2015/01/20

"عين" عفاف طبالة بين الثقافة والسرد.. بقلم: سمر إبراهيم



"عين" عفاف طبالة بين الثقافة والسرد

بقلم: سمر إبراهيم
يعد كتاب العين من الكتب المميزة الموجهة للطفل والأهل في آن واحد، فهو من ناحية يوضح للطفل مفهوم الضمير مع التركيز على مجموعة الصفات الهامة التي يجب أن يتحلى الطفل بها كالشجاعة والاعتراف بالخطأ والرجوع عنه، وكذلك يعمد لتوضيح أن هناك فرق واضح بين الشقاوة واللعب وبين الخطأ الأخلاقي كالسرقة أو الكذب؛ فالخطأ الأخلاقي لا شيء يبرره، ويلفت نظر الطفل أيضًا إلى أهمية اللجوء إلى الكبار إذا ما اضطربت أفكاره أو وقع في ضرب من الحيرة أو تعرض للخطر (الجد في هذه القصة).
ومن جانب آخر فهو كتاب موجه للكبار حيث كانت شخصية الجد داخل القصة نموذجًا مجسدًا لكيفية التعامل مع الطفل، في صداقته، ومتابعته بلطف دون تجسس عليه مع احترام لمشاعره، وكيفية التعامل معه بحكمة خاصة في حالة الخطأ البسيط أو الكبير، والتغلب على مشاعر الغضب والثورة لمساعدة الطفل فيما يواجه من مشاكل أو آلام لا يبيح بها ربما للخجل أو عدم الثقة في الغير.
وقد جاءت تلك النقاط السابقة في أسلوب سردي راقٍ دون أية عبارات صريحة واعظة، ولكن كان سردًا يرصد الحركة الخارجية للطفل والجد معًا، وكذلك الحركة النفسية الداخلية ورصد الانفعالات وردود الأفعال.
العين رمز للضمير:
تقوم القصة على حكاية قد تبدو بسيطة، وهي أن هناك عين ما تراقب عمرو الطفل الصغير بعد خروجه من المدرسة في طريقه إلى البيت، ولكن بمفرده وليس بصحبة صديقه حاتم ككل يوم، فهو يوم مختلف في حياة عمرو منذ بدايته. ثم تتبعه العين في البيت والحجرة وفي كل مكان ينظر إليه، وعندما يلاحظ الجد حالة عمرو المشتتة، يحاول معرفة سبب
رؤية عمرو لتلك العين المتخيلة، فيدرك أنه قد أخذ لعبة صديقه حاتم (جيم بوي) دون إذنه ليتدرب عليها في الإجازة ثم يعيدها إليه، معللا ذلك بأنه يُهزم في تلك اللعبة لتدرب حاتم عليها أكثر منه في الإجازة، وهذا ليس عدلا كما يقول عمرو، وينصح الجد عمرو بالاعتراف بخطأه لصديقه حاتم والاعتذار له، وبعدها تختفي العين، وتعود ابتسامة عمرو إلى وجهه مرة أخرى.
ولا ينبغي لك أيها القارئ أن تتخيل أنك أمام قصة أخلاقية، بل إننا أمام حالة يمكن أن يواجهها الأطفال والأهل بأشكال مختلفة، وهي ارتكاب الطفل الخطأ مع تبرير له فيخفف من وطأته على نفسه، وتشير القصة في إشارات لغوية غير صريحة لطرق التعامل مع هذه الحالة التي تقابلنا يوميًّا.
ولكن لماذا العين خاصة؟
عين الإنسان في الثقافة العالمية والعربية تشير إلى عدة استخدامات، منها: الحسد، الشر أو الخير عند وصفها، والرعاية، والتعبير عن حبنا لشخص ما وتفضيله فيكون بمثابة العين لنا، والتجسس ..إلخ، ولكنها تشير في هذه القصة إلى الضمير والمراقبة.
فعمرو بالرغم من تبريره لنفسه بأخذ اللعبة دون إذن صاحبها بأنه سيتدرب بها في الإجازة وسيعيدها إليه بعد ذلك، فإنه يقوم بسلوكيات تدل على معرفته غير المباشرة بالخطأ، وكأنه يلوم نفسه دون أن يدرك بل إنه لا يريد أن يراه أحد، وهذا يتضح في بداية القصة (التمهيد) حيث استخدمت ألفاظ في بداية الحكي قبل رؤية عمرو للعين: سارع عمرو بالخروج من المدرسة، (سارع)، انطلق في طريقه (انطلق) لم ينتظر صديقة حاتم (حاتم صاحب اللعبة)، فهي أفعال ترصد حركة عمرو المختلفة في هذا اليوم خاصة، وترصد سرعته وعدم رغبته أن يراه أحد خاصة صديقه حاتم (مما يدل على بداية الشعور بالذنب).
وقد ظهرت في القصة أفعال متكررة ترتبط بالعين والمراقبة: نظر، لمح، تتبع، ترقب، تعقب، رأى، تطل، تبرز، وكذلك الألفاظ الدالة على الحالة النفسية التي صاحبت رؤية حاتم للعين: القلق، الخوف.. إلخ.

صوت الراوي ووصفه للمراقبة التدريجية:
اعتمدت القصة في بنيتها السردية صوت الراوي، الذي يتحرك داخل النص بين شخصيات القصة راصدًا ردود أفعالها الخارجية، والداخلية، (الطفل عمرو، الجد، حاتم الصديق) يظهر الطفل كشخصية أساسية، فهو بطل القصة، أما الجد فهو الشخصية المساعدة للطفل من خلال علاقته به وتعامله مع عمرو في هذا اليوم، وهنا ظهر سؤال لماذا الجد خاصة؟ بالطبع هو أحد عناصر الأسرة، ولكنه في الواقع غالبًا ليس الشخصية الرئيسية في الأسرة، ربما لمرحلة المؤلفة عمريّا ربما لسنه واتصافه بالحكمة، وأنه يتملك وقتًا أكبر من الفراغ عن بقية أفراد الأسرة، حيث حرصت القصة على إبراز أن عمرو عاد وكان الجد وحده بالمنزل، ولكن النص نفسه لا يطرح إجابة واضحة عن هذا السؤال، أعطانا فقط تلميحات لطبيعة علاقة الطفل عمرو بجده، ولكنها تركز على اللحظة التي يعانيها عمرو مع إشارة خاطفة لحكايات عمرو السابقة لجده عن المدرسة وعلاقاته المدرسية وطبيعة عمرو التي تحاول دائمًا التخلص بالحيلة من اللوم على نتيجته الدراسية أو شقاوته..إلخ.
أما حاتم فهي شخصية ثانوية تظهر من خلال حكي عمرو، ولكنها أساسية في علاقتها بعمرو إذ أنه صديقه المصاحب له في رحلته اليومية في المدرسة والجالس بجواره في الفصل، والمنافس له في الألعاب المختلفة بل يعتبر في بنية النص هو العامل المثير لارتكاب عمرو الخطأ.
وأخيرًا العين التي تتبع عمرو ، ويرصد الراوي ردود فعل عمرو الطفلولية اتجاه العين كمحاولته تجاهلها أو الهروب منها أو محاولة حبسها حتى لا تراه، ثم أخيرًا تغلب العين عليه وحومها حوله في كل مكان، وكذلك تدرج مشاعره وإحساسه من الانزعاج حتى الخوف، ثم تخلصه
منها في النهاية بمساعدة الجد. وقد اعتمد الراوي في الحكي كذلك الحوار الداخلي في محاولات عمرو التخلص من العين، وكذلك حوار الجد مع ذاته، ومحاولته إدراك هل يداعبه عمرو باختلاق قصة رؤيته العين (الخيالات) ثم إدراكه لمعاناة عمرو. واستخدم كذلك الحوار الخارجي بينه وبين الجد الذي كان يقوم على مهارة الجد في استدراج عمرو في سرد ما حدث له في هذا اليوم المدرسي المختلف.
فبنية النص تقوم على البنية التقليدية المحكمة للقصة من تمهيد؛ ولكنه قصيرًا ومكثفًا لرصد رغبة حاتم ألا يراه صديقه، ثم المراقبة التدريجية من العين، ثم الذروة عند حوم العين في كل مكان، واكتشاف جده للسر، ثم النهاية بحل معضلة القصة واختفاء العين باعتراف عمرو بخطأه والاعتذار بصديقه.
والجدير بالذكر أن الرسوم قد ساهمت في بنية النص السردية، فكانت شارحة وموضحة لها، ومركزة على الطفل والعين وعلاقة الجد بالطفل، وكأننا أمام تفسير بالرسوم للنص، ولكنها ليست نصوصًا متفاعلة أو مثيرة لخيال الطفل إذ لم تضف أية علامة جديدة للنص، فحجم العين على سبيل المثال يتناسب مع النص المكتوب، وكلما تضخم توجس عمرو أو خوفه كبر حجم العين وبرزت أكثر، وهكذا كافة التفاصيل الدقيقة للرسوم تكاد تكون هي تفاصيل دقيقة داخل النص نفسه، ولعل أهم الرسوم في النص هي الصورة المصاحبة للنص التالي:
"طوال حديثهما (يقصد الطفل وجده) كان عمرو يرى العين تحوم حيثما يتجه نظره... ، وجاءت الصورة للعين بمساحة الصفحة وكأن الطفل داخلها فكانت تجسيدًا واضحًا لمعاناة عمرو ومشاعره.
وأخيرًا أرى أن الكاتبة قد انتقلت من مفهوم ثقافي واضح ونفسي، وهو الضمير، عبر نص سردي دقيق الألفاظ مكثف واضح يسير القراءة مناسب للطفل والأهل معًا، وهو نص يمكن أن يتحول بسهولة لعمل درامي شيق ورائع.

ليست هناك تعليقات: