم،و في
الوقت الذي يكونون مشغولين فيه بحاجياتهم الشخصية، وتلبية نزوعهم الاستهلاكي،الذي
صوّر،وكأنه حمّى ضربت الروح المصرية في الصميم.
4-انحدار الأخلاق في المجتمع،كناتج لهذه الهجرة »(21)،وقد
ظلت مستويات الخطاب في هذه الرواية خاضعة لفكرة المؤلف المسبقة، ودارت في فلك نزعة
تبسيطية لحدث رئيس وكبير،ويرجع المؤلف سبب هذه النزعة التبسيطية إلى رغبة الأديب
في تأكيد حضور سيرته الشخصية،وحتى يعدد حضور الأنا في مجمل تفاصيل العمل من حيث
التجربة،ومن حيث الخطاب بمستوييه الواقعي والذهني،وقد رصدها المؤلف وفقاً لمستويات
ثلاث،هي: الخطاب البلاغي، والخطاب السياسي، والخطاب الرمزي.
وأما رواية«الموت الجميل»لمحمود سعيد،فقد قام
بتقديم رؤية عنها من جانب إعادة إنتاج الذكرى، وأزمنة الاغتراب،كون أنه الموضوع
الأساس لهذه الرواية،فهي تفتح جراح الغربة والاغتراب، ورحلة البحث عن المفقود،من
خلال شخصيتين رئيسيتين،هما:الراوي وإسماعيل.
ومن الدراسات التي نجدها في هذا القسم،دراسة
عن رواية«الغربان لا تختفي أبداً»لعبد الفتاح صبري،التي تعالج موضوع الخروج من الحاضنة
الأولى،والعودة إليها بعد فترة من الزمن«وما بين الخروج والدخول يكمن عالم كامل من حيوات أولئك
الأفراد الذين خرجوا جماعات وفرادى نحو العالم بأحلام محدودة في الخلاص من واقع
ضاغط،ولكن الدروب ستفضي بهم جميعاً إلى متاهات حقيقية،ستقودهم بدورها إلى ضياع
مؤكد، وبذلك فإن الروائي خلال عملية البناء سيعمل على تفعيل عدة أزمنة سردية
يمكننا حصرها فيما يأتي:
أ-زمن الحاضنة و إشراقات الطفولة.
ب-الزمن المعاش خارج الحاضنة. وهو زمن الخروج أو
الانفصال.
ج-زمن الدخول إليها من جديد،و أثر هذا الدخول على
الشخصية/الشخصيات.وهو زمن الاتصال»(22).
وما
يلاحظه المؤلف على هذه الرواية أن الزمن هو الفاعل الأساسي في المتن،وقد تبدى له
على أنه مجموعة من الأزمنة المتجاورة والمتشابكة في نفس الآن،وتنفتح عن تشظيات
المغترب عن المكان،فتغتدي الأشياء التي كانت مكروهة في زمن معين بارقة ومثيرة إبان
زمن الاغتراب،فتدفعه مجدداً نحو الحاضنة،وذلك لشعوره بأنها مفقودة،بيد أن المشكلة
الرئيسة هي ذلك الضرب من الحنين المبالغ فيه،فالمفارقة الزمنية هي التي دفعت
بالمغترب الذي هو السارد المصاب بمرض الحنين إلى أن يعيش حالة هي بمثابة رد فعل،وهذا
ما دفع باللغة إلى أن تتخذ منحىً هجائياً لذلك الزمن الفاسد،الذي استفحل في
الدولة،وأحدث شرخاً عميقاً بينها وبين المجتمع نتيجة للممارسات التي يُمارسها
البعض من نماذجها مثل «صميدة شعبان»،الذي استحوذ على القرية،والماء، والحلال،
والتجارة، والأرض، والوظائف، نظراً لما لديه من قوة ونفوذ...
وقد
نهض السرد في رواية«الغربان لا تختفي أبداً»على عملية التداعي الحر للسارد بتوظيفه
لتقنية تشابك الأزمنة ،عبر تفعيل الذاكرة،والضغط على إنتاج صور للمكان والأشخاص
حتى يؤسس لفضائه الروائي،كما اعتمد الكاتب تقنية السارد المتماهي بمرويه،وشخصية
محورية عليمة تكاثفت حولها الأحداث منذ اللحظة الأولى للسرد،إلى غاية نهاية
الرواية.
ومن الروايات التي درسها المؤلف في هذا القسم:
«مجنون بحيرة خالد» لمحمد شعبان،و«نسيج الدغل»
ليوسف الخليل،و«يحترق السمندل» لفوزي صالح.
وفي الختام ،فقد قدم لنا الأديب الناقد عزت
عمر،جملة من القراءات التحليلية،لمجموعة من الروايات العربية من الإمارات العربية
المتحدة،وسائر الدول العربية،وكأنه من خلال كتابه هذا يقدم لنا بطاقة دعوة للقراءة
والتعمق أكثر في الأدب الإماراتي، والعربي ككل، ويوجهنا إلى ضرورة استكمال دراساته
التحليلية،بعد أن عبد لنا الدروب،وأرسى الدعائم الأولية.
الهوامش:
(1)فاطمة خليفة أحمد:تقنيات السرد في الرواية
الإماراتية،أنظر:الرواية الإماراتية(وقائع الملتقى الأول)،إصدارات دائرة الثقافة
والإعلام،ط:01،2003م،حكومة الشارقة،ص:45-46.
(2)د.محمد التونجي:المعجم المفصل في الأدب،دار الكتب
العلمية،ج:01،ط:01، 1993م، بيروت، لبنان،ص:402.
(3)د.محمد التونجي:المعجم المفصل في الأدب،ج:02،ص:726.
(4)الجرجاني:كتاب التعريفات،تحقيق:إبراهيم الأبياري،دار
الكتاب العربي،ط: 04، 1998م،بيروت،لبنان، ص:247.
(5)مجدي وهبة وكامل المهندس:معجم المصطلحات العربية في
اللغة والأدب،مكتبة لبنان،بيروت،ط:02،
1998م،ص:198.
(6)د.محمد التونجي:المعجم المفصل في الأدب،ص:523.
(7)د.محمد التونجي:المصدر نفسه،ص:491.
(8)ميشيل زيرافا:الرواية،أنظر:الأدب والأنواع
الأدبية،ترجمة:طاهر حجّار،دار طلاس للدراسات والترجمة والنشر،ط:01، 1985م،دمشق،سوريا،
ص:125.
(9)عزت عمر:توجهات الخطاب السردي في الرواية الإماراتية
والعربية المعاصرة(قراءات تحليلية)،إصدارات دائرة الثقافة والإعلام، ط:01،2003م ، حكومة
الشارقة ،ص:06.
(10)عزت عمر:توجهات الخطاب السردي في الرواية الإماراتية
والعربية المعاصرة(قراءات تحليلية ص:06-07.
(11)عزت عمر: المصدر نفسه،ص:13.
(12)المصدر نفسه،ص:15.
(13)المصدر نفسه،ص:30-31.
(14)المصدر نفسه،ص:35-36.
(15)المصدر نفسه،ص:81.
(16)المصدر نفسه،ص:91.
(17)المصدر نفسه،ص:107-108.
(18)المصدر نفسه،ص:110.
(19)المصدر نفسه،ص:153-154.
(20)المصدر نفسه،ص:159.
(21)المصدر نفسه،ص:164-165.
(22)المصدر نفسه،ص:175-176.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق