بقلم :عبد القادر صيد
اتكأ وهو قاعد على جدار المنزل الخرب الذي بناه
أصحابه المجهولون و أهملوه ،فصار مأوى لأمثاله من المتسكعين و المدمنين
الجامعين للموسوعة المطولة و المفصلة لفن الانحراف ، استغرق وقتا طويلا و
هو لا يستطيع أن يصرف عينيه عن الشرارات الحمراء
المتطايرة من النار المتقدة أمامه ، كان منظرها صاعدة و اختفاؤها
المفاجئ يشده شدا قويا كأنه ينظر إلى آماله التي ما تكاد تظهر حتى تتلاشى ،
هي صرخات نجدة يائسة لأصداء نفس افترسها اليأس، ربما كانت حياة الشرارت
مرهونة ببقائها في النار و كان موتها نتيجة مفارقتها لها تماما كما هي
حياته ، لا يتصور أن يخرج من هذا الجحيم ، و لا ينتظرأن يقبله عالم
الآخرين و لو بدل جلده ، سيبقون يتوجسون منه كما يتوجس الذئاب من كلب تربى
بينهم منذ صغره يترقبون لحظة صحوه ، أو ربما تمنوها في داخلهم ، و أنبوه
بأعينهم التي تقول له :
ـ ألم يؤلمك هذا القناع ؟ متى ستنزعه لنمزقه بأنيابنا حتى لا يرتديه غريب آخر؟
تظهر بموازاة الشرارات المتصاعدة شرارات متساقطة من السيجارة الملفوفة التي يمسكها بين أصابعه ، لم يكن يهتم بسقوطها لأنها لم تكن الشيء الوحيد الذي يتساقط منه ، فسنوات عمره تتساقط منه منذ زمن بسرعة فائقة،كأنما تم اختراق حدود روحه لتستنزف لحساب شخص آخر ، تماما كما تسرق مكالمات من خط هاتفي ،و كتب عليه هو أن يسدد الفاتورة ..
من ركام الشرارات الصاعدة و الشرارات المتساقطة لوّن لوحة حياته ، و بقي شيء منها فلونت الحياة به وجهه فظهر قاتما كأنما يرتدي لباس الحداد حزنا على النشوة التي قضى حياته كلها يبحث عنها و لم يجدها، و إنما رآها تتراقص خلف شبابيك عيون المدمنين الجدد الذين لم يدخلوا مرحلة المرارة بعد ..
تكاد تهزه هذه الرياح ، لكنه هادئ ثابت في مكانه ، فقد مرت عليه رياح أعتى و أشد برودة و قساوة، و انهزمت أمامه ،بل و علقت على صدره شتى نياشين التصعلك و الانحراف:
ـ أتذكر يوما شديد البرد سهرنا فيه سكارى في الخلاء كالكلاب حتى الصباح..إيه على برد تلك الأيام ،لن يتكرر أبدا ،فقد ذهب الرجال الذين يطيقونه..
حدث بهذا الكلام نفسه ، و أدخل نفسا طويلا من دخان السيجارة بفخر بطولي و عظمة أسطورية .. ما كاد يستنفد هذا الشعور و يدخل في استهلاك شعور آخر حتى سمع وقع أقدام ،لم يتحرك فيه شيء ،فمن يجرؤ أن يقطع عليه خلوته ؟ فجأة وقف أمامه طفل صغير، حدق فيه مليا ،فإذا هو ابنه :
ـ أبي ..أبي ..لقد توفيت جدتي ..
ـ رحمها الله ..كلنا سنموت يا بني ..و لكن كيف عرفت مكاني ؟
ـ أصحابك يا أبي حضروا دفن أمك ،و أنت هنا ..
ـ هذه خيانة تُحسب عليهم ،لقد تعاهدنا بأن لا نشي ببعضنا البعض مهما كانت الظروف،هيا لنذهب إلى المنزل يا بني ..
عندما خرجا من المنزل ، صاح الأب :
أين حذائي ؟ ابحث معي عنه..
ـ هو في يدك يا أبي ..
قالها الابن و هو يبكي ، فبكى معه أبوه بكاء مرا لا يعقبه متنفس و لا لذة..
ثم كفكف دموعه ، و قال :
ـ كفاك بكاء يا بني ، الموت حق على كل نفس ، و جدّتك طاعنة في السن و لم يكن أمر موتها مستبعدا ..
ازداد الابن بكاء أمرّ من بكاء أبيه الذي مازال يدعوه إلى الصبر و التجلد ، لكنه لم يكن يبكي على جدته ، و إنما على حال أبيه ، و أمر البكاء بكاء الصغار على أخطاء الكبار..
ـ ألم يؤلمك هذا القناع ؟ متى ستنزعه لنمزقه بأنيابنا حتى لا يرتديه غريب آخر؟
تظهر بموازاة الشرارات المتصاعدة شرارات متساقطة من السيجارة الملفوفة التي يمسكها بين أصابعه ، لم يكن يهتم بسقوطها لأنها لم تكن الشيء الوحيد الذي يتساقط منه ، فسنوات عمره تتساقط منه منذ زمن بسرعة فائقة،كأنما تم اختراق حدود روحه لتستنزف لحساب شخص آخر ، تماما كما تسرق مكالمات من خط هاتفي ،و كتب عليه هو أن يسدد الفاتورة ..
من ركام الشرارات الصاعدة و الشرارات المتساقطة لوّن لوحة حياته ، و بقي شيء منها فلونت الحياة به وجهه فظهر قاتما كأنما يرتدي لباس الحداد حزنا على النشوة التي قضى حياته كلها يبحث عنها و لم يجدها، و إنما رآها تتراقص خلف شبابيك عيون المدمنين الجدد الذين لم يدخلوا مرحلة المرارة بعد ..
تكاد تهزه هذه الرياح ، لكنه هادئ ثابت في مكانه ، فقد مرت عليه رياح أعتى و أشد برودة و قساوة، و انهزمت أمامه ،بل و علقت على صدره شتى نياشين التصعلك و الانحراف:
ـ أتذكر يوما شديد البرد سهرنا فيه سكارى في الخلاء كالكلاب حتى الصباح..إيه على برد تلك الأيام ،لن يتكرر أبدا ،فقد ذهب الرجال الذين يطيقونه..
حدث بهذا الكلام نفسه ، و أدخل نفسا طويلا من دخان السيجارة بفخر بطولي و عظمة أسطورية .. ما كاد يستنفد هذا الشعور و يدخل في استهلاك شعور آخر حتى سمع وقع أقدام ،لم يتحرك فيه شيء ،فمن يجرؤ أن يقطع عليه خلوته ؟ فجأة وقف أمامه طفل صغير، حدق فيه مليا ،فإذا هو ابنه :
ـ أبي ..أبي ..لقد توفيت جدتي ..
ـ رحمها الله ..كلنا سنموت يا بني ..و لكن كيف عرفت مكاني ؟
ـ أصحابك يا أبي حضروا دفن أمك ،و أنت هنا ..
ـ هذه خيانة تُحسب عليهم ،لقد تعاهدنا بأن لا نشي ببعضنا البعض مهما كانت الظروف،هيا لنذهب إلى المنزل يا بني ..
عندما خرجا من المنزل ، صاح الأب :
أين حذائي ؟ ابحث معي عنه..
ـ هو في يدك يا أبي ..
قالها الابن و هو يبكي ، فبكى معه أبوه بكاء مرا لا يعقبه متنفس و لا لذة..
ثم كفكف دموعه ، و قال :
ـ كفاك بكاء يا بني ، الموت حق على كل نفس ، و جدّتك طاعنة في السن و لم يكن أمر موتها مستبعدا ..
ازداد الابن بكاء أمرّ من بكاء أبيه الذي مازال يدعوه إلى الصبر و التجلد ، لكنه لم يكن يبكي على جدته ، و إنما على حال أبيه ، و أمر البكاء بكاء الصغار على أخطاء الكبار..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق