عاشقة الفرعون
غادة هيكل
ان اطلت النظر من النافذة سوف تغلبك راسك وتقع ولن نتمكن من انقاذك ، يدير راسه ناحية الشط ويطيل النظر كم يحلم بعبور هذا الجسر الفاصل بين الماضى والحاضر ، يحاول أن يمد عنقه ليستطيل اكثر فتنهره بشدة خشية أن يقع فهى لا تملك غيره فى هذه الدنيا ، تملكنى ! هل أنا مجرد قطعة تُمتلك ، يضرب نفسه على خده لعله يفيق ، لستَ مجرد قطعة أثاث ولكنك جوهرة تحاول أن تحميها بكل ما أوتيت من قوة ، هكذا اذن ما أنا إلا جوهرة نفيسة قطعة زمرد مثلا ياله من جسد ؟، لثانى مرة يضرب نفسه على خده المتورد بالحمرة من أثر الضربة السابقة ، يا انت تمهل فى فهمك فإن وزنوك بكل كنوز الأرض لكى تتنازل هى عنك لن تفعل ، إذن فانا لها أغلى واعلى !
يطيل النظر لكى يرى بنت الجيران وهى تعبر الشارع مسرعة والهواء يلف جيبتها الواسعة فتطاير إلى أعلى لتفضح بعض المستور من ساقيها الجميلتين الممتلئتين ببياضهما الناصع ،- تنادى بأعلى صوتها ارجع عن الشباك سوف تغلبك راسك -.
الآن لن تغلبنى رأسى فأنا مسيطر تماما عليها فقد ملأَتها الموضوعات والقراءات والحكايا ، الآن صرتُ أفهم معنى السقوط ومعنى المرواغة وأصبحتُ ألعب بمفاهيم السياسة والنباهة والفهلوة ،
ألمحها قادمة فاعود لاطيل النظر مرة أخرى تلك هى معلمتى الشقراء التى تحجب الرؤية عما ورائها عندما تسير وتتباهى بعيونها الخضراء وكيف لا – وهى من اصل امريكى بحت – ، عاشقة للصحراء، تذهب إليها كل يوم تلفح نفسها بشمسها القوية حتى تصير سمراء كبنت النيل ، وعندما تلفحها حرارة الشمس القوية وتباغت بشرتها البيضاء ببعض الحمرة المصبوغة بالسمرة تسرع لتمشى فى شوارع المدينة متباهية بلونها الجديد وكأن عيونها التى تتفرس المارين تقول أنا منكم ، أعيش هنا منذ سنوات واتكلم العربية بطلاقة واعلم كل مصطلحات ابناء البلد ، هناك على قهوة البستان بجوار الميدان أجلس كل يوم اطالع وجوه المثقفين والسياسين والكتّاب ، وحتى الباعة الجائلين ، أتعلم منهم قفشاتهم وطريقة ضحكاتهم وغمزات عيونهم عندما لا يريدون لغيرهم أن يفهم حديثهم السرى .هنا وقفت فى الميدان حملت العلم وهتفت لمصر وللحرية .
أتت إلى القاهرة فى رحلة سياحية مع جروب تابع للجامعة وهى ما تزال طالبة من احدى ولايات امريكا المعروفة (لوس أنجلوس )تلك المدينة الصاخبة التى يعنى اسمها مدينة الملائكة حيث صناعة السينما وصناعة المشاهير ،قرأت عن مصر كثيرا حتى تتعرف على معالمها وتاريخها قبل المجئ إليها ،وعندما حطت رحالها أطلت عليها شمس الاهرام بكنوزه المدفونة ونظر إليها أبو الهول وكانه يدعوها لتقيم بجواره وتنهل من عطاءه الذى يمنحة للمصريين ، هذا السيد الحارس الأمين على تاريخ أبائه الفراعنة ، اله الشمس الذى فرض بنوره على روحها فصارت فى لحظات ملكة متوجة على عرشه ، احتضنته كمن عادت إلى جذور قبائلها من التشوماش قبل أن يكتشفها الاروبيون ، ويستولوا عليها من الهنود الحمر ،دخلت فى عالم روحانى تتماوج فيه راقصة مع روحانيات الفراعنة الاجداد ، وتساءلت : هل كانوا يرقصون مثلى؟انى أستمع إلى موسيقاهم انها قريبة من الجاز لا لا انها موسيقى الفرعون الاوحد بل هى موسيقى الحياة التى تنبت الزرع !
وتروض النفس وتشفى من الامراض ، توقفت فجاة والتفتت إلى هرم خوفو نعم هنا يُشفى الجسد العليل وتحلق الروح نحو العلو والخلود ، لقد قرات عن معجزات الهرم الاكبر فى شفاء الامراض والحفاظ على كينونة الاشياء ، اتجهت بخطى ثابتة كمن غشيها هالة مقدسة تسير بخطاها كما الملكة كليوباترا تتمايل بخفة يمينا ويسارا ترفع ذراعها ليتساوى مع كتفها العارى وتفتح كفيها ليستقبلا الشمس فى الممر الملوكى نحو الهرم تسبقها نظراتها العالية بثبات وقوة ، لتبدأ رحلتها نحو الاخرة وكنوز خوفو التى لا يعلمها الناس وسوف تفتح لها وحدها ،!
توقفت حدقة العين على جمالها الآخاذ فى زمنين مختلفين فهى تلك الامريكية الشقراء التى تسافر إليها العيون وتغوص فى بحور لحظها وشعرها الذهبى الحرير ، وهى تلك الكليوباترا التى غاصت بروحها نحو الخلود فسكنت روحها حياة الاجداد .
هنا يراها لأول مرة بلهاء تترنح فى مشيتها كما السكارى تثنى رقبتها وتحنى جسدها وهى تتطلع إلى صور الأجداد على الجدار وفى آخر الممر حيث حجرة الملكة (ملكة خوفو) والتى لم تدفن فيها التقت العيون البنية بزرقة البحر الهادر فى عيونها وتلاقى الجسد الملكى لخوفو- والموجود بحجرة الملكة- مع جسد الملكة فى تلامس اضفى هيبة ملوكية على المكان ،- تسمر فى مكانه – ودقت رجلاها فى الارض فهذا هو ملكها قد برز لها من عمق الإله رع إله الشمس ليضفى بنوره على روحها لتسكن اخيرا فى رحابة هذا المجد الفرعونى المقدس .
انغمست روحها فى البهو الملكى ، وسبحت ببصرها نحو اللحظة الأولى التى دخل فيها المعمارى العظيم ميرابوا إلى الفرعون يبشره بانتهاء العمل فى مكانه المرتجى ليكون مثوى الروح الحكيمة التى حكمت الأرض ، ومعبد الآلهة التى جمعت قلوب الملايين فى محبتها وطاعتها ، والفرعون يسير فى موكبه المهيب يحيطه الكهنة والنبلاء والجنود ، والعباد يهتفون باسمه الخالد ،ترتسم ملامح الحزن على وجنتيها الجميلتين المتوردة ، باغتتها ابتسامة أتت من مخدع الملكة وابنتها ذات السنوات العشر التى ترسم الفرح بروحها الطائرة ترفرف على وجه الفرعون فتزيل آثار الوحشة عنه ،
تزلزل كيانها فتحولت إلى فرعونية الهوى تهيم بين القصور والدور، تعبث بالقلب العاشق زخرفة الحيطان ونبات البردى ودور العمال والطريق الممهد نحو القبر الفرعونى العظيم ،وكلمات نُقشت على الصخر يلقيها على عيونها فيشق ما بين الضلوع رغبة ورهبة ،
أطال النظر إليها وسرح بمخيلته وضم شفتيه وعض عليهما فمن تلك الحورية عاشقة الفرعون التى رمت بجسدها الممشوق بين أبهة الملك وتيجان العظمة فنالت روحها تقديس المكان وعلت نفسها تقديس الزمان ورمت بها بين احضان الجوى والسر الالهى الكبير .
رات نظراته القوية وجبهته العريضة وانفه الفرعونى المتسلسل من زمن يبوح لها اليوم بأسراره ، ورات فيه قائدها الذى قرات عنه وتسلل حبه إلى قلبها هذا الظافر المظفر الذى هابه البدو فى سيناء وحط تحت أقدامة ملوكهم والامراء فاكتسب شهرته من تلك الحرب المجيدة (حرب 1973،) اقتربت منه وهى تتفحص ملامحه وتعبث بنظراتها على وجهه ، وفى حركة خاطفة مدت يدها لتلامس كفه وهى جاثية على ركبتيها وكأنها تقدم طقس السجود لملكها ، يا له من منظر أربكه ، وأفقده توازنه وبحركة لا ارادية صعد بها رويدا إلى أعلى وألقى نظرة على عيونها التى أسرته باهدابها الطويلة ، وكأن كل منهما وجد ضالته فاستكانت العيون وتآلفت الارواح وسبحت الاجساد فى ملكوت الفرعون الغائب تسترق من وحى قصته بعض من عشق .
وكان فى قلبها وعقلها أن انتوت السكن بجانب عشقها لتقرأها جدرانه وتسكنها حجراته وتهيم بها روحه فى مسالك ودروب المعرفة والاسرار .
لم تخفى عنه رغبتها فى البقاء بجوار معشوقها وكان هو مفتش للأثار فساعدها على ان تكسب ما يعينها على البقاء بالعمل كمرشدة سياحية واتى لها بما يلزم من كتب تساعدها على ذلك ،واصبح الأستاذ تلميذا فى معيتها وحضرة معشوقها الفرعون كلما خلت الدروب من السائرين وسكنت الرياح وهدأت الكلمات على لسان المارة ، فنصبت خيمتها تحت أرجل الفرعون الكبير بجانب طريق وادى الموت حيث أراد أكبر أبنائه وولى عهده أن يتخلص منه لينفرد بالعرش ولكن الأقدار لم تمهله فدارت عليه الدائرة من اخلص رجاله وأرداه قتيلا ليترك الحياة ملوثا بالخيانة فيخسر الدنيا والابدية .
أصبح الليل لها والنهار للسائحين من كل بلاد العالم تحكى لهم عن عظمة الفرعون وعن أسرار الملكوت ، تسير بينهم فى خفة ورشاقة ، تنتقل بهم من حجرة إلى أخرى وهى تنشد أغانى الحب والحرب والظفر التى تتعلمها كل يوم حتى يظن من يسمعها أنها قد أتت من قصور الفراعين متخفية فى ظل امرأة غربية ، وهو يرقبها ولا يعلم أنها تغادر النهار لتكتمل حياتها الليلة باندماجها فى قلب التابوت متسللة إلى عمق المجهول غير هيابة لمايدور فى الباطن وما يعتمل داخل سرداب الحجرات المغلقة ، تراود الملتحفون بالصمت ليروون لها عن حكايا البيوت وخفايا القصور .
تقمصت شخصية أميرة مصرية تتيه حسنا ودلال سارت فى خطوات واثقة رآها الفرعون فأخذت بلبه ولكنه أخفى شهوته إليها ، تقدمت بروية وجلست فى فُرجَةٍ بين ساقيه ، نظرت فى عينيه وسألته ، هل تعرف يا مولاى قصة شهرزاد وشهريار ، وأردفت قبل أن يجيب أنا اليوم شهرزاد وانت مليكى العظيم الذى سيروى لى خبايا نفسه وأسرار عظمته التى لا يبوح بها لأحد وأنا أمينة سرك ومحبوبة عرشك وعاشقة بلاطك ، وأنُس آخرتك ، أنا هدية الخلود فى هرمك الكبير ، استراح الفرعون على فراشه الاثير وعاد إلى مجده يروى قصة بلده الذى بناه فى ثلاثين عاما كاملة ، ثم هم واقفا وأمسكها من يدها قائلا هلمى إلى الخارج لترى بنفسك العمال وهم ينشدون الاغانى فى محبة فرعون ، ويعملون بجد لبناء قبرى الجميل أعجوبة الدنيا ، تناوبت النظر بينه وبين هؤلاء الذين يسمون عمالا وظهر على وجهها الاسى لهم وقالت فى نبرة ضعيفة ، ولماذا يا مولاى يتحملون كل هذا العناء من أجل بناء لا ينفعهم ، وهنا ظهرت علامات الغضب على فرعون وكأنها مسته بخنجر ، وتذكر كم كان يحمل فى قلبه من حنق من أجلهم فكما عُرف فرعون بقوته عُرف بلين قلبه وخوفه على رعيته ، سرعان ما عاد ، قائلا : انهم تغمرهم السعادة ولا يشتكون من شئ ، وهل سألتهم يا مولاى ؟هل تفقدت أحوالهم وعرفت شكواهم ومدى سعادتهم أو بؤسهم ؟ زادت علامات الحنق والغضب فاستدركت قولها ، لا تبتأس يا مولاى فهم يدركون عظمة ما يفعلون ويسعدون به ولكنى سوف أرحل إليهم الليلة وآتيك بخبر عن سعادتهم وشقائهم وفرحهم وحزنهم ، فقد أدركنى الليل وفات ولابد لشهرزاد من الرحيل .
أسرعت تحمل ساقيها الريح منطلقة إلى مساكن العمال تسامرهم وتداعب أرواحهم باسم الآلهة ففتحت لها القلوب وبثت لوعها وشكوها وباحت لها باسرارها ونجواها.
ألقت ببصرها إلى السماء تطلب من الآلهة العون فيما هى ماضية فيه ، وثم اطرقت إلى الارض فلاح لها شبح يتقدم منها فى ظلمة الليل الحالك ، انه هو بملامحه الفرعونية الجميلة ووسامة طلته أتى ليحمل معها عبء ما تبحث عنه ، وما ان وطات قدمها أرض المدينة الصاخبة فوجدت جدران خاوية وبطون جائعة وبناء هش كعش العصفور يطارده الهواء وتجرفه الرياح وتساءلت أى عمال واى فرعون هذا الذى يترك رعيته فى العراء بلا ماوى ولا سكن ويصفهم بالسعادة لأجله ، وهنا تدخل الفرعون الصغير ليعيدها إلى حقيقة المكان الذى تقف فيه فلم يكن سوى الحقيقة المرة التى اصبح فيها شعب بلا ماوى وبلا فرعون وبلا حكومة ، تساءلت كيف هذا وهى منذ لحظات كانت فى حضرته البهية بكل ما يملك من قوة وسلطان وعنفوان وتيه ومجد وهو بنفسه من فتح لها آفاق الحرية لتنقل له حقيقة ما يعانيه شعبه أو ما يبوح لها به من فرح وسعادة ، فقال لها : أنظرى إلى نفسك وثيابك هل هذه ما يليلق بحضرة فرعون ، وهنا بُهتت كمن صب عليها قدر من نار ، وفار دمها .. أين التاج أين الجواهر أين وأين ..؟؟ تابط ذراعها وهدأ من روعها وأخذها معه فى رحلته الباحثة عن الحرية فطاف بها بين أحزان الفقراء وقصور الأمراء ولاح لها من بعيد هاك الميدان ترفرف فوقه اسراب الحمام فسألته ما هذا الميدان وما هذه الجموع من الناس قال لها مبتسما : هذا هو قصر الشعب وهذه جموع السلام وهذه اسراب الحمام تغنى وهاك أطياف الملائكة تحرسهم ، وهم يطلقون زفرات صدورهم بما تحمله من أنات نحو قصر الفرعون ، ويرسلون اصواتهم عبر اجنحة الحمام فترميها بين عباءة الفرعون ، فتجلجل بين جنبات القصر المسحور ، وتفرد سجاد العمر المنهوب بين طرقاته فيمشون علي الرقاب بلا هوادة ، حتى طأطأت اعظمها ، وفركت تحت العجلات وافترشت الأسفلت مخدعا والحجر وسادة
.هنا وجدت نفسها تطير بلا اجنحة يعلو صوتها كمن وجدت ملاذها ورفقتها نسيت من هى ومن أى البلاد أتت ، افترشت الأرض بذيل فستانها ووضعت حقيبتها وسادة وحملت ابتسامتها رسول سلام ، رسمت بفرشاتها أعلام الحرية منذ عصر الفراعنة التى تهواها وحتى عصر النانو التى ملأت الارض بكل حديث ، كتبت عن الأمهات اللآتى حملن الطعام والفُرش ، سمعت أغانى الحرية ، فى ايام قلائل اتقنت لغة القهوة ولغة الحرية ولغة العمال ولغة الفلاحين من كل صوب وحدب ، وقفت تحت أشعة الشمس لكى تكتسب لون النيل ، غرفت بيدها من مائه لكى لا تفارقه ، هتفت تحيا مصر ، عيش حرية عدالة اجتماعية ، وضعت يدها بيديه ووقفت تحمى المصابين وترد ضربات الغادرين ، أصابها الوهن فنامت ، وعلى صوت الناى الحزين وولولة الأمهات ونحيب الاصدقاء، صحت على دماء فرشت الارض ولونت الجدران رات فى عيون الصبايا البكاء بلا دمع ، وفى عيون الشيوخ الصراخ بلا تهويل ، وفى عيون الشباب رصاص اغلق فيها الحياة ، صمدت معهم وداوت المرضى وحملت قلمها ودفترها ، تجوب البلاد تحكى عن عظماء الفراعنة الصغار الذين أعادوا كتابة التاريخ تفترش الارض وتلتحف السماء ، حتى حطت رحالها فى الجنوب عند
معبد “رمسيس الثالث” بالكرنك الذى
أقامه رمسيس الثالث لإيواء السفن المقدسة ، يزينه تمثالان رائعان للملك من الخارج. ويليه من الداخل الفناء المكشوف الذى تحده البوائك (جمع باكية) شرقاً وغرباً. ويبدو الملك على الأعمدة فى هيئة أوزوريس
والجدران مزخرفة بالنقوش التى تمثل الملك فى أوضاع مختلفة أمام “الإله آمون”، ثم يلى ذلك دهليز به صفان من الأعمدة .. الأول منها يتكون من أعمدة تلتصق بها تماثيل “أوزيرية” والصف الثانى يتكون من أربعة أعمدة على هيئة نبات البردى. ويقودنا هذا الدهليز إلى بهو الأعمدة الذى يؤدى بدوره إلى المقاصير الثلاث الخاصة بإيواء السفن المقدسة لثالوث “طيبة”.
وقفت مشدوهة أمام تمثالان عظيمان يزينان واجهة هذا الصرح للملك “رمسيس الثانى” وهو واقف. -ولم يتبق إلا التمثال الأيمن، – .. إنه أشبه بغابة من الأعمدة التى تمثل نبات البردى،
نفسها قائلة : هذا هو مكان محطتى الاخيرة هنا سوف أرى مجد الفراعين وأحس بوجدهم وجمال عمرانهم وسعادة اهلهم بعيدا عن الميدان وساكنيه والعمران وقاطنيه والفساد الذى حل عليه ، هنا فى بهو الاعمدة الكبير وممر الكباش ومعبد حتشبسوت ، هنا الجمال والغنى والرغد ، وطمى النيل وسمرة الشمس ، ولكنها ما ان خطت بقدمها نحو العمار وتركت الفراعنة فى ثباتهم إلا ورأت الحال يتكرر ففى ميدان الحرية تئن القلوب وفى الجنوب تئن الحجارة الصماء فما بالك بتلك الأجساد القوية الفتية أحفاد الفراعنة العظام وتلك البشرة التى تغفو الشمس فى وجودها ويختبئ القمر فى الليل من نورها ، وتلك النظرة البراقة فى عيونهم تصوبها نحو من خذلوهم فيرفعون هاماتهم ويرسلون صيحاتهم نحو الشمال يبحثون عن حكام طيبة الابية ويرفعون التاج الابيض فوق راس مليكهم سكننرع ومن بعدة كاموس ثم أحمس كى يخلصهم من أعدائهم فى الشمال اصحاب القصور والعجلات الحربية ، رأتهم ينظرون إلى بشرتها التى لا زالت تقاوم من أجل بعض السمرة ، فباحوا لها باسرار أحاديث الجدود ورغبتهم فى الخلاص من جبروت الشمال وسطوته ، وأن يعود للجنوب سلطانه وقوته وخيراته ، هنا أدركت الخطر القادم فكان لابد من الرحيل نحو الميدان تحمل فى جعبتها رسائل الملوك بعيون الرجال ، وتحمل فى قلبها شمس احترقت من أجل رفعتها جلود النساء والصبايا والشباب ، عادت ليكون الميدان واحتها وسكنها والقلم سيفها والريشة على الجدار سلاحها ، التحقت بمدرسة خاصة تُعلّم التلاميذ معنى الوطن وأنشدت تقول : يعنى أيه كلمة وطن _
يعنى روح بتنادى لما الألم يشتد
لما صوت ولادى فى وسط الزحام يرتد
يعمل صدى يهد السكون ويهد
يزلزل المسكون ويعيد شهيد من القبر
يرسم بدمة كلمة وطن عدى حدود الغدر
هكذا عرفت الطريق من غرفة الفرعون بالهرم الأكبر إلى طريق وادى الملوك ومنه إلى سكن العمال ثم إلى ميدان التحرير ، حتى وصلت إلى الجنوب ومنه عادت إلى قلمها تبحث به عن الحرية فى صفحات الكتب وكراسات الاطفال ، تحمل فى هيئتها روح الملكات وفى قلبها رحمة الملائكة وفى عيونها سحر الانثى ، تسير تحت الشباك فيراها ويشرئب عنقه ليراها ويمتع نظره بها وهى تلقى بنظرة خاطفة إليه تحمل فوق شفتيها ابتسامة وتترك فستانها تداعبه الرياح تسير فى النهار بين الشوارع والميادين تلقى السلام وتداعب الصغار وفى الليل تحملها خلوتها إلى بهو الفرعون ، وهى تنادى عليه من الداخل حتى لا تغلبه راسه فيقع من الشباك ، لكن اليوم قرر ألا يطيل النظر فهرول نحو السلم وقطع الشارع وسار بجانبها ثم مد يده إليها قائلا : أنا ابن الفرعون ، يضحكان يضم كل منهما يده فى يد الآخر ويتجهان نحو ميدان الحرية.
http://mediterranya.wordpress.com/2014/01/30/%D8%B9%D8%A7%D8%B4%D9%82%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%81%D8%B1%D8%B9%D9%88%D9%86/
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق