الدجاجة والفقير ..
أوباها حسين
وقف
بين المتجمهرين في رحبة الدجاج وهو يبتلع ريق اللذة والحرمان من لحم
الطيور الداجنة , وأمام مجموعة من ذوات الريش الناعم رأى رجلا ثريا قادما
وتاركا سيارته الفاخرة , اقترب منه وبنخوة اختار اعتمادا على الجيب العامر
وأمر بائع الدجاج لينتقي الأثقل والأسمن والأغلى وبالضبط خمس دجاجات ,
وأثناء انتظار العزل والربط ودفع الثمن لاحظ الغني بروز عيني الفقير
المتحسر ..
الثري : معذرة أخي ..مد يدك وخذ دجاجة تعجبك , لا تخجل , لا فرق بيننا !
الفقير : بوركت سيدي لكني ...
قاطعه الثري : دع الكرامة التي لاتسمن واعتبر الدجاجة أكلة ضيافة ..
ابتسم الفقير , فأشار إلى واحدة من الخمسة..
الثري : لا ...سأعطيك هاته ..مبروك عليك ...
بائع الدجاج : نعم ما اخترت لصديقك إنها جميلة ولم أنتبه إليها سوى الآن ..ريشها الأصفر المتناثر يزيدها رونقا ...
الثري : لا يهمني إلا إرضاء الرجل مادامت ستفرح بيته ...لي اليقين أنها ستمتعه....
الفقير : شكرا سيدي ..
فرح
الفقير وأعجب بألوان ريشها الذي أمعن فيه النظر أثناء المشي المهتز
بالفرحة وخصوصا الريش الأصفر الموزع على جسدها ...طرق باب الدار , ولجها
وكانت سعادته لا تقاس حين قدّمها لزوجته المحرومة من كل أنواع اللحوم
والمعتمدة على طبخ قطع منها.....دخلت الدجاجة دار الفقر فركّنت مربوطة فوق
السطح لتنتظر مصيرها عاجلا أم آجلا ..مرّ يوم في وصفها والدعاء لمن وهبها ,
وتبودلت الآراء حول طرق تقديمها على المائدة ..حلّ يوم الذبح والترييش ,
فصعد الفقير إلى السطح وسكينة الحرب ضد المجاعة ملفوفة قبضتها بأصابع
مرتعشة ومنتشيه بالمناسبة...اقترب من اللذيذة , رأى بيضة فعدل عن نيته ...
الفقير : انظري ! هذه بيضة دجاجتنا الفاتنة ..
الزوجة : إنها رائعة , تشتهيها البطن الشبعانة...
الفقير : لنؤخر طبخها ..
الزوجة : تصلح هذه البيضة لفطورك صباحا ..
الفقير : سأقليها وأقسمها مع ولدي الذاهب إلى المدرسة مبكرا ...
وفي
الصباح مسك السكينة ليقسّم البيضة المقلية , أحسّ بشيء صلب يحتك بالسكينة ,
فغر فاه حين رأى حبات الذهب وسط مح البيضة ..انتشى ...جمع القطع الصغيرة ,
نظّفها ودسّها في جيبه , ستر منحة الخالق ..تخلّى عن الفطور ...أشبعه
الحلم ...ولما عاد من العمل ..
الفقير : لن أذبح هذه الدجاجة ..
زوجته : لماذا ؟!
الفقير : لنستفيد من بيضها ..
وقبيل العشاء , سمع الفقير طرقا على باب داره ..
الفقير : من أنت ؟
الثري : هل نسيتني ؟
اقترب من الضوء المنبعث من الباب المفتوح ..
الفقير : أوه ...معذرة , الآن عرفتك , أنت الكريم الذي اشترى لي الدجاجة !
الثري
: لست ثريا ولا أملك تلك السيارة التي ظننت أنها ملكي ..اسمع , الدجاجة
هبة من الرب لتغيّر حياتك , وأنصحك ...لا تفضح سرها لأي كان ...منحتها لك
لتسعد أسرتك ..أمّا الدجاجات الأربع وزعتها لفقراء صادفتهم بين أزقة الحي
...
تراجع
نحو الظلام فرأى الفقير وجها يتموج بخطوط سوداء وشفتين كالبعير , فزع
وقبضة يده لاصقة بالباب ..جمد في مكانه ....ودعه الثري ..تبعه الفقير
بعينين ذاهلتين إلى أن اختفى ..سالته زوجته ...عجز عن الكلام ...ومن يومها
بدأ الوسواس يتلاعب بأفكار الزوجة ...استعمل الفقير طرقا لفقس البيضة قبل
أن تصلها يد امرأته , غسل حبات الذهب ثم باعها ليستفيد من ثمنها , شكت
الزوجة وحاولت الفوز ببيضة قبل الفقير ولما فشل مسعاها أذعنت للواقع... ارتقي
نحو الغنى خطوة خطوة , كي لا يثير الشبهات وفضول الناس ..أصبح من الأغنياء
...شارك التجار , بنى بيتا جميلا ...أكثر من الضيوف والمعارف لطمس الأسئلة
...حقّق كل أمنياته لكن ذهن زوجته انشغل في التحول المفاجئ لزوجها الذي
تعرفه وتعلم عنه كلّ كبيرة وصغيرة ...نسي الفقير نصيحة من اشترى له الدجاجة
ذات البيض الذهبي ومع مرور حواراته تباعا وسلما مع زوجته الملحة .
الزوجة : لا بد أنك تبعد عني سرّ ثرائك ..
الفقير : اتق الرب ...قلت لك أني اقتصدت واقترضت من أصدقاء لأشارك في تجارات متنوعة ..
الزوجة : لا تراوغ , أنا أعرف حقيقتك ..
الفقير : وهل تكتمين السر ؟
الزوجة : نعم ...أنا زوجتك المخلصة ...
حكى
قصة الدجاجة , وفي المساء وجدها متفحمة داخل قفصها الفضي ...بدأ الانهيار
والكساد , كثرت الديون فعاد إلى بيته الأول حاملا المحروقة كذكرى الترف
..مرّت شهور والدجاجة تتحلل وينتشر رمادها في القفص الذي صار آخر ما يملكه
الفقير ...وفي يوم الحاجة والاضطرار قرّر بيعه ... اقترب من القفص وبدأ
يشطب ما بقي من الرماد بمكنسة صغيرة وفجأة , رأى حبات الذهب ... شكر الخالق
وترحم على دجاجة حنّت عليه بعد هلاكها ...
اكترى دكانا لبيع الدجاج ..
القنيطرة
المغرب
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق