من إعداد عبد القادر كعبان من الجزائر
شريف صالح مبدع مصري بإمتياز يحرص من خلال أعماله
الأدبية عموما على عملية التجريب و التجديد المتواصل و هذا ما نلمسه من خلال
اصداره الأخير لمجموعة قصص قصيرة جدا تحت عنوان "شق الثعبان" الصادرة عن
دار صفصافة للنشر و التوزيع و هي المجموعة الخامسة بعد
"اصبع يمشي وحده"، "مثلث العشق"، "بيضة على الشاطئ"
و "شخص صالح للقتل"، و من هذا المنطلق حرصنا على الوقوف أمام الجوانب
التجديدية في مساره القصصي:
·
ليس لي باب إلى القارئ إلا بالنص..
وعلى قدر ما يحمل النص من لغتي وهواجسي وأحلامي إلا أنه ينفصل عني كليًا بمجرد
طباعته ويصبح حرًا من سلطتي عليه.. ملكًا للقارئ وتأويلاته مهما بلغ بها من شطط.. فيولد النص عبر مئات القراءات والتأويلات بينما
تتلاشى ظلال كاتبه في النسيان.. من هنا جاءت مقولة بارت ب "موت
المؤلف".. فقد يتخيلين قارئ في الجزائر بوصفي عجوزًا أو بوصفي شاعرًا محبطًا
وقد يظن قارئ في سلطنة عمان أنني مت مثلًا. ما أريد قوله أنني عندما أقدم النص إلى
القارئ أنسحب كليًا إلى نص آخر في طور الكتابة والاختمار.. وما يتبقى ليس سوى ظلال
أو مجرد تصور لمؤلف ضمني قد لا يشهبني.. وبطبعي لا أعول كثيرًا على أي تواصل مباشر
بيني ككاتب وبين أي قارئ.. صحيح أنه مهم أن يعرفنا القراء وأن نحقق قدرًا من
الشهرة لأنفسنا والرواج لأعمالنا.. لكن الأهم من ذلك ألا تتحول المعرفة المباشرة
والشهرة والرواج إلى قيود تعيق الكاتب نفسه عن الإبداع واختلاق عوالم جديدة..
فيتحول إلى ظاهرة اجتماعية استهلاكية لملء فراغ الصحف وقنوات التلفزيون.
"شق الثعبان" عنوان يثير الفضول
ويدفع القارئ للتساؤل، فما هي قصدية هذا العنوان؟
·
لن أزعم أن هناك قصدية وراءه.. في مجموعات القصصية مثل "إصبع يمشي
وحده" و"مثلث العشق" و"بيضة على الشاطئ" لجأت إلى عنوان
يلقي بظلاله على الخيط الرئيسي للنصوص كلها ولا يكون عنوانا لأي نص داخلي.. أما في
"شخص صالح للقتل" وفي "شق الثعبان" وهم تضمان أكثر من ستين
نصًا قصيرًا.. يصبح البحث عن هذا الخيط الرئيسي عبثيا ومستحيلا.. لذلك أفعل العكس
وأختار أحد عناوين النصوص التي أشعر بجاذبيتها وإيقاعها كعنوان كتاب.. ولو كان لي
مطلق الحرية لنشرتها من دون عنوان. لذلك لا أظن أن ل "شق الثعبان" ظلال
على النصوص كلها، فهو مجرد لحظة من لحظاتها وحالة من حالاتها يمكن تبينها بقراءة
النص نفسه.
ما هي الموضوعات التي تناولها اصدارك القصصي
القصير جدا باختصار؟
·
نظرًا لصغر حجم النصوص فهي تتأرجح من سطر إلى صفحة واحدة على أقصى تقدير،
لا أستطيع أن أزعم أنها تستغرق موضوعات معينة.. فبعضها أحلام وبعضها الآخر ومضات
شعرية، وومضات من الذاكرة والذكريات وتفاصيل عابرة في حياتنا اليومية ومشاعر
صوفية.. قد نلمح ثيمات ما مثل علاقة المواطن بالسلطة، قوارب وسفن الهروب من العالم
العربي إلى أوروبا، ارتباط الإنسان بالجمال كقيمة في ذاتها، علاقة الرجل بالمرأة،
الطفل بالأم.. لكن تجريد هذه الثيمات بمعزل عن النص نفسه يبدو لي عملا مجحفًا، فلا
أتصور أن نصًا من سطرين سيعالج بعمق أي ثيمة من تلك الثيمات.
أين تقف المرأة كشخصية من خلال مجموعة "شق الثعبان"؟
·
أزعم أنني لا شعورياً ودائما منحاز للمرأة.. للأم والحبيب.. لمنبع الجمال
والحنان والطيبة.. وأتخفف قدر ما أستطيع من انحيازاتي الذكورية عند الكتابة.. وهذا
الموقف الواعي قد يتسرب لا شعوريًا في بعض النصوص فتبدو المرأة مثلا رمزا للجمال
والبهجة والسرور وغاية المرء في طريقه الطويل.. لكن الأمر لا يسير في الكتابة
بإرادتنا فقط، بمعنى أننا عندما نكتب تتراجع قناعاتنا وتتقدم قناعات الشخصيات
نفسها.. فقد يبدو المنظور ذكورياً في قصة مثل "زوجتي والحية" ليس فقط
لأنها تعبر عن إرث لا شعوري يربط المرأة بالحية وخطيئة آدم.. بل لأن المنظور
السردي نفسه يعبر عن هوية البطل والرواي وليس عن قناعتي ككاتب. فنحن لا نكتب
انحيازاتنا فحسب بل وانحيازات الشخصيات التي تتجسد عبر السطور.
ما هي معايير القصة القصيرة جدا في رأيك؟
·
برغم كتابتي لمجموعتين تنتميان إلى القصة القصيرة جدا، لكنني أعترف أنني لا
أميل إلى هذا اللون، ولا يشبعني كثيرًا كقارئ.. لكن ما يحدث خلال أكثر من عشرين
سنة كتابة أنه تتجمع لدي نصوص قصيرة جدا لا تخلو من نفس سردي فأقرر جمعها ونشرها..
هكذا ببساطة.. دون أن أدعي أن لي باعا في حرفية القصة القصيرة جدا أو أحاول تقليد
المتخصصين فيها.. لأنني أشعر أن معظم ما يكتب يخلو من الخيط السردي ويتحول إلى
حكمة على جدار.. أو مفارقة ذهنية جافة.. ولعل هذا تحديدا ما حاولت التخلص منه قدر
الإمكان.. أي كتابة سرد لا يفقد حيويته بأقل قدر من الكلمات.. وأعجبني صراحة ما
قاله لي الصديق الكاتب المغربي حسن البقالي وهو مبدع في ال "ق.ق.ج"
بأنني أكتبها بروح القصة القصيرة وجمالياتها.. لأنني مهما كثفت الكلمات يهمني جدا
الإبقاء على الحكاية.. وليس على الفكرة الذهنية الجافة والحكمة والمفارقة اللغوية
المفتعلة.
عن تجربتك القصصية بشكل عام، ما هو الشيء المختلف الذي
أردت إضافته اليها؟
·
مقارنة بالأعمال السابقة، وعلى مستوى الشكل، هذه أقصر نصوص كتبتها على
الإطلاق.. ففي "شخص صالح للقتل" بعد النصوص امتدت لأكثر من صفحتين.. أما
في هذه المجموعة ففرضت على نفسي مزيدا من القسوة وألا أتجاوز صفحة واحدة مهما كان
إغراء الحكي.. كما ملت أكثر إلى روح التصوف والأحلام وإن كان هذا الملمح لا يغيب
عن نصوصي السابقة. وفي كل الأحوال أحرص مع كل مجموعة جديدة أقدمها، ألا يكون
الجديد فقط أن لدي "المزيد من الحكايات" بل أن يكون لدي أيضاً المزيد من
التجريب والتقنيات.. مثل اللعب على شعر الهايكو مثلا.. أو على الإعلانات المبوبة..
أو حتى "كليشهات" مواقع التواصل الاجتماعي.. فأينما يوجد بشر وتوجد لغة
بالإمكان العثور على نص.
نعلم أن مجموعاتك القصصية قد حفلت بتلق واسع في مصر، فهل
استطاع النقاد أن يقفوا على خباياها؟
·
قراءة أي ناقد هي قراءته وتأويله وفق منطلقه ومنهجة وذائقته الجمالية.. وكل
قراءة حتى لو اتجهت أكثر نحو العيوب والمثالب لها احترامها واحترام وعي كاتبها..
فهي قد ترشدني إلى نقاط ضعف في تجربتي لا أعيها.. وقد ترشدني القراءة المحبة
للنصوص إلى نقاط قوة لم أكن أتخيل وجودها.. فهناك دائما نوع من الحوار الممتد
والجدلي الذي لا ينتهي بين النصوص ونقادها وكتابها وهو يستهويني بشكل شخصي.. ولست
من هواة الإدعاء أن هناك خبيئة يقنية مؤكدة وعلى الناقد أن يستكشفها ولا يستكشف
غيرها.. فربما أفرح أكثر بناقد يغوص بطريقته الخاصة ويخرج بخبيئته هو.
"الحكايات التي لا تنتهي، لا تنتهي ما
دامت قابلة لأن تروى" مقولة لصاحبة المجموعة القصصية "تقارير السيدة
راء" الأديبة الفذة رضوى عاشور التي رحلت عن عالمنا و لكنها ستظل بأعمالها
تلك القاصة و الروائية و المناضلة الإنسانية، فما تعليقك؟
·
أوافق الكاتبة والمناضلة الراحلة رضوى عاشور تماما.. وأزعم أنني أسست
دراستي للماجستير عن نجيب محفوظ على هذه المقولة.. فلا أحد ينزل نهر الحكاية
مرتين.. فهي تظل تتجدد وتتجدد بتعدد الرواة/المتلقين
كيف تقيم المشهد القصصي المصري اليوم؟ ما هي الأسماء
الحاضرة فيه بقوة؟
·
المشهد القصصي في مصر والعالم العربي مميز جدا وهناك أصوات كثيرة محترمة
وتقدم تجارب لافتة.. لكن اعذرني لا أود التورط في فخ الأسماء لأنني حتمًا سأنسى..
ولا يشغلني أيضًا تكريس أحد كسلطة على القارئ وفقًا لذائقتي الشخصية.. هناك عشرات
المجاميع القصصية العربية الجديرة بالاحترام.. وعلى كل قارئ أن يبحث عما يناسب
ذائقته.. والمشكلة التي نعاني منها ككتاب قصة هي أن أضواء الإعلام والجوائز تتسلط
على الرواية كأنها الجنس الأدبي الوحيد في المشهد الإبداعي وهذا غير صحيح، ودوافعه
تجارية وراءها دور النشر الخاصة والجهات المانحة للجوائز.
كيف تقيم العلاقات الثقافية بين مصر و الجزائر حاليا؟
·
للأسف لستُ في منصب رسمي يسمح لي بالحديث باسم دول.. وأيضا أنا ممن يراهنون
على الوعي الشعبي ووعي المبدعين أنفسهم في التواصل بمعزل عن بلاهة وبلادة
"الرسمي".. كما تواصلنا أنا وأنت.. وكما يتواصل الآن عشرات المبدعين
العرب عبر مواقع التواصل الاجتماعي.. الرهان على تلك التشكلات الحرة والفردية
والشعبية.. أما الحكومات فلها حسابات التي تدور غالبا خارج إيقاع الزمن.. والنصوص
الآن تصل بسهولة ويمكننا أن نتحاور بشأنها.. أومن أننا أبناء ثقافة عربية واحدة،
بتنويعات مختلفة، لكن أبناء عشرات السياسات الفاشلة والمجحفة بحقنا.
كلمة أخيرة تود قولها للقارئ؟
·
أتمنى أن يجد في "شق الثعبان" وفي أعمالي السابقة شيئًا يبقى في
ذاكرته.. شيئًا يبقى في حياته.. ويلهمه على نحو.. ويجعله أكثر شغفًا بقيم الحب
والخق والخير والجمال.. وأكثر استمساكاً بها في رحلة حياته
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق