عن زامل
و النواب و شط البدعة و آخرين*
بقلم:د.ماجدة غضبان المشلب
كنا قصار القامة ،
و نخلات حمود الثلاث بثمرها المغري تنتصب كأكبر تحدي لنا في هجيرة آب..
_تخيل لو اننا
يومها حصلنا على ذلك الزجاج الكروي الملون الذي كان في حوزة إبندويج ، ما كان
يسميه بالدُعبُل ، هل ستكون ذكريات طفولتنا كما هي الآن كالحة و دون ألوان؟........
هكذا بدأت ضحكتي
الطويلة يا حمد..
مزيج خزفي من شوق
يعوم علىدهلة** تساؤلات ، دونته في رسائلألكترونية
لرفيقتنا الثالثةحول ذكريات الطين ، و الفيء ، و دمع التبرزل الذي نلعقه عسلا في
أحلامنا.. مع وخزة شوك دامية تذكرنا دوما انه ما كان سوى دمع في مخيلة زامل..
خلف جنازتهمشينا
جميعا صامتين ، و نحن نرقب بعثرة سيول الدمعلقصائد ديوان (المكير) بين شط البدعة ،
و بغداد ، و الزقورة، و ظل شابأحمق نسي أن ينام على "خوانيك الريل و هو يكعر"
رفقا بسمرائه..
ببساطة لم يطالبه
بالصمت كي تواصل إغفاءتها..لم يدرك أيضا لحماقته انه يمعن في التمثيل بجثة زامل
الممزقة في حادث سيارة مفتعل..
و لأنها حلمت
بأعذاق لا تطولها أيدي الصغار فقد ردت بحماس على أهزوجتك الجنسية:
_غفوت بك ، و
لأجلك ، و منك ، و حولك.. ، ثم استدركت خجلا و نظرات الجميعتستنكر شبقها:
_ و كأنني بها
بقيت "عثوكه ما تنلاح"..
أأنا بحاجة يا حمد
لإستئذانك كي أشارك زامل دموعه؟
رائحة الهيل تعطر
المكان ، و صوت الهاون يطغي على صوت قطار يقف بين طيفي و طيفك كالحية الرقطاء ، و
مظفر الوحيد مع قلمه و دفتره الذي كان يعلم انني مررت بك..
_تسألني لماذا يا
حمد ؟ ، لأنه ببساطة كان يجلس جواري في القطار القديم ، و الكحلة الرخيصة التي
اشتريتها من سوق الجملة في الشورجة كانت تسيل بهدوء على البودرة القبيحة ، و أحمر
الشفاه العاهر الذي أخفيت وجهي خلفه..
أتمنى لو انني
الآن ألج معك العالم الملون ذاك فيدعبلة واحدة من دعابل ابن دويج.. ، هل كنا سنخرج
لنرى ما حل بالنواب بعدها في سورية؟..
لعلك تجد في ذلك
جريمة ، و انت تقترب من قدسية منصة البيت الأبيض ، أدام الله ظله ، و قدس سره..
هناك حيث يصنع قرار الكلمة التي ستعلن قبل نطقها بسنين..؟؟..
حسنا ، كلانا سمع
تلك المعلومة من خالي المغيب ، و شقيقك الشهيد..
الدخول في كروية
الزجاج و سحره من العبث غير المستحب في مضيفك المتنحي جدا عن "الريل"، و
حكايات مظفر العدمية التي لم تقتحمها دراسة جدوى أبدا..
أشهد يا حمد ان ثرثرتي
تلك خارج كل مقاييس العلماء ، و قراءات الحضارات ، خارج الخطط ، و المخططات ، و تخطيطات
العري بقلم الرصاص..
و حتى هذه اللحظة
مازال رأسك في حجري ، و أنا أغني لك:
"آنه ارد الوكـَ لحمد \ ما الوكـَ انا لغيره"
عشقنا الأغنية معا،
و هي تذاع من مذياع كبير في صريفة ناهي ، و بقيت تدور في رأسينا كدولاب العيد على
أرضية تلمع ، نكاد أننرى فيها وجهينافي قصور الرئيس، و قرب حنو دجلة على الجثامين
الطافية ، و على صفحة السين الحالمة ، و وحشة التايمز ، و ضياع المسيسيبيحيث
إرتحلتقوافي المراهقة ، و ألواننا الخشبية العابقة بروائح المدرسة المتوغلة في
الريف ، و طين الشتاء الزلق..
و ربما لو حاولنا
إعانة بعضنا البعض على تسلق نخلات حمود قرب أرض أبي المحتشدة بالطماطة و البطيخ لحظينا
ببعض حلم زامل الدبق..
_أرأيت كم هي دبقة
أحلامنا؟ ، دبق الشهوة؟ ، دبق التبرزل؟.. جميعه دبق.. له أجنحة التحليق بعيدا عن
مرارة الحنظل في كل ما أعقبه..
بضع حبات من
التبرزلكانت ستجعلني أغض الطرف عما قاله النوابفيك:
"يا ريل
طلعوا دغش و العشكـ جذابي"
كانت ستجعلني أصنع
من الحنظل غاباتتبرزل..
أين كنت ستدور بي
بعدها؟.. ، أليس بعد دوران الأرض و ثبوتنا من زيف؟؟..
يصعب علي الخروج
من المضيف ، من رائحة "الهيل" ، من "السنابل" ، من "القطا"..
، من "الخزامات"..، من "زغرنا و لعبة الطفيرة"..
بالأمس طاف بي
زامل حتى وقف عند شط البدعة، كان مخمورا ، و راعه أن يرى صورة منارة تنتصب كذكر
مستبد في عذوبة الماء..
_إنتحى بي جانبا
يا حمد.. ، و قال لي سره الأخير ، قبل رحيله الأخير:
"يا الشاتل
العودين خضر فرد عود"..
كأنني صحوت على
كابوس القطار ، و هو يمضي بعيدا عن الناصرية ، و يقترب من البصرة ، محطة بعد أخرى
، زاعقا دون رحمة بالسمراء من جديد..
لا أظنك ستلحق بلهاث
الصور ، و أنا أقف عند النخلات الثلاث..
اكتشفت ان علي أن
أعود للناصرية ، لا سواها ، و ألف عبرة تخنقني ، أنظر الى النهر فاذكر وقوفي معك ،
و أسمع صوت زامل يصبرني ، و أرد بسيل من تبرزل نخلات حمود المزروعة في رحمي:
"المفطوم
شيصبره؟"
سيكون ذلك عسير الفهم
أمام الإحصائيات التي تقول ان معظم الرضع يستسيغون الحليب الصناعي أكثر من حليب
الأم..
آه .. يا حمد..
سأعترف دون تزويق
، لا رفيقتنا الثالثة ردت على رسائلي ، و لا شط البدعة إحتفظ بوجه زامل.. أما مظفر
فقد زار الوطن ، و هو يعاني من داء الرعاش.. و حين علم انك دفعتني دفعا الى رصيف
العهر.. عاد نادما ، فقد بدت بغداد مطحونة ككرات من زجاج ملون ، لا يمكن ملامسة
أرضها دون العودة بعدد هائل من شظايا الدعبل..
دعبل ابن دويج..
هل تعرف كم تؤلمني
شظايا الدعبل؟ ، كم يؤلمني حجم ابن دويج و تمثاله وسط بغداد؟..
أم انك أغلقت
الصفحة الألكترونية الآن منزعجا ، كما اغلقت دفتي الذاكرة على صورة زامل بدم بارد؟
عاتبني النواب بشدة
عند الغراف ، مزق آخر ما بقي لي منك..
كان ردي بسيطا.. بساطة
من يقيمون مع النخيل على الضفاف.. سيل من دموع زامل مع بيت من شعر مظفر:
"و لا تمشي مشية هجر\قلبي بعد ما مات"
بعد دهر ، يا حمد ، وجدت اننا مازلنا قصار القامة ، و نخلات حمود بتبرزلها
تنتصبكأكبر تحدي لنا في هجيرة آب..، أنت في مضيفك الذي يأنف من صوت ريل قديم ، و
لعبة سمجة كلعبة الدعبل ، و أنا في دوامة المحطات من المكير و اليه برفقة لون
الاسفلت البغيض..
*يفترض
ان أضع الكثير من الهوامش لأشرح كل ما هو عصي على الفهم بسبب إختلاف اللهجات
بالنسبة للقراء الكرام من غير العراقيين ، لكني توقفت حين وجدت الهوامش أكبر من
النص نفسه.
أكتفيهنابنصيحةواحدة،النصيعتمدعلىماجاءفيديوان
(المكير) للشاعرالراحلزاملسعيدفتاح ، و بالذات قصيدة (فرد عود) و قصيدة (المكير)
منه،وماجاءفيقصيدة (الريلوحمد) للشاعرمظفرالنواب،و بالإمكان العثور على كليهما،
اعنيالديوانوالقصيدةعلىغوغل ، و كل
ما هو محصور بين قوسين صغيرين أبيات شعر أو كلمات مقتبسة منهما.
** الدهلة باللهجة العراقية هي الماء المخلوط مع
طينه
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق