التكفير والهجرة& التفكير في الهجرة
برواية يا ناس لمحمد الخميسي
بقلم: محمود سلامة
الهايشة
حين سأل
الأمير "ماو" الحكيم الصيني "كونفوشيوس": بما تنصحني؟ أجابه
الحكيم: أنصحك أن تضع الكلمة في موضعها، فإنك إذا لم تضعها في موضوعها تاهت
العقول، وإذا تاهت العقول ضلت الأبدان، وإذا ضلت الأبدان اضطرب المجتمع، وإذا
اضطرب المجتمع لا يعرف الإنسان على أي ساق يرقص ولا ماذا يفعل بأصابعه العشر؟!
فجأة ينتقل بنا الكاتب محمد الخميسي، من عام
1970 حينما كان "أمجد" طفلاً صغيراً إلى عام 1988 وتحديداً في منتصف هذا
العام حينما تخرج "أمجد" الذي كان ينعته كل من حوله بالهبل والعبيط
والشنف إلى يوم تخرجه بكلية الهندسة جامعة حلوان، وهو يوم الصراع النفسي الداخلي –الخارجي
للبطل، فبدلا أن يكون يوماً فرح وسرور، إلا أنه فتح داخل نفسه وعقله فكرة السفر
التي كان يؤجلها منذ سنوات إلى ما بعد الحصول على الشهادة، وها هو قد أصبح
مهندساً، وأصدقائه الذين سبقه إلى أوروبا يستحثونه للحاق بهم هناك.
وقد اخترت
لهذا الفصل ثلاثة عناوين تظهر مدى التناقض داخل هذا الصراع:
1-
التكفير والهجرة: حيث تناول الكاتب قضية ظهور الجماعات التكفيرية في عدة
مناطق في مصر في نهاية الثمانينات القرن العشرين. وارتفاع لغة الخطاب الديني
العدائي ضد نصارى مصر.
2-
التفكير في الهجرة: وقد جاءني هذا العنوان من الصفحة التي أنشأها بعض
النشطاء على موقع التواصل الاجتماعي الفيسبوك بعنوان "جماعة التفكير في
الهجرة. والدافع الرئيسي لتفكير "أمجد" للسفر لأوروبا، هو أنه كان يرى
أن أوصال الوطن تتمزق أمام عينه.
3- حصة الدين: حيث ناقش المؤلف مسألة حضور أو عدم حضور تلميذ المدارس
المصرية من المسحيين حصة الدين الإسلامي، والاستماع للقرآن الكريم مثلهم في ذلك
مثل زملائهم المسلمين، حيث كان "أمجد" لا يجد أن غضاضة في الجلوس
والمتابعة لتلك الحصة، عكس معظم أقرانه من المسحيين داخل المدرسة، بل كانوا
يستنكروا بشدة حضوره والاستماع لهذا الكلام، الذي اعتبره "أمجد" أنه
كلام الله، وقد كان "أمجد" يحفظ أجزاء من السورة التي لم يكن قد أعطاها
الأستاذ للتلاميذ المسلمين، وذلك بسبب حفظه لها عندما كان يحضر لكُتاب الحارة، فهو
لم يشعر يوماً بعداء للقرآن، وذلك عندما كان "أمجد" في المرحلة
الإعدادية بمدرسة "ثمرة الحياة".
الراوي في
هذا الفصل هو البطل "أمجد" ولكنه هذه المرة ليس "أمجد" الطفل،
بل هو "أمجد" المهندس في يوم تخرجه من الجامعة، فهو يحكي ما يشعر به في
الحاضر (مرحلة الشباب) ويدر على نفسه من مواقف الماضي (مرحلة الطفولة). فهنا يقوم
الكاتب بالتقارب والتباعد في مشهد واحد. وعن (1/7/1988) فيجيب البطل: "وسوف
تسألوني عن علاقة هذا التاريخ بعلقة الملوخية وحكاية ساندوتش الحلاوة الطحينية..
أقول لكم كلها ذكريات عزيزة مرت بحياتي في المنصورة..ذكريات أعيشها، وأستمد منها
زادي كي أظل باقياً" (الرواية، ص8).
منذ أقدم
العصور والإنسان يتحسس الجمال ويبحث عنه في كل ما يحيط به، وقد ساعده فضوله، ودقة
ملاحظته على التمييز بين الجميل والقبيح، كما اعتمد في أحكامه على الخبرة
والتجربة: التجربة الشخصية والتجربة الغيرية، وهكذا فقد راح ينمي إحساسه بالجمال
ويغذيه من خلال ملاحظاته، فانعكس هذا على أدواته ووسائله التي أحدث عليها الكثير
من التغيير والتطوير على مستوى الشكل وفق ما تقتضيه الحاجة/ المنفعة مما ينم عن
إرادة وذوق فني خلاق، وحس أبداعي/جمال، فالإنسان يحتاج كل يوم للقيام باختيارات
جمالية تتعلق بحياته اليومية: لباسه/مأكله/ نشاطاته حيث ((إن العديد من نشاطاتنا
اليومية ذو طبيعة جمالية)) [1] ؛ ولا زال الإنسان يطور ويغير في نشاطاته وإبداعاته
بتغير الزمان والمكان وتطور الفكر ((إذ الخلق الفني يعتمد على التشكيل والتعديل
المستمر الذي يحققه الفكر الابتكاري)) [2].
ما اكتشفه
البطل "أمجد" في حياته من جمال وكتبه على لسانه المؤلف
"الخميسي"، جعله قانع وراضي عن عيشته بمصر ومتمسك بترابها ورافضاً
للأفكار المتطرفة، فيحكي لنا المهندس أمجد عن طفولته:
1-
أول ثورة من والده الأستاذ كمال، عندما صاح في وجهه: "أنا حاسس إنك هاتروح ومش
راجع" (الرواية، ص8).
2-
كل بيوت حارة "العدوي" بيوته: "كنت لا أدخل بيتنا إلا على النوم وعندما كنت
أجوع أدخل أي بيت في الحارة..بيت أم حسن" أو بيت "أم أحمد" أو بيت
"أم العربي" وقبل ما أقول: (أنا جعان يا خالتي) أجد الطعام أمامي"
(الرواية، ص9).
3-
كل أطفال الحارة
أخوانه: "...يوم كنت
عائداً بمفردي من المدرسة وأنا لا أزال في ثانية ابتدائي فوجئت بأولاد حارة
"شمندي" يلتفون حولي ويعترضوا طريقي ثم يتعدون عليّ بالضرب رغم أنني
بطبعي إنسان مسالم، لم أتعرض لأحد منهم. ضربوني رغم أنني بطبعي إنسان مسالم، لم
أتعرض لأحد منهم. ضربوني وحاولوا اختطاف الكتب والكراريس..لكني عندما عدت الحارة..
الدموع في عيني، والشنطة القماش ممزقة، والمريلة مفتوحة صرخ كل من أخي
"أحمد" وصديقي "علاء"، وقريبي "نصر صموئيل": (مين
إللي عمل فيك كده..تعالى ورينا العيال دول..ما تخفش هناخد لك حقك) وجروا وراء أولا
حارة "شمندي" ولحقوا بهم وضربوهم علقة علمت عليهم، وأخيراً هدأت نفسي
(الرواية، ص9).
4- شاطئ النيل كان هو
المصيف: كان يتوجه هو وأولاد
الحارة إلى "طلخا" بالمعدية ثم يخلعوا ملابسهم على شط النيل هناك، ووضع
عليها حجراً حتى لا تطير، وثم السباحة بالقرب من الشط، لم يكن يعرفون البحر أو لا
المصايف، وعندما علم خاله "عزيز" بهذا الأمر أعطاه ثاني علقة في حياته،
لكنه لم يخبر أمه حتى لا تقطع لحمه من الضرب.
# مسرح أحداث هذا الفصل:
-
كلية الهندسة جامعة حلوان.
-
حارة "العدوي".
-
حارة "شمندي".
-
نهر النيل وشاطئيه بالمنصورة وطلخا.
-
مدرسة "ثمرة الحياة" الإعدادية بالمنصورة.
# المراحل العمرية التي تناولها الكاتب من
حياة البطل:
-
يوم تخرجه من الجامعة كمهندس.
-
عندما كان في ثانية ابتدائي.
-
عندما كان في المرحلة الإعدادية.
وفي نهاية هذا الفصل، نطرح سؤال لعلنا نجد
إجابته في الفصول القادمة: لماذا وصف البطل "أمجد" أطفال الحارة بأخي
"أحمد" وصديقي "علاء"، وقريبي "نصر"، فلماذا لم
يقول "أخي" على الثلاثة، وخص "أحمد" وحدة بذلك، خاصة وأن
"نصر صموئيل" قريبه وجاره؟!!
----------
# الهوامش:
[1] شاكر عبد الحميد: التفضيل الجمالي (دراسة في
سيكولوجية التذوق الفني)، عالم المعرفة، عدد 267، مارس 2003، ص29.
[2] مصطفى عبده: المدخل إلى فلسفة الجمال (محاور نقدية
وتحليلية وتأصيلية)، مكتبة مدبولي، القاهرة، الطبعة الثانية، 1999، ص37.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق