فؤاد قنديل
لابد أننا نعيش زمن الهمجية بدليل أن محكمة في موريتانيا حكمت بالإعدام رميا بالرصاص على مفكر لأنه تجاسر وناقش بعض قرارات نبي الإسلام محمد ؟؟!!
كتب محمد ولد الشيخ مقالا بعنوان “الدين والتدين والمعلمين” جاء فيه أن المعلمين يخلطون بين الدين والتدين ، لأن الدين الإسلامي هو ما أنزله الله على محمد أما التدين فهو تفسير البشر للنصوص وهنا تنشأ المشكلة . فالدين إذن من صنع الله والتدين كسب بشرى….. فمتى كان الدين ومتى كان التدين…؟ مما لا شك فيه أننا إذا قسمنا الفترة الزمنية للإسلام إلى قسمين سنجد: - فترة حياة محمد وهى فترة دين - ما بعد محمد وهى فترة تدين تعالوا بنا لنأخذ بعض المشاهد من عصر الدين:
الزمان: بعيد معركة بدر 624 ميلادية ..المكان: يثرب ..الأسرى من قريش في قبضة المسلمين، و الحكم قد صدر بما يلي: قال المستشار الأول لرسول الله أبو بكر الصديق: “يا رسول الله، هؤلاء بنو العم والعشيرة والإخوان، وإني أرى أن تأخذ منهم الفدية، فيكون ما أخذناه قوة لنا على الكفار، وعسى أن يهديهم الله فيكونوا لنا عضدًا“. ملاحظة: من هم الكفار في رأى أبى بكر….؟ ثم كان بعد ذلك قرار أبى بكر هو القرار النهائي مع إضافة عملية التعليم لمن لا يملك المال. لكن ظهرت حالة استثنائية فقد أرادت زينب بنت رسول الله افتداء زوجها أبى العاص بقلادة لها كانت عند خديجة ، فلما رآها رسول الله رقّ لها رقّةً شديدة ، وقال لأصحابه :( إن رأيتم أن تطلقوا لها أسيرها وتردوا عليها الذي لها فوافقوا على ذلك )، رواه أبو داود. برأيكم ما هذا الاستثناء…..؟
الزمان: 625 ميلادية المكان: جبل أحد الحدث: قتال بين المسلمين و قريش قريش في مواجهة المسلمين انتقاما لبدر و رغبة في القضاء على محمد وأتباعه .هند بنت عتبة تستأجر وحشي لقتل حمزة مقابل حريته ومكافأة مالية تتمثل في حليها. هند تصل للهدف وتمثل بجثة حمزة. وبعد سنوات عدة وأيام ما يعرف بفتح مكة دخلت هند في الإسلام لتنال اللقب الشهير “عزيزة في الكفر … عزيزة في الإسلام” أما وحشي فأمره النبي أن يتوارى عن أنظاره عند دخوله الإسلام. هند قرشية ووحشي حبشي و إلا فما هو سبب التمييز بينهما و هم في الجرم على الأقل سواء أو إن شئتم الدقة فهند هي المذنب الحقيقي و ما ذنب عبد مأجور. و في نفس المعركة – أحد- و لنقارن ما حدث لـ”وحشي” مع دور شخص آخر هو خالد بن الوليد حيث أن هذا الرجل كان السبب الرئيسي في هزيمة المسلمين في “أحد” و قتل عددا من المسلمين و عند دخوله الإسلام أخذ اللقب الشهير “سيف الله المسلول” ، فلماذا لا يتم استقبال وحشي و يأخذ مثلا لقب “حربة الله التي لا تخطئ الهدف”…..؟
المكان: مكة .. الزمان: 630 ميلادية ..الحدث: فتح مكة ما النتيجة؟ نال أهلُ مكة عفوًا عامًّا رغم أنواع الأذى التي ألحقوها بالرسول وصحبه ، مع قدرة الجيش الإسلامي على إبادتهم، وقد ترتب على هذا العفو العام حفظ الأنفس من القتل أو السبي، وإبقاء الأموال المنقولة والأراضي بيد أصحابها، وعدم فرض الخراج عليها، فلم تُعامل مكة كما عوملت المناطق الأخرى.
المكان: حصون بني قريظة ..الزمان: 627 ميلادية ..الحدث: إبادة بني قريظة السبب : 1- تآمر بعض قادة بني قريظة ضد المسلمين في حصار الخندق تقول : فما ذنب الباقين والله يقول " ولا تزر وازرة وزر أخري2
- ثبت أن النبي قال لليهود وهو مشرف على حصون بني قريظة وقد حاصرهم :” يا إخوة القردة والخنازير و عبدة الطواغيت أتشتموننى ؟ قال فجعلوا يحلفون بالتوراة التي أنزلت على موسى : ما فعلنا ويقولون يا أبا القاسم ما كنت جهولا ثم قدم رسول الله – صلى الله عليه وسلم – الرماة من أصحابه . وقد ناداهم بذلك لشتمهم إيَّاه. (الطبري(2/252) تحقيق الشيخ أحمد شاكر، وذكره ابن كثير بتحقيق الوادعي:(1/207) أريد هنا قبل أن أواصل أن أشير إلى أننا في سياق الحديث عن النبي فنحن نتحدث عما يمكن تسميته “العقل الشامل” بدليل أنه لا ينطق عن الهوى.
الخلاصة: إذا كان مفهوم ” بنو العم والعشيرة والإخوان” يجعل أبا بكر يحجم عن قتل المشركين و علاقة الأبوة بين زينب و الرسول تمنحها إطلاق سراح زوجها مجانا ، و الانتماء القرشي يعطى ألقاب البطولات للقرشيين و يمنعها عن الحبشيين. و الأخوة و علاقة الدم و القربى تمنح حق الرحمة لقريش في الفتح و تحرم بني قريظة من ذلك الحق. و كل هذه الأمور تتم في عصر الدين فما بالك بعصر التدين. إخوتي أريد فقط أن أصل معكم – وأخاطب المعلمين أساسا – أن محاولة التفريق بين روح الدين وواقع التدين هي محاولات “طيبة لكنها لا تنافس” فالحقائق لا يمكن طمسها .. إذا كان الدين يلعب دورا فلنقلها بأعلى صوت: يلعب الدين و رجال الدين و كتب الدين أدوارهم في كل القضايا الاجتماعية "
هل نحن في زمن الهمجية والبربرية التي تدفع سلطة ما للحكم بقتل من يناقش قضية مهما كانت درجة قداستها ، وبالمناسبة فما ناقشه الموريتاني ولد الشيخ ليس مقدسا ، إنها أمور أقدم عليها بشر سواء كان الفاعل محمدا صلى الله عليه وسلم أو أبو بكر أو خديجة أو غيرهم . وما الجرم الذي اقترفه الرجل جراء سؤاله المهذب ، ألم يسأل أحد جنود المسلمين الرسول الكريم قبل موقعة بدر عن السر في اختيار الرسول موقعا بعينه ليعسكروا فيه قائلا : أنعسكر هنا تنفيذا لأمر إلهي أم هي الحرب والخديعة ؟ قال الرسول : بل الحرب والخديعة فقال الجندي : إذن فالخير أن نحجز البئر وراءنا ونحول بينهم وبينه ، فوافق الرسول ونفذ الرأي الذي رآه صائبا.
اتهمت المحكمة المفكر بالردة .. عجبا .. أين الردة ؟ .. بل أين التطاول ؟ .. سؤال يحتمل الرد والتصويب إذا وجد القوم الرجل مخطئا ، والحق أنه لم يأثم على الإطلاق ، وحتى لو أثم فليس تصويب الخطأ بالوحشية والمحو .. لذلك نتوجه للمحكمة الموريتانية بمراجعة الحكم ، وإعادة النظر في المسألة برمتها لأن روح الإنسان أهم من كل القوانين ،ولم تسقط القوانين إلى هذا الدرك ولكنهم البشر المتسلطون الظالمون ، ويظل الدين غير التدين والقانون غير القاضي ، والخلاصة أننا في العالم العربي والإسلامي متخلفون بامتياز وعلى كافة الأصعدة إلا ما رحم ربي.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق