2012/03/03

قصة "الحب الأول " بقلم: د.صديق الحكيم

قصة "الحب الأول "
بقلم: د.صديق الحكيم
يقول قيس بن الملوح الملقب بمجنون ليلي*
(تذكرت ليلى والسنين الخواليا
وأيام لا أعدي على الدهر عاديا
أعد الليالي ليلة بعد ليلة
وقد عشت دهرا لا أعد اللياليا
أمر على الديار ديار ليلي
أقبل ذا الجدار وذا الجدارِ
وما حب الديار شغفن قلبى
ولكن حب من سكن الديار)
(1)
كان أدهم متيما بحب حسناء ، لقد أحبها حبا عذريا من طرف واحد، فهي لا تعلم شيئا عن غرامه بها ولا هيامه بجمالها وقد ظل محتفظا بسره بين أضلعه ولم يبُح به ،لأحد حتي زاد عليه الوله واستبد به العشق ولم يستطع أن يصبر علي كتمان سره ولكن ما عساه أن يفعل ؟ هل يبوح بحب حسناء لأحد حتي يخفف عنه ماهو فيه ؟ ومن يكون ذلك الإنسان ؟
(2)
لابد أن يكون صديق صدوقا وأمينا مؤتمنا علي هذا السر الخطير وبعد طول فكر ، لايوجد غير واحد فقط لهذه المهمة العظيمة إنه صديقي الوحيد والأثير بدران . نعم هو من أستطيع أن أفضي إليه بسري وأبوح له بحبي لحسناء فيسمع صوت قلبي ويخفف عني معاناتي التي ألاقيها من سهم لحظها الذي أصاب مني الفؤاد فلا أستيطع نزعه لأشفي منه ولا أستيطع أن أبقيه لأنه يدمي قلبي
(3)
طلب أدهب المساعدة من بدران فجاءه من أقصي المدينة يسعي
-خيرا ماذا ألم بك يا صديقي ؟
-لاشئ
-هل بك علة ؟
-أنت تبدو بصحة جيدة
-نعم الحمدلله
-مالأمر إذن ؟ دعني أخمن الأمر هل يتعلق بفتاة ؟
- كيف عرفت ؟ الصب تفضحه عيونه يا صديقي
(4)
-هل الأمر ظاهرعلي ملامح وجهي لهذه الدرجة ؟
-عزيزي هذه أمور طبيعية يمر بها كل شاب وفتاة في مثل عمرك
-لكن من تكون هذه الفتاة التي قدرت أن تحرك مشاعرك وتهز وجدانك هكذا؟
-فتاتي هي البدر في تمامه والشمس في ضحها هي ست الحسن وشهرزاد هي حورية خرجت من الجنة هي ست الحسن وشهرزاد هي حورية خرجت من الجنة
(5)
-لم أقصد أوصافها وملامحها بل قصدت اسمها ، ابنة من؟
-اسمها حسناء إسماعيل
-حسناء حسناء بنت أخت عصام البرنس
- نعم هي
-لم أرها منذ وقت طويل
-في أي كلية هي؟
- آداب إسكندرية
-وفي أي سنة دراسية
- في سنة أولي قسم تاريخ
(6)
-وهل هي تعلم بحقيقة مشاعرك نحوها؟
-كلا هذا الحب ساكن في قلبي ولم أبح به لأحد قبل الآن إلا لك أنت
أما هي فلا تعلم شيئا لأنني لا أريد أن أبوح لها وإن أردت فلا أقدرعلي ذلك لأن جمالها وجلال طلعتها تخرس الألسنة ويتوه من حسنها العقل
-وكيف عرفتها وأين ومتي؟
-أشعر أني أعرفها منذ زمن بعيد منذ بداية التأريخ منذ نزل آدم من الجنة كأني فتحت عيني فوجدتها أمامي ليس مهم متي وأين؟ المهم أنها تربعت علي عرش قلبي فأضحت أميرة مشاعري وملكة أحاسيسي
(7)
-أنا فهمت الآن
- ماذا فهمت؟
-لماذا كنت تصر علي السير في الطريق التي تمر أمام بيتها مع أنه الطريق الأطول
وكنت تكرر المرور صباحا ومساء
-كنت أرجو أن أفوز بنظرة من لحظها تشفي جرح فؤادي
-وهل فزت بتلك النظرة ؟
(8)
-لم يحدث حتي الآن لكن يكفيني أن أمر ببيتها أتحسس جدرانه وألثمها كلما استطعت إلي ذلك سبيلا
- حالك يشبه حال مجنون ليلي حين قال
"أمر على الديار ديار ليلي
أقبل ذا الجدار وذا الجدارِ
وما حب الديار شغفن قلبى
ولكن حب من سكن الديار"
(9)
-هل سأصبح مثل مجنون ليلي ؟
-لا ، إن شاء الله لن تصل لهذه الدرجة
-لا أدري ماهو مصير حبي لها؟ لكني سوف أمضي في الطريق حتي النهاية
- أي نهاية تقصد ؟
-النهاية الطبيعية لكل قصص الحب
-ياعزيزي معظم قصص الحب الشهيرة انتهت بمأساة
- أعوذ بالله منك يا أخي بشروا ولا تنفروا ، أقصد بالنهاية الطبيعية وهي الزواج علي سنة الله ورسوله
-عندي سؤال ربما يكون قاسيا لكنه واقعي
-تفضل أنت صديقي الصدوق وحتما تهمك مصلحتي
-هل تملك الإمكانيات لإتمام تلك الزيجة ؟
-سؤالك في محله صحيح أنا الآن أعاني رقة الحال لكن الله وهو الرزاق الغني وعد أن بعد العسر يسراووهو خير معين لطالب العفاف
(10)
-إذن أنت مُصرعلي المضي في هذا الطريق حتي النهاية
-نعم بكل ما أوتيت من قوة حتي أبشر بالقبول ويتم المراد من رب العباد
-أنت صديقي وحقك علي النصحية وأنت تثق أنني لا أريد لك إلا الخير -نعم لذا أنت أول شخص أبوح له بمكنون أسراري واكشف له حبي لها وأريده أن يساعدني علي تذليل الصعاب لتتحقق أمنيتي وهو جميل لن أنساه لك ماحييت وأعدك إن رزقنا بمولود أن اسميه بدران
(11)
- أعطني يوم أو يومين أتحدث مع خالها واستوضح منه الأمر عسي أن أكون سببا في إتمام الأمر
- أعتمد علي الله ثم عليك في هذا الأمر
- ثق بي يا صديقي العزيز فأنت تعرف مدي محبتي لك وحرصي علي سعادتك وأحب لك كل الخير
(12)
مر الثلاثاء والأربعاء ثم الخميس ولم يظهر صديقي بدران فقلت لعله مشغول في سفر أو عمل مهم وإن كانت عادته أن يمر بي كل يوم مرة أوأكثر
فذهبت إلي بيته بعد صلاة المغرب أسأل عنه لعله يكون مريضا
فأخبرتني أمه أنه عند صديقه عصام منذ طلعة الشمس
فاستبشرت خيرا لابد أنه يقوم بالمهمة العظيمة علي أتم وجه فقلت أراه غدا لعله يحمل لي أخبارا سارة تقرب البعيد وتحقق الأماني وتشفي القلب العليل
(13)
وفي يوم الجمعة المبارك استيقظت نشيطا أغني مع الكروان أجمل الألحان وأعذب كلمات الحب والغرام وأتلهف لسماع الخبرالسعيد الذي انتظره علي أحر من الجمر، ساعة أن يأتي بدران ويقول لي لقد تم المراد
وأحلم بعدها أني أخطف حسناء علي حصان أبيض ونذهب معاً لجزيرة بعيدة عن أعين الناس نعيش فيها بقية العمر
لقد أصبحت ولدي رغبة ملحة و شهية نهمة لقراءة أشعار الحب لإبراهيم ناجي وقيس بن الملوح وعنترة وغيرهم
(14)
ذهبت لمكتبتي أستنجد بها فوقع نظري علي كتاب المعلقات السبع فتناولته وأخذت اتصفحه بحثا عن معلقة عنترة بن شداد وفي أثناء البحث استوقفتني أبيات من معلقة طرفة بن العبد* لا أدري لماذا؟ لكني أخذت أرددها
ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلاً ويأتيك بالأخبار من لم تزود
ويأتيك بالأخبار من لم تبع له بتاتاً ولم تضرب له وقت موعد
لعلها تكون مناسبة لمقامي وانتظاري لخبر سار لكني أعلم من زودته بنقل الخبروهوقد ضرب لي وقت موعد
(15)
طُرق باب البيت ثلاث طرقات ومع كل طرقة كان قلبي يخفق بشدة فقمت من فوري لأفتح الباب وقلبي يكاد يطير من الفرح لتشوقه لسماع النبأ السعيد
فتحت الباب –استغربت للوهلة الأولي ثم أجبت تحية الطارق بأحسن منها
-أنت مستغرب لحضوري إليك في هذا الوقت
-لا معاذ الله أنت مرحب بك في كل وقت
(16)
-خيرا إن شاء الله هل أستطيع مساعدتك في أي شئ؟
-أكرمك الله ، أنا فقط جئت حاملا لك خبرا ربما يكون غير سار
-خير إن شاء الله
-بدران مريض أوحدث له مكروه لا قدر الله
-لا أخي بدران بخير وبأحسن حال
-استبد بي القلق وساورتني الشكوك هل رفضت طلبي؟
-لكن الطارق تابع حديثه إلي
(17)
-لقد سألت عنه بالأمس وكان طوال النهار خارج البيت ولم يرجع إلا بعد منتصف الليل
-تمام لعله كان في عمل شاق ومضن ولم يستطع أن يأتي إليّله عذره طبعا
-نعم كان في عمل مضن ولم يستطيع ولن يستطيع أن يأتي إليك بعد اليوم
-لماذا؟ وماذا تقصد بقولك بعد اليوم
-بالله عليك أخبرني الحقيقة
-لقد أتم ليلة أمس خطبته
-ولم يخبرني بشئ وفوق ذلك لم يعزمني ؟
-ومن تكون سعيدة الحظ
(18)
-إنها حسناء
- حسناء إسماعيل التي خالها عصام
-لم أدر بماذا أرد عليه ، لقد جمد الدم في عروقي وتوقف قلبي عن النبض وغبت عن الوعي للحظات ثم عدت أسأله متي وكيف وأين؟
-أنت تعلم أن هذه الأمور قسمة ونصيب ثم انصرف إلي حال سبيله
(19)
ماذا أقول ؟....ماذا أفعل؟
لقد تركني الطارق مع صدمتي كثور مذبوح هاج وماج ثم همد مستسلما
أطفئت الأنوار وغلقت الأبواب
وفي بكاء صامت استلقيت علي سريري
جسدي ممد كميت وعيناي مفتوحتان كالجاحظ
(20)
من ألوم ؟ ألوم نفسي أم ألوم صديقي أم ألوم من كانت حبيبتي
وجدت الإجابة عندما صدحت نجاة
(ماذا أقول لأدمع سفحتها أشواقي إليك
ماذا أقول لأضلع مزقتها خوفا عليك
أأقول هانت؟.. أأقول خانت أأقولها؟..
لو قلتها أشفي غليلي.. يا ويلتي..لا
لا، لن أقول ، فقولي..
لا تخجلي.. لاتفزعي مني.. فلست بثائر
أنقذتني.. من زيف أحلامي وغدر مشاعري
فرأيت أنك كنت قيدا حرصت العمر ألا أكسره
فكسرته!
ورأيت أنك كنت ذنبا سألت الله ألا يغفره
فغفرته
كوني كما تبغين لكن لن تكوني
فأنا صنعتك من هواي، ومن جنوني
ولقد برئت من الهوى ومن الجنون!
المسودة الأولي 28/2/2012
المسودة السابعة 29/2/2012
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قيس بن الملوّح بن مزاحم بن عدس بن ربيعة بن جعده بن كعب بن ربيعة العامري من بطون هوازن والملقب بمجنون ليلى (645م - 688), شاعر غزل عربي، من المتيمين، من أهل نجد. عاش في فترة خلافة مروان بن الحكم وعبد الملك بن مروان في القرن الأول من الهجرة في بادية العرب.

هناك تعليق واحد:

غير معرف يقول...

كان ذلك يوم ميلادي