الهروب من الواقع في رواية بئر العسل لمحمود الطهطاوى
بقلم: محمود حسانين
بئر العسل
نوعه/ رواية
الكاتب / محمود رمضان الطهطاوي
الناشر/ مجموعة النيل العربية
السؤال:
(ماذا جرى لك يا قاسم ؟
يا قاسم ماذا جرى)
يبدأ العمل بالسؤال الذي يلازم النص والذى يعتبر أيقونة تنفجر منها الأحداث فلقد أراد الكاتب أن يأخذك
من عالمك إلى عالم الرواية مستغلا الفضول والشغف الذي أحدثه السؤال
ثم يستوضح أن (البطل) الذي يستحى من كل ما حوله في عالم الأنثى قد أصابه
شيء من الجرأة وهو ينظر إلى (الأنثى) نجد
أن هذا الذي اكتشف فجأة عالم الأنثى قد أصابه ما أصابه ومازال السؤال يلح عليه
بصيغة الحدث.
تنتقل الرواية من حدث إلى آخر و هذا أهم ما يميز المبدع الحقيقي أن يجمع أطراف الحدث ويلقى به في عالم السرد دون النظر إلى الكم بل يكون
تركيزه
على الكيف, فالمبدع الحقيقي بارع ومحنك في تنقية النصوص من كل العوالق التي قد تلحق
بها, ولقد استطاع الكاتب أن يوظف النص ليكون ناقدا لأوضاع الحياة المحيطة به, ولقد تناول وجهة نظر الإنسان, في منظوره للأشياء والمواجهات التي
تمر به أثناء احتكاكه على مر الأيام من خلال تعايشه وانغماسه في محيط تواجده
المستمر في الحياة.
فقد جعل
من رحلة الهروب من الذات إلى الحياة وملذاتها أيقونة للحيرة,
ومن هذا المنطلق حيث ربط الكاتب المكان بأبطاله ولم يربط الأبطال بزمان
محدد, لقد ترك الحدث يتماهى ويمتزج مع أي زمن.
المضمون
و أثره على القارئ:
(السامق) بطلا آخر للرواية فالعمل فيه اكثر من بطل كما كانت
أحداث الحياة والتي مازالت تفاجئنا بأبطال حقيقيون وأبطالا من سراب, ترتبط أحداث الرواية بأسطورة ما؟ قد تجعلك
تسبح في عوالم( ألف ليلة وليلة) أو أن
تأخذك إلى عوالم من حكايات
الجدة, ثم
نجد التلميح بان.
(قاسم يشبه كثيرا (السامق) في
نزواته ورجولته وهيبته).
فهكذا هو الإبداع
الذي يؤثر في المتلقي فلولا تأثير الإبداع على المتلقي لما سمى إبداع قد يكون
التأثير نفسه بالإيجاب أو السلبي ولكن مهما كان فليس في أي عمل نرجو الكمال فان
صفة الكمال لله وحده, لكننا نقف على موطن
جمال من منظور الإنسان لما حوله فيكتب أو يرسم وهنا نجد الإبداع يتجلى في اقرب
صوره لذهن المتلقي وهذا ما تضمنته الفكرة المغايرة
قد نجد في النص بعدا أخر غير الرحلة الغير مكتملة التي
كان ينوى قاسم القيام بها, فمفهوم
الرحلة في الرواية قد يكون عبارة عن جولات
من منطقة إلي أخري رجاء أن يكسب المعاش تارة , أو أن يكون دائم الأسفار وهذا ما لم
يتضح في الرواية, فاكتفى الكاتب بتوضيح أن رحلته مرتبطة بمقابلة
الأنثى لكي تنتهي رحلته الأولى، وتحل
بدلا منها رحله أخرى من العشق والهيام. وبين ثنايا النص وقراءة السطور نجد الكاتب
يصور لنا كم كانت اتجاهاته تنم عن مدى كونه إنسان قبل آي شئ, فلقد غاص في عمق شخصية (قاسم) موضحا انه في بداية حياته يشبه
الكثيرين من الناس العاديين البسطاء ليصور لنا مأساة الأسرة وحياة البشر والعواطف
الجامحة ويعري فيها الكاتب القيم الزائفة لمجتمعه بالأكاذيب والطمع والشهوة. ثم
نجد البعد الذي أسقطه المؤلف وهو الوطن وما يعانيه من نكبات والمطامع التي تدور
حوله منذ القدم,فجسد الأنثى / الوطن) و(السامق/ أحد حكامنا) الذي انتهى عصره بعدما
كان بطلا قوميا ثم يأتي دور (قاسم) وهو حاكم أخر رغم كل المشقة التي يمر بها في حياته غير انه يستطيع أن يصل إلى الحكم ثم يبدأ عصر جديد منفتح
ومزهر غير أن الأقاويل التي كانت تنوله قد شككت فيه كل ما حوله غير انه يصر على
انفتاحه على العالم فيهدم الخرافة ويبنى (البرج/ الدولة )غير أن بنائه يصاب بانهيار
تام يقضى عليه وعلى كل أحلامه ومع ذلك لا تزال الألسن تنال منه, ويأتي
عصر أخر في نهاية الرواية وهو العصر الذي تعود فيه الحياة إلى ما كانت عليه من
خرافة البئر والشجرة التي ترمز إلى حياة رغده ولكنها لا تدوم.
للنص محور رئيسي ويلتقي النص بمحورة في النقاط التي تستدعى الاستدراك فيعود إلى
حيث كان ولهذا كانت للنص خصوصيته المفردة كونه يعبر عن مدلوله الخاص, ويعبر عن أشياء أخرى ومدلولات عديدة شمولية
تخدم النص في كل مواطن له,.النص متحرك يأخذك إلى عدة مواطن للمعنى فهو تارة داخل
النص الحرفي وتارة خارج نطاق النص بالخيال ومرة حول مذاق النص ونكهته, فالنص مجرة
وعدة أفلاك تتحرك بنظام ولها دلاله خاصة, وترى لهذا النص عدة بدايات و نهايات, ففي
كل فصل تجد نفسك أمام العمل من جديد ولكن بصيغة مختلفة وكأن الكاتب أراد أن يبرهن
على أن الحياة هي كما بدأت الخليقة ولكننا من يغير ملامحها بإرادتنا, أما نهايات النص فهي نهاية السرد, ونهاية البطل, ونهاية النص.
نهاية السرد فهي حينما تطلق الخيال لعقلك وأنت تقرأ العمل
.فيحدثك الكاتب قائلا:
(يا قاسم أدخل معترك
الحياة وامتلكها,وليكن زبد البئر ساعدي وظهري ,وليكن السموق لبتن السامق, هذا السامق
الذي أسس هذه البلدة الجاحدة)
ونجد أيضا كأنك وقفت
على نهاية من نهايات النص ولكنه يعود ليجذبك ويرميك ثانيه داخل الحدث مع بداية
الفصل الجديد.
نهاية البطل بنهاية
أحلام كل إنسان يطمح في
الثراء بدون مجهود وعناء كما المثل (ما طار طير وارتفع إلا وكما طار وقع) فتنتهي قصة البطل إلى الانهيار .فيحدثنا الكاتب بقوله:
قال الذي نظر إلى كومة المخلفات التي خلفها البرج بعد انهياره:
(لقد ضاع كل شى ,كل أحلام قاسم دفنت تحت البرج.
ثم تجد نهاية النص عودة
الحياة رغم كل المتغيرات وهى الدلالة القوية التي وضعها الكاتب على أن كل شي بيد الله وقدرته وهى مهما كانت التفسيرات
والتعليلات فكلها غير مؤكدة لان الحقيقة هي قدرة الله.فيشرح لنا الكاتب على لسان
أهل البلدة بان الذى حدث من صنع (الأباليس) واخر يقول
(بل هى لعنة السامق)
او( ربما غضب
قاسم)
فتحرك النص الدائم
يجعل لكل إنسان يرى شكله يختلف ولهذا كان من الضروري أن يستوقفك العمل في كل فصل
من فصوله لكي تستمتع بحدث يلبس في كل
فصل ثوب جديد.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق