2014/06/01

"قلبى حمامة شقها سكين" قصة قصيرة بقلم: فؤاد قنديل



قلبى حمامة شقها سكين
قصة قصيرة
فؤاد قنديل      
      إذا وصل بك الميكروباس الذى سيحملك محطتين فقط من السيدة عائشة إلى التونسي حيث نهاية الخط وأول سوق الجمعة، لابد تنزل يا بن عمي لأن الزحام الذى هو بروفة ليوم القيامة لن يسمح لك بأن تمر راكبا سيارة ولا حتى بسكاليتة بعجلة واحدة.. الكل لازم ينزل ويأخذها على القدمين. وشاطر من يتمكن من شق طريقه بأمان وسط خلق الله وعربات الكارو وترابيزات الفرش وأكوام البضائع من كل شكل ولون، غير الفول والطعمية والكبدة والمشاريب، وكراتين الملابس الداخلية وأحواض السمك الفارغة والمملوءة وصناديق الأحذية وأقفاص الحمام والعصافير والانتيكات ولوازم النسوان وكل عجيب وغريب، وكل ما تعرفه، وما لم يخطر على بالك يوماً.
ـ صلي على اللي يشفع فيك.
  سأكون يا ابن عمى فى انتظارك أمام ترابيزة كبيرة عليها كل التوابل والعطارة، ما سمعت عنه وما لم تسمع.. البردقوش وماء الورد. الجنزبيل والقرفة. الكركديه والحلبة. الفلفل والكمون. الينسون والشمر. الحنة والبهارات. جوزة الطيب.. المسك والبخور الجاوي. النعناع ولبان الدكر والزعفران.
  على شمالك تجدني بعد حوالي مائة خطوة، مجاور لفرش كبير عالي، من بعيد تلمحه عيونك، يبيع الستائر والمفارش والمخدات والملاءات ولوازم سراير العرسان.. عقبي لك. فقط اسأل على شطة. يعرفني ألف بياع حتى الزباين أكثرهم يعرفون ابن عمك، وراءنا جبل المقطم وأمامنا بيت مهدود على جانبه سبيل لزوار القبور والعابرين.
 لا تجعل قلبك يفتح بابه للهموم.. عقلك لم يعد له لزوم. ومهما كان مكسبك  ملاليم، حط رأسك على الوسادة ونام راضي.. توكل على من خلق الكون ونشاه، لا ينسي أبدا عبيده، وسلام يا ابن عمي.. أشوف وشك بألف خير، إنت وكل أهل البلد.
   كان صعباً أن أحكي له بالضبط حقيقة الأحوال.. وهل كان يصح أهرب بالكلام منه ؟! ، وهل كان يصح أن أعمل له البحر طحينة وعسل؟!.. وهل كان يُرضي ربنا أصدمه وأقول له ابن عمك ضاع فى شوارع المحروسة، ومقدر ومكتوب أرجع عن قريب للبلد حافي؟.. هل كان من الأصول أفضفض وأقول: إني بالعافية ألقي عشايا وإني أكمله نوم؟!.. يستحيل أهزمه أو أخدعه حتى لو كنت أنا ..هلكان.. أنا وهو وكل خلق الله على فيض الكريم.. صلوا على من بُعث للعالمين رحمة.. عليه ألفين صلاة وسلام.
 خلونا فى الموضوع المهم.. أنا قلبي انشبك وأصبح فى غير طوعي.. دماغي تحولت، وما عاد لي قرار، كل تفكيري فى بشاير.. لعبت فى رأسي وفتحت فيها من السكك والدروب ما يؤدى إليها.. إذا رفعت عينها فى عيني وسلمت للفضا نظرة، نفذت بين ضلوعي وفرفر قلبي كما حمامة شقها سكين.
   بشاير.. ست توزن من الرجال عشرة.. ما العمل وأنا ساكن فى شقة تحوي من الرجال عشرة؟.. أربعة منهم هنا فى السوق وثلاثة شيالة فى سكة حديد مصر، وواحد عتال على نقل خضار وفواكه من الجناين والغيطان لسوق العبور، وواحد صبي قهوة وأخرهم غريب الشأن وماله عدلة وكل يوم بكلام.. مرة يفوح منه العطر وعامل قُصة، ومرات جربان، مرة مكسي ومرات عريان، مرة يرمي الفلوس رمي، ومرات مفلس، لكنه فى كل الأحوال يمزع ويفشر عمال على بطال. أبدا لا تبعد عنه سرقة كتابي الوحيد الذى أواظب على القراءة فيه، أغاني وأشعار جاهين ومرسي عزيز ورامي والتونسي.. أنا فى غيظ ما بعده غيظ، وكيف أصبر على الجار السو يا يرحل أو مصيبة تشيله.. الود ودي أفكر له فى تفكيره تبعده عنا.. عقلي وقلبي ووقتي يا ناس سلمتهم لبشاير.. تأمر وتنهي كما تريد وأنا راضي.. المهم حبل الأمل فى الوصال لا ينقطع حتى أنول المراد من رب العباد.
  الحلوة تبيع شباشب بلاستيك، رجالي وحريمي وأحذية أطفال صغيرة ملونة.. لها وجه أسمر وملامح تحل من المشنقة وعيون عسلية كبحر وسيع ومحيط. ظروفها مثل ظروفي ولا يهم جلبابها المتسخ وطرحتها الممزقة
  مجرور أنا كسمكة فى سنارة لصاحبة الوجه الجميل القاعدة قدامي.. أنا منياوي وهى من بهتيم.. نفسي يكون لي فى قلبها مطرح.. قال عرفة بائع الصُّرم.. عندما أطبقت الحيرة على مراوحي، ملت عليه اسأله رأيه:
ـ لا تسلم لها.. إن كيدهن عظيم.
الله يسمَّك يا بعيد.. اندفعت فيه:
ـ أسلم لها إيه يا عرفة يا تعيس من يومك، وأنا فى الأساس شحات.
ـ وابنها ؟
ـ فى عيني.
ـ والسكن ؟
ـ المقابر جنبنا.. تلمنا.
ـ والمصاريف ؟
ـ لا تعقدها.. حصيرة وقلة.. وبالنهار السوق يطعمنا.. كل الأشداق لها رزاق.
ـ تضحك على نفسك.
ـ يا ابن الحلال.. المهم الرضا، واللقمة والهدمة آخر شئ.
ـ ربنا يهدي لك الأحوال.
  الغريبة إن الحيرة تبددت بعد حديث عرفة. قلبي نفش وانتعش ملأ قيعان صدري وكان عطشان حنية، رفعت رأسي للسما.. كان السحاب يمر.. يفسح الطريق للشمس حتى تراني..
ـ أنا والله طيب وراغب خير.
  فى يوم أخذت ابنها فى حضني.. شافتني، تبسمت.. رفض قلبي وداخ.. الولد ولدي يا ضي العين.. تقابلت نظراتنا وتعانقت رغم الزحام.. تحركت عيوني وراء عيونها حسب الفراغات التى تطل بين صفوف العابرين.. يسألني الناس عن أسعار الفلفل والكمون أجيبهم بأسعار القرفة والينسون..
ـ وبكام يا عم المستكة ؟
ـ ببلاش يا عروسة
ـ يا بني هات بجنيه شمر
  غمزت بعينها وعدلت الطرحة.. نط قلبي ودق.. هبيت من مكاني.. خطفت ابنها وأجلسته على الدكة.. هربت من الزباين والبضاعة.. الله وكيلي.. شققت سبيلي بين كتل البشر. فى أقل من ثانية كنت بجوارها وجهها أتفتح من المفاجأة وشهقت.. تفلت فى عبها
ـ يا شطة.. إخص عليك.
  سحبت يدي يدها وحضنتها. يدها دافئة. سمعت فيها نبض قلبها الذى يخبط.. قالت:
ـ اتجننت ؟
ـ أيوه
ـ الناس يا وله.
   الكلام يفرح.. رجع قلبي يتنطط.. ابتسمت وتذكرت يدها.. سحبتها وتلفتت حواليها، لقطت عيني نظراتها وهى تتجه إلى هاشم فى محل المفروشات. وجدته يرصدنا وفى عيونه شرار.. الغيرة ترعي فى قلبه.. لا يا صاحبي.. آخر يوم فى عمرك لو قربت منها.. سيبنى يا بنى أرسي لي على بر.. لا تلخبط غزلي، ولا تعكر مياهي.
ـ وبعدها يا بشاير
ـ كل شئ بأوان
ـ الحب قبل المال
ـ طبعا
ـ طب بللي ريقي
ـ اطمن
ـ ياه لو ضمنا يا بشاير بيت واحد.. ح تكوني فيه ست الستات.
ـ فرجه قريب.
   فى اللحظة ذاتها شقت الكون صرخة.. صرخة رفيعة إنما تزلزل. لم أعرف تماما مصدر الصرخة.. حاولت ألا أهتم لأكمل سكتي معاها.. مشغول أنا من ساسي لرأسي بمصيري المعلق بقلب حائر.. انفجرت ناهضة وجسمها كله ينادي عليه.
ـ ابني
  انتفضت من قعدتي لأقف وأتبعها.. ارتبكت حتى كدت أقع.. على الأرض سبقني كفي وانسندت عليه. ماء بارد سكبوه على نار. طارت الأفكار. تبدل فى لحظة كل شئ.. ماله ابنها؟.
  قمت أجرى نحوها.. الصراخ فظيع.. الولد الشقي وجهه بشعره مغطى بالشطة.. يدعك فمه وأنفه وعينيه.. يكاد يختنق.. الوجه أحمر فى أزرق فى أسود.. كرة من لهب.. يتلوى وينتفض.. أنا قلبي انخلع.. أدركت أخيراً المأساة.. غرف الولد من الشطة وأكل.. يخرب بيت من أنجبك.
  فى ثانية خطف الولد هاشم وطار على المقهى وهات يا غسيل، وبشاير هات يا صويت ولطم.. فجأة مالت على بضاعتها.. أخذت تسحب الشباشب وتضربني فى رأسي وصدري ووجهي.. بدت قوية ومكوية.. تضرب كوحش كاسر، بكل أعصابها وغضبها.. يدها ثقيلة وأنا أدافع بكفوفي بدون جدوى.. الضرب واصل.. كلما الشباشب تمزقت سحبت غيرها.. رجالي وحريمي.. لا يمكن يكون ما جري لي ضرب حبيب ولا كان ده العشم.
  شعرت كأن السوق كله يضرب معها.. لم أجد أحدا يدافع عنى أو يقول كلمة تخفف.. ظهر فى النهاية شخص يسأل عنى.. دلُّوه علىَّ.. كنت قد وصفت له عنواني بالضبط وزيادة.. وصل من البلد فى اللحظة ذاتها التى ضاعت فيه كرامتي ورسمالي والأمل الذى فى الطريق.. الأمل ضل وابن عمي وصل.. أخذني فى أحضانه..
قلت له وأنا أغالب دموعي: العار يا ابن عمي أطول من العمر 
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
*بعد شهر وشهيَّر والتانى قصير، تزوجت بشاير من شطة
                  وهشام رقص فى الفرح لما قالوا له كفاية. 
    
 

هناك تعليقان (2):

غير معرف يقول...

قصة قصيرة مترعة بالضعف والسطحية والإفتقار لفن القصة الجميل:
• هناك انفصام لغوي بتباين المستوي اللغوي، فمن مفردة "بسكاليته" و "بياع" "وشك"، "يمزع ويفشر" إلي "عقبي لك"، في شقة تحوى" .... إلخ، وإذا كان اختياره للمفردات الأولي لحس شعبي يلائم الباعة الجائلين، فعقبي لك وأمثالها في القصة تناقض ذلك، دلالة علي أن الكاتب لم يرسم خطته بوضوح ناحية اللغة في القصة.
• والنقطة السابقة تجعلنا نسأل عن الصوت في القصة أو ما وجهة النظر أو الرواى؟، فمستوى البائع الجائل لا يمكن أن يكون له كتاب وحيد يطالع فيه الأشعار؟!!، مما يمنحنا دلالة أخرى عن غياب تخطيط شخصية الحدث الرئيس وخصائصها لدى الكاتب، ولا أدرى ما صلة هذا الكتاب بأفق القصة فهو بعيد وشاذ عن أفقها تماماً، ولا معنى له، ويبدو أن الكاتب هو الذي أطل علينا هنا برأسه وليس الرواى، كما أن التجوال في أفق الشخصية سطحى مباشر.
• بعض التعبيرات متعثرة وغير سلسلة: (وهل كان يصح أهرب بالكلام منه؟)، (وأخرهم غريب الشأن وماله عدلة وكل يوم بكلام..)، فعدله تلك صخرية في ملمسها الصوتي كنتوء في الأسلوب.
• عدم واقعية الحدث (علي المستوى الفني) واختلاقه في معركة الشباشب بسبب الطفل الذي أكل الشطة، حيث قام الكاتب بمزج خطين في القصة (قدوم ابن العم / ومعركة بين البائع والبائعة تنتهى بالزواج) ولا ندرى ما الصلة بينهما، كما أن القصة القصيرة لا تتحمل كل هذا الإسهاب فالقصة قطرة من بحر ولحظة منتقاه بعناية.
• غياب توظيف مفردة أخيرة في القصة حول الرقص، ولا يوجد في القطعة تلك أي استباق او أي دلالة عن صلة الرقص وابن العم وزواج البائع والبائعة، فهي قفزت في ذهن الكاتب كما يبدو دون ان يكون لها أي توظيف في أفق تلك القطعة النثرية.
* بقى أن نشير لملمح جيد وهو إنتقاء العنوان ووصف حالة العنوان تلك في القصة وأعتقد أنها أشبه بما يقال عنه في النقد الدبي بالبقعة الأرجوانية فما خطر علي بال الكاتب تلك فقط وهي لحظة إبداعه أما الباقى فلا صلة له بالإبداع

غير معرف يقول...

النقد المرفق موضوعى تمام وأغنانى عن كتابة كلمة .. ولكن غير الموضوعى هو انكاره لاسم الكاتب زائع الصيت فؤاد قنديل وهو رغم أدبه الجم ليس الا أحد كراسى الثقافة الجماهيرية .. وما اكثرها,, يحاول ويحاولون .. جميل ,, ولكنه ,, ولكنهم يأخذون فراغا كان يليق بسواهم في بلد الواسطة والفساد والمحسوبية